منال عاصي تقتل للمرة الثانية
” شخص انفعالي يثور بسرعة ولا يتمالك أعصابه ” صفات كانت كافية لإصدار محكمة الجنايات في بيروت حكماً «مخففا» على محمد النحيلي قاتل “منال عاصي” ! المحكمة لم تكتفِ بذلك، بل حمّلت في في حيثيات القضية المجني عليها منال «مسؤولية عملها غير المحق تجاه زوجها الجاني بخيانته والتعرض لشرفه وكرامته وسمعة ابنتيه وتشردهما في حال طلاقه منها في الوقت الذي لم يكن يشك بها» .
هكذا، وببساطة متناهية،الضحية تحولت إلى متهمة، وحكم القضاء اللبناني الذي إحتكم طلاب وطالبات العدالة في لبنان، كان حكماً ظالماً لمنال وآلاف النساء اللواتي يتعرضن يومياً للتعنيف والقتل .
أما في حيثيات إصدار المحكمة للحكم ، فقد اعتبرت الأخيرة أن شروط العذر المخفف متوافرة في حالة المتهم فضلاً عن إسقاط الجهة المدعية حقوقها الشخصية، وبالنظر لظروف الحادث واسبابه ولوضع المتهم المعيشي ولحاجة ابنتيه الى رعايته قررت بالاجماع الحكم عليه بالاعدام وانزال العقوبة الى السجن سبع سنوات وتخفيفها الى السجن خمس سنوات مع احتساب مدة توقيفه
الحكم الذي صدر بعد ظهر امس عن محكمة الجنايات برئاسة القاضية هيلانة اسكندر وعضوية المستشارين القاضيين عماد سعيد وهاني عبدالمنعم الحجار، يقع في 45 صفحة ويتضمّن وقائع الجريمة وافادات المتهم والشهود، وهو يسترجع فصول الاعتداء الذي تعرضت له المغدورة بالضرب بالايدي وطنجرة ضغط وصحن زجاج بحسب اقوال شقيقتها .
واعتبرت المعطيات أن مباغتة الزوج لزوجته تحادث عشيقها على الهاتف واعترافها له بالخيانة منذ خمس سنوات اي قبل زواجه الثاني جعله في ثورة غضب شديد علما بحسب المحكمة أنه شخص متديّن يفتح بيته لتمكين زوجته من اقامة حلقات «الذكر» واعطاء الدروس الدينية .
واستندت من خلال تخفيف الحكم إلى شروط المادة 252 التي تمنح الأسباب التخفيفية للقاتل الذي فاجأ زوجته بحال الجمتع المشهود من النصوص لكنها لا زالت موجودة ومرسخة في النفوس .
ردود الفعل على الحكم توالت وكان أبرزها من منظمة كفى التي كتبت تحت عنوان كم كنتِ وحيدة يا منال.
وفي تفاصيل ما نشرته على موقعها الالكتروني قالت :
قضيّتكِ التي كانت أملاً لنا، غدت كابوساً لم نكن نتوقّعه. قضيّتكِ التي خلناها من القضايا القليلة المتبقيّة التي ستنتصر لكِ وللعدالة، انتصرت للقاتل والذكوريّة المعشعشة في كل زاوية من بلادنا. خمس سنوات، مع احتساب مدّة التوقيف، هو الحكم الملفوف على شكل هديّة قدّمتها محكمة الجنايات في بيروت لمحمّد النحيلي، قاتلكِ يا منال العاصي.
ظنّ بعضنا أنّ جريمة الشرف في لبنان خرجت من الباب الواسع بعد إلغاء المادّة 562 من قانون العقوبات، فإذا بها تُكرّر إطلالاتها من نافذة الغضب المخفّف لحجم الجرم. عادت لتمنح أسباباً تخفيفية وفقا للمادّة 252. هكذا، حُكِم على منال العاصي بالموت مرّتين. فالضحية هي خائنة في نظر زوجها وأهلها، لذا استحقَّت الضرب حتى الموت. أمّا القاتل، فهو الشهم الذي تمّ “التعرّض لشرفه وكرامته وسمعة ابنتيه” بفعل عمل الخيانة هذا، وبما أنه شخص انفعالي يثور بسرعة ولا يتمالك أعصابه، استحقّ منحه أسباباً تخفيفية وفقاً للمادّة 252 وحُكم عليه بالسجن 5 سنوات. إنه المجتمع الذكوري بأبهى تجلياته. إنه التساهل مع الذكر الذي يقرّر أن يأخذ “حقَه” بيده، فيُصدر الحكم بالقتل، ويُنفّذ الحكم.
لا قيمة لغضبكِ من عنفه وغضبكِ من خيانته لكِ وزواجه عليكِ، أمام غضبه. فغضب الرجل يا منال يُحسب له حساب. غضب الرجل شرعي ومشرّع، أمّا غضب النساء فلا. وإن حُسب له بعض الحساب، اعتُبر فسقاً، أو تهوّراً، أو جنوناً.
بعد ثلاث سنوات تقريباً، سيخرج القاتل الذي ضربكِ وعذّبك وحرقك وأوجعك ودمّمك وسحلك وأغماك، وربط ذكراكِ بطنجرة البرستو، لأن ثمّة ما دفعه لاستعمالها واقتراف ما اقترفه… ولأن أولاده يحتاجون إليه، على أساس أنه أب مثاليّ. سيخرج القاتل الذي خانكِ قبل أن يتزوّج عليكِ، لأنكِ خنتِه! نتيجة أقلّ ما يقال فيها إنها مهزلة حقيقيّة تضرب عرض الحائط جميع الاعتبارات المنطقية والأخلاقية، وجميع المبادئ الحقوقية التي لا تزال قوانيننا بعيدة كلّ البعد عنها.
أمّا قضاؤنا الذي تطلّعنا إليه بأمل في أن ينصف ضحايانا بناءً على معطيات واضحة وثابتة، فهذا ما ارتكبته يداه: حكم مخفّف يقتضي السجن لخمس سنوات فقط لقاتل منال العاصي. وقبل هذا الحكم، ماذا فعل القضاء؟
تأخّر حوالي العامين لإصدار تهمة التسبّب بوفاة بحقّ زوج رولا يعقوب الذي لم يُلقَ القبض عليه حتّى الآن؛ أخلى سبيل قاتل رقيّة منذر الذي ينعم، كزوج رولا يعقوب، برفقة أولاده الذين حرمهم أمّهم؛ خفّض التهمة على قاتل لطيفة قصير الذي سيمضي سنوات قليلة في السجن، وقد يخرج بعدها في نزهة مع زميله محمد النحيلي ويتبادلان القصص حول زوجتين عذّباهما تعذيباً وقتلاهما… لشدّة الغضب. “ثار غضبه، فأقدم على قتلها”… إلى متى؟
وختمت كفى
كم هي رخيصة حيوات النساء في بلادنا. كم كنتِ وحيدة يا منال.