جردة حقوق وأوضاع النساء في لبنان للعام 2016
لا زال الانطباع السائد في العالم العربي أن المرأة اللبنانية متحررة ومتقدّمة في مجال الحقوق بالمقارنة مع وضع المرأة في دول عربية أخرى، إلاّ أن الأرقام والوقائع تكذّب هذه الفكرة ولعلّ أبرزها التقرير الأخير الذي أصدرته منظمة Save the Children مقيّمةً فيه وضع النساء والفتيات في مختلف دول العالم حيث حلّ لبنان في المرتبة 76 من أصل 144 دولة.
وصنّف التقرير الدول وفق معايير التعليم، وتزويج القاصرات، والحمل في سن المراهقة، وحالات الوفاة عند الولادة، وعدد النساء في البرلمان…وعلى الصعيد العربي، لم تتبوّأ اللبنانيات المرتبة الأولى، بل حلّت أمامهن نساء من دول مختلفة من بينها الجزائريات(في المرتبة 31)، والتونسيات (في المرتبة 33)، والقطريات (في المرتبة 53)، والأردنيات (في المرتبة 58)…
يعدّ مشوار تحقيق المساواة بين الجنسين في لبنان طويلاً ومعبّداً بالعقبات، إلاّ أنّ النضال النسوي ماض بتخطّيها تارةً وبتأسيس قاعدة تكون منطلقاً لجولة نضال جديدة تارةً أخرى. ومع نهاية العام 2016 وإقبالنا على عام جديد، نأمل بأن يحمل في جعبته العدالة والإنصاف للنساء وجميع فئات المجتمع، نضع بين أيديكم\ن جردة عامة لمجمل واقع وقضايا النساء في لبنان خلال هذا العام.
العنف ضد النساء بين الممارسة والقانون
على الرغم من اننا أصبحنا في الألفية الثانية، إلاّ أن مسار تطوير القوانين، عملاً بالمواثيق المتعلقة بحقوق الانسان، في لبنان لا يزال خجولاً. ولعلّ أبرز الأمثلة الصارخة في هذا الإطار، هي أننا ما زلنا حتى يومنا هذا نسمع بما يسمى “جريمة شرف”، ذهبت ضحيتها منذ فترة وجيزة هبة ط. ابنة 28 عامًا والتي خسرت حياتها على يد شقيقها في منطقة دورس – بعلبك على وقع الدم وغريزة الانتقام. ويعدّ العام 2016 عام كشف ثغرات قانون حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، الذي كان قد أقرّ في العام 2014،والذي لم ينصّ على تجريم الاغتصاب الزوجي، بحجة عدم وجود مسوغ ديني يدينه واضعين اياه ضمن مندرجات الحقوق الزوجية للرجل، وصولاً إلى مشكلة سن الحضانة الذي لم يتم تعديله في غالبية قوانين الأحوال الشخصية، والذي ساهمت قضية المواطنة فاطمة حمزة في إعادته للواجهة بعدما سُجنت بإيعاز من المحكمة الشرعية الجعفرية بعد رفضها تخليها عن حضانة ابنها البالغ من العمر 3 سنوات، لتعود وتنال حريتها بتدخّل سياسي من رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد ضغط شعبي قادته حملة “مع فاطمة ضد المحكمة الجعفرية”. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن التمييز في قوانين الأحوال الشخصية لا يقتصر على قضية الحضانة فقط بل يتعداها إلى مجمل القضايا الأسرية من الإرث إلى الطلاق والنفقة وغيرها الكثير. ولا تزال الدولة اللبنانية تغضّ النظر عن قوانين الأحوال الشخصية هذه المخالفة بوضوح لمبدأ المساواة المكرّس في الدستور، ولم تتجرّأ حتى اليوم على تشريع قانون مدني عادل، لا يرى في المرأة كائناً تابعاً للذّكر في أسرتها وناقص الأهلية والحقوق.
وفي ظلّ هذا العجز القانوني على حماية النساء من العنف، سلّط العام 2016 الضوء على ملفات جديدة وأخرى قديمة لضحايا العنف الأسري، وفيمايتعلق بنسبة العنف ضد النساء هذا العام ترجّح جمعية كفى أن يصل عدد النساء اللواتي بلّغن الجمعية عن العنف الممارس ضدهن وطلبن حمايتها إلى حوالي الألف، ذلك دون ان ننسى بالطبع الأرقام المتوفرة لدى منظمات نسائية أخرى تعمل على حماية النساء من العنف. وفي هذا الإطار، من المفيد التعريج على بعض قضايا النساء ضحايا العنف الأسري العالقة منذ العام 2013 إما في الهيئات الاتهامية أو محاكم الجنايات. لا يزال قاتل رولا يعقوب، زوجها كرم البازي، حرّاً طليقاً وقد استفاد من إبطال مذكّرة التوقيف بحقّه بعد أن أقدم على تمييز قرار الهيئة الاتهامية في الشمال الذي صدر في أيار الماضي والملفّ اليوم أمام محكمة التمييز برئاسة القاضي جوزيف سماحة؛ لا يزال ملف الضحية سلام عيسى في محكمة الجنايات؛ في قضية شيرين عساكر، لم يُثبت بعد جرم الحضّ على الانتحار وزوجها شيرين مُخلى سبيله والعائلة تستأنف؛زوج كريستال أبو شقرا المتّهم بحضّها على الانتحار حرّ طليق، ولا قرار حتّى الآن من قبل قاضي التحقيق؛عقدت محكمة الجنايات برئاسة القاضي فيصل حيدر جلسة في الدعوى المُقامة ضدّ جان ديب، قاتل نسرين روحانا، وتمّ تعيين الجلسة المقبلة في 27/1/2017، حيث حاول ديب ادّعاء “الاضطراب النفسي” للتهرّب أو التحفيف من العقاب، إلاّ أنّ الطبيب النفسي لم يرَ في حالته تبريراً لجريمته التي اعترف خلال مسار المحاكمة أنه ارتكبها عن سابق تصوّر وتصميم؛ أصدرت رئيسة محكمة جنايات بيروت القاضية هيلانة اسكندر في قضيّة منال العاصي، المقتولة على يد زوجها، قرار حاكمت من خلاله الضحية بدلاً من المجرم، باعتبارها إن «الضحية ارتكبت عملاً غير محق وعلى جانب من الخطورة، هو الخيانة الزوجية». هذا التبرير، الذي لا إثبات عليه بموت منال، أفضى إلى حكم ذكوري يعيد إحياء مفهوم جريمة الشرف. وجرّاء الضغط الكثيف من قبل المنظمات النسائية وعلى رأسها جمعية كفى عنف وإستغلال، تحرّكت النيابة العامة التمييزية، وقدّمت طلباً لنقض حكم اسكندر، وذلك بعد تقاعس النيابة العامة الاستئنافية عن أداء واجباتها في المهلة المحددة لها في غضون شهر من صدور الحكم عن محكمة الجنايات في تموز الماضي والذي منح المجرم العذر المخفف وخفّض عقوبة قتل زوجته إلى 5 سنوات فقط…
أمّا الحكم الذي شكّل صدمة إيجابية بعد الصدمة السلبية التي خلّفها الحكم في قضية منال عاصي، فكان ذلك الصادر عن رئيس محكمة الجنايات في جبل لبنان، القاضي هنري خوري، في قضية مقتل رقية منذر على يد زوجها محمد منذر مع تجريم الزوج القاتل بجناية المادة 547، بعقوبتها الأقصى وهي 22 عاماً.
وقد سجّلت أرقام قوى الأمن الداخلي في العام 2016، والتي نشرها التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، 64 حالة إغتصاب، 22 جريمة فضّ بكارة، 81 قضية تسهيل دعارة و98 ممارسة دعارة و170 تسهيل وممارسة دعارة، 227 جريمة تحرّش، 178 جريمة خطف بغرض الزواج، و18 جريمة إعتداء جنسي. ونشرت منظمة أبعاد كذلك، إحصائية صادرة عن مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص والآداب في قوى الأمن الداخلي، تشير إلى أن معدّل تبليغ النساء عن التعرّض لعنف جنسي في ال2016 بلغ 3 نساء في الأسبوع.
في مقابل هذا الواقع القاتم، سجّل العام 2016 انتصاراً موعوداً للنساء، بانتظار الترجمة الفعلية له عبر الإقرار النهائي في الهيئة العامة لمجلس النواب، من خلال إعلان لجنة الإدارة والعدل النيابية موافقتها بالإجماع على إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني والتي تنص على أنه “إذا خطف رجل امرأة أو فتاة أو ارتكب فعلاً منافياً للحشمة أو اعتدى عليها أو اغتصبها، تتوقف الملاحقة بحقه إذا عقد زواجاً صحيحاً، وإذا كان صدر حكم بالقضية عُلّق تنفيذ العقاب الذي فُرض عليه”. إن الموافقة على إلغاء هذه المادة التي تشرّع الاغتصاب جاء نتيجة ضغط لسنوات من قبل المنظمات النسوية في لبنان، توّجته منظمة “أبعاد” أخيراً عبر إطلاقها حملة وطنية ضاغطة بعنوان “الأبيض ما بيغطي الاغتصاب”، وذلك بعد اقتراح قانون كان قد تقدّم به النائب إيلي كيروز.إن الخروقات والإنجازات في مجال تعديل القوانين، ستشكّل دون شكّ حافز أكبر للنساء من أجل النضال باتجاه تحقيق المساواة ورفع الإجحاف والظلم بحقهنّ في القوانين كافة من قانون الجنسية الذي يحرم المرأة حق منح جنسيتها لأسرتها، إلى قانون العقوبات والعمل والضمان وغيرها، بالإضافة إلى الضغط باتجاه إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية واستحداث قوانين من شأنها حماية النساء كقانون حماية من التحرّش الجنسي، منع تزويج القاصرات…
المشاركة السياسية والعامة
في العام 2016، كان لبنان على موعد مع الانتخابات البلدية التي أثبتت، من خلال واقع مشاركة النساء فيها،أننا لا زلنا في حاجة إلى 296 سنة لنصل إلى نسبة مشاركة متساوية بين الرجل والمرأة.فوفقاً لمعطيات “الدولية للمعلومات”، ترشحت 1485 سيدة من أصل 22881 مرشحا أي ما نسبته 6.5 بالمئة وفاز منهن 680 امرأة من أصل 12249 مقعدا، أي ما نسبته 5.6 بالمئة، وأظهرت النتائج تقدماً في مشاركة النساء عن الانتخابات البلدية في العام 2010 بنسبة 0.9 بالمئة. هذه أرقام أثبتت أن الشعارات التي سبقت هذه الانتخابات من قبل معظم الأحزاب والقوى السياسية والتي تدعو إلى مشاركة المرأة في الانتخابات كانت شعارات لأهداف انتخابية بحته، لاسيما أننا لم نشهد أي ترجمة فعلية لهذه الوعود على أرض الواقع.
وفي حين لا تزال النساء مغيّبات عن المشاركة الفاعلة في صنع القرار السياسي في لبنان، شهد العام 2016 على خطوات من قبل قلّة من الأحزاب اللبنانية تهدف إلى إعطاء المراة أدواراً داخلية، إقدام حزب القوات اللبنانية على تعيين أمينة عامة للحزب الدكتورة شانتال سركيس، وأفرزت انتخابات تيار «المستقبل» وصول 7 نساء إلى المكتب السياسي لتيار «المستقبل»، وهي المرّة الأولى التي يصل فيها عدد النساء في مكتب سياسي لحزب لبناني الى هذا الرقم.
وفي فضح لأكذوبة التصريحات الرنّانة بضرورة إقرار كوتا نسائية، جاءت الحكومة اللبنانية الجديدة دليل إدانة واضحة لجميع السياسيين الذين شاركوا في تشكيلها، وإهانة لجميع النساء، وأوّلهن النساء الناشطات في الأحزاب السياسيّة، إذ من الواضح أنّ أحزابهنّ لم تؤمن بقدرتهنّ على المشاركة الفاعلة في صناعة القرار. فقدّ كشفت الحكومة إصرار الطبقة السياسية الحاكمة على تكريس الذكورية وإبقاء النساء في الخطوط الخلفية، عبر تشكيل حكومة ثلاثينية بمشاركة إمرأة واحدة فقط هي الوزيرة عناية عز الدين، واستحداث خمس وزارات جديدة بينهم وزارة المرأة، لم يخصص لها لا ميزانية ولا هيكلية ولا جهاز تخطيطي أوتنفيذي، والتي تم اسنادها إلى وزير رجل هو جان أوغسبيان، في معادلة آثارت ردود فعل غاضبة ومستنكرة رافقها تساؤلات حول عدم إيجاد امرأة قادرة على تولّي مهام هذه الحقيبة.
ونشير في هذا الإطار، إلى أنّ مشاركة النساء الخجولة جداً في عملية صنع القرار تعدّ سبباً واضحاً وراء عدم تقدّم لبنان إلى صفوف الدول المتطوّرة على صعيد حقوق النساء والإنسان، مع التذكير بأن عدد النائبات في البرلمان الممدّد لنفسه في لبنان ينحصر بـ 4 من أصل 128 أي 3.12 في المئة.
في الخلاصة، لا زال أمامنا الكثير من القضايا التي تستحقّ النضال في العام 2017 والسنوات القادمة، إنتصاراً لحقوق النساء وكرامتهنّ الإنسانية. فلبنان يغرق بالكثير من الممارسات التمييزية ضدّ النساء، اللواتي يواجهن أيضاً التسليع والتنميط اليومي، والذي عملت جمعية Fe-Male على رصده في الإعلام والإعلانات في العام 2016 وإطلاق شبكة وطنية للحدّ من إستغلال النساء وتشويه صورتهن في هذه الوسائل. إن هذا الواقع التمييزي والعنفي، لا يقتصر على النساء اللبنانيات فقط، بل يطال أيضاً على سبيل المثال العاملات الأجنبيات اللواتي يتمّ معاملتهنّ انطلاقاً من أحكام مسبقة وتصوّرات تشوبها العنصريّة والفوقيّة والطبقيّة، واللاجئات السوريات في لبنان اللواتي، ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، تعرّضن في العام 2016 لشتى أنواع الإستغلال والإساءة في لبنان، وبينها التحرش الجنسي وتزويج القاصرات والإغتصاب، جراء تراجع المساعدات من الجهات المانحة والقيود المشدّدة التي تفرضها السلطات اللبنانية…