أربع حقائق كشفها فيديو نادر صعب الرخيص
بعدما رصدت عن كثب التعليقات وردود الفعل عبر مواقع التواصل الإجتماعي على الفيديو الذي نشر لطبيب التجميل اللبناني نادر صعب وهو يستعرض معلومات حول جراحة تجميل الثدي والمؤخرة، والتي انقسمت بين من يرى فيه تسليع لجسد النساء ومن ذهب إلى إعتبار المرأة مسؤولة عن قبولها عرض جسدها أمام الكاميرا، لا زلت أعتبر هذا الفيديو رخيص ومهين وتسليعي، ومن الواجب توضيح أربع حقائق أساسية أظهرها هذا الفيديو:
- أولاً: مجتمع لا يعرف عن الطبّ سوى لقب “دكتور” بعيداً عن فهم أخلاقيات المهنة
من المفترض أن يكون طبّ التجميل خاضع مثله مثل كافة حقول وأنواع الطب إلى أخلاق ومبادئ مهنية تحترم إنسانية المريض، وهذا ما خرقة نادر صعب بشكل صارخ. هل تجيز أخلاقيات المهنة للطبيب عرض أماكن مرضاه الحساسة امام الجميع؟ هل يحقّ للطبيب إستخدام الإعلان للترويج للخدمات التي يقدّمها خاصةً وأن قانون تنظيم ممارسة مهنة الطب في لبنان يشير بشكل واضح إلى أنه “يحق للطبيب أن يعلن عن إسمه ونوع إختصاصه وأوقات المعاينة، غير أنه لا يحق له أن يعلن عن نفسه في الصحف وسائر المطبوعات والنشرات”؟ أين هي المصطلحات الطبية التي إستخدمها صعب في شرحه للعملية (لازم يكون وسبحان الله طبعاً لا تمت للطب بصلة)؟ وأي أسس علمية أظهرها في إطار المعاينة المسبقة للجراحة؟ ما هي فائدة الفيديو على الناس في ظلّ عدم تقديم أية معلومات طبية مفيدة كتلك المتعلّقة بمضاعفات العملية مثلاً أو موانعها أو فوائدها الصحيّة، لأن طب التجميل وكما هو متعارف عليه علمياً غير منفصل عن السياق الطبي العام الهادف إلى تأمين صحّة المريض\ة؟
- ثانياً: مجتمع غياب المسائلة وإستسهال لوم الضحية
يستسهل مجتمعنا للأسف رمي التهم جذافاً، وغالباً ما تكون النساء أولى الفئات المجتمعية التي تتوجّه إليهنّ أصابع الإتهام والمعايرة وتحميل الذنب. إذا كان إنتهاك خصوصية إمرأة (في حال كانت إحدى المرضى كما ظنّ البعض) والكشف عن أجزاء حميمة من جسدها بحجة عرض أساليب إجراء عملية طبية، وملامستها بطريقة مقززة والتعاطي معها وكأنها سلعة أو قطعة أثاث منزلية، لم يستفز كرامتنا الإنسانية، وبشكل خاص كنساء، فهذا مؤشر خطير وخطير جداً. وهنا نسأل، إذا كانت إمرأة معنّفة لا تملك القدرة والوسائل للإنتفاض على العنف، فهل يعني ذلك أن فعل العنف ليس خطأ وأنها هي المذنبة؟ إذا كانت طبقة سياسية فاسدة وظالمة تحكم شعب مخدّر إنهزامي لا يمتلك أساليب الثورة، فهل يصبح الفساد والظلم طبيعي ولا جرمي، ويتحوّل الشعب الواقع ضحية هذه الممارسات إلى مذنب؟ الأمر نفسه ينطبق على التسليع، إذا كنا اليوم نعيش في مجتمع ونظام يضع النساء في صناديق معلّبة جاهزة، ويفرض عليهن صور نمطية وتسليعية محدّدة، من التربية إلى الإعلام إلى الثقافة إلى السلطة إلى الأفكار المجتمعية، ووجدت النساء أنفسهن مقيّدات بهذه المعايير وملزمات بها، هل تصبح النساء هنّ المذنبات، حتى لو قبلن (عن قصد أو مرغمات) بالإستسلام لذلك؟ أمّا أخيراً، حتى وإن كانت المرأة مشاركة في التسليع أو ساكتة عنه، هل هذا يعني أن نبرّأ صعب أو أي شريك آخر في عملية التسليع من مسؤولياته ونصبّ لومنا على طرف واحد؟ أو حتى لا نكلّف أنفسنا عناء رفض ظاهرة التسليع التي تجرّد المرأة من إنسانيتها وتترك آثار سلبية وفي كثير من الأحيان مدمّرة عليها؟
- ثالثاً: مجتمع التنظير دون البحث العميق في المعطيات
لم يكلّف هؤلاء الذين\ اللواتي ذهبن للوم المرأة الظاهرة في الفيديو باعتبارها هي من تريد ذلك وذهبت بإرادتها إلى عيادة الدكتور صعب وإرتضت بجعل جسدها سلعة، عناء التدقيق في المعطيات قبل إطلاق الأحكام. لهؤلاء أقول، إن الفيديو للأسف غير مسرّب وإنما صعب أراد من خلاله إفادة ترويجية وتجارية وليس طبية البتّة، والدليل على ذلك الفيديو الذي نشره في صفحتيه على “فايسبوك” و”انستغرام” قبل أيام يظهر حقنه مؤخرة فتاة ممددة على سرير داخل عيادته مرفق بعبارة”قريباً عملية شد المؤخرة “برازيلين بات ليفت ” في مستشفى الدكتور نادر صعب في لبنان”. كما أن المرأة الظاهرة في الفيديو هي ملكة جمال المغتربين لعام 2016 في ألمانيا أمينة صبّاح التي إستغلّ صعب وعن سابق تصوّر وتصميم جسدها بهدف الإثارة وجذب الإنتباه ، والذي بالحقيقة لا يحتاج إلى أي تجميل والدليل على ذلك التعليقات السوقية التي وردت عليه من قبيل “اللهم إني صائم”، “هيدا الصاروخ ما بدو تجميل”، “يا ريتني نادر صعب”… فإذا كان الهدف طبي كما قال البعض لماذا لم يستعن الطبيب العتيد بجسد إمرأة بحاجة فعلاً للعملية التي يروّج لها دون أن ينتهك خصوصيتها بعرض وجهها؟ أو مثلاً مجسّم طبّي لجسد إمرأة؟ أم أن هذين الخيارين لم يكونا ليجذبا الرأي العام ويثيرا الضجّة التي أرادها صعب من وراء نشر هذا الفيديو؟ واللافت أيضاً أن صعب كان طوال الوقت يتكلّم مع الكاميرا التي تقوم بالتصوير، أي أنه مدرك وموافق على عمل تصوير العرض. ولمن يدقّق بشكل أكبر في الفيديو يلاحظ وبشكل جليّ أن أمينة الصبّاح تبدو عبر تعابير وجهها غير مرتاحة أبداً لطريقة تعاطيه معها وبشكل خاص عند ملامسته لجسدها.
- رابعاً: مجتمع ردّة الفعل والذاكرة القصيرة المدى
من المفيد التذكير بأن صعب هو من روّاد الترويج لقوالب ومعايير جمالية محددة ، ومن منا لا يذكر حملته الإعلانية بعنوان “الجمال نادر وصعب” والذي يعزّز فكرته في هذا الفيديو عبر تشديده الدائم على جملة “لازم يكون”. وهنا أقول للدكتور صعب، أن الجمال ليس نادراً ولا صعباً بل نسبياً وطبيعياً، وأن عمليات التجميل ليست واجب لجعل المرأة جميلة بل هي مفترض أن تكون خيار طبي تأخذه المرأة لأسباب طبية محدّدة، وليس نتيجة ضغوطات تجعل منها غير راضية عن ذاتها ولا عن شكلها، وتعمّق ضعف ثقتها بنفسها بسبب حملات إعلانية مشابهة لتلك التي يطلقها صعب. وللعلم فقط، فإن آخر الدراسات تشير إلى إرتفاع خطير في نسبة عمليات التجميل في لبنان مؤخراً، مع إرتفاع ظاهرة النادر والصعب، وتكشف الأرقام أنه في لبنان اليوم واحدة من بين كل ثلاث نساء خضعت في حياتها لعملية تجميل. فهل هذا الرقم طبيعي؟ وهل النساء هنّ من يجب لومهن على ذلك أم المنظومة والإعلام والدعاية والأفكار النمطية للجمال التي يروّجها صعب وأمثاله؟