“شريكة ولكن” بحلّة جديدة: مع النساء ولأجلهنّ
لطالما كان حلم تأسيس مشروع نسوي إعلامي يراود مؤسسات جمعية Fe-Male منذ إنطلاقتها قبل ست سنوات، وقد أبصر هذا الحلم النور للمرّة الأولى عبر برنامج إذاعي نسوي إستمرّ على أثير إذاعة صوت الشعب لأكثر من سنتين. يومها، قررنا تسمية البرنامج “شريكة ولكن”، إستنادًا إلى الواقع الذي يروّج للمرأة كشريكة للرجل في كافة المجالات في حين أن التطبيق يظهر عكس ذلك تمامًا، من القانون إلى المجتمع والإعلام والعمل والتكنولوجيا والرياضة والإقتصاد والسياسة…
توقّف البرنامج رغم الإستحسان الملفت الذي لاقاه عند المستمعات والمستمعين ولم ننفك مذ ذلك اليوم نفكّر ونبحث عن سبل لإعادة إحياء هذا المنبر النسوي كجزء من نشاطنا الهادف إلى نقل صورة متوازنة للنساء في الإعلام والإعلانات والمساهمة في الضغط والنهوض بحقوقهن وقضاياهن المختلفة. وها هو “شريكة ولكن” يعود اليوم مجددًا بصيغة إلكترونية أكثر حداثة وديناميكية وقرب من المتابعات والمتابعين، على أمل أن نساهم من موقعنا ولو بجزء بسيط من النضال نحو مجتمع خال من العنف والتمييز.
ولكن، لماذا بات “شريكة ولكن” حاجة ملحّة الآن وربما أكثر من أي وقت مضى؟
أصبحت النساء في مواجهة دائمة مع خطاب يحاول عزلهن والنيل من كرامتهن وأجسادهنّ وحياتهنّ الشخصية
لن أتحدّث هنا عن الثقافة الأبوية السائدة، والممارسات المجتمعية العنيفة والظالمة، والهوّة المرعبة بين الجنسين في مجالات عدّة، والقوانين التمييزية التي ترزح النساء تحت وطأتها. بل سأتطرق فقط الى الهجوم الذي تتعرض له النساء حالياً عند رفعهن الصوت ضد أي عنف أو تمييز بحقهن.
فعلى الرغم من الترويج اليومي لصورة النساء اللبنانيات على أنّهن حاصلات على كافة حقوقهن، إلّا أننا نشهد في الفترة الأخيرة حرباً ضروساً غير مسبوقة على كل خطاب ونشاط نسوي . حتى بات خطاب الكراهية المقيت جاهزاً ومكتوباً ضدّ أي إمرأة تتجرّأ على رفع الصوت في أية قضية في الحيز العام.
وقد أصبحت النساء في مواجهة دائمة مع خطاب يحاول عزلهن والنيل من كرامتهن وأجسادهنّ وحياتهنّ الشخصية في كل مرّة تجرؤ فيها إمرأة إمّا على كسر تابو معين أو على فضح نوع من العنف الممارس ضدّها أو على إعلان موقف سياسي عام. فالردّ على هؤلاء النساء لا يكون إلّا عبر تهديدهنّ “بالفضيحة” أو التعرضّ لهنّ بالسباب والشتائم والعبارات التمييزية القائمة على أساس الجنس أو بشنّ معركة ضدّ “النسويات المهسترات والغاضبات والكارهات”، في محاولة لكمّ أفواه النساء وتهويلهن لإعادتهنّ إلى الحيز الخاص وإبعادهنّ عن المجال العام. مؤخرًا باتت النساء في لبنان ودول عربية أخرى تحاكم وتسجن بسبب فضح التحرش الجنسي والتبليغ عن ما تعرّضن له. مؤخرًا يستمرّ إعتقال ناشطات حقوق إنسان ونسويات من دون وجه حقّ من قبل أنظمة قمعية ترعبها كلمة الحقّ في وجه حاكم ظالم. مؤخرًا قتلت أربع نساء في العراق وجريمتهنّ فقط أنهنّ إستفزّين بتحرّرهن ونشاطهن المجتمع الذكوري “المحافظ”. مؤخرًا تمادت سلطات دينية بتهديد وترهيب مجتمع الميم في لبنان والتدخّل لمنع إقرار قوانين حمائية للنساء والأطفال بذريعة “المسّ بقوانين الأحوال الشخصية” الغارقة بالتمييز ضدّ النساء. مؤخرًا شهدت الدول العربية أزمات أمنية كانت النساء أولى ضحاياه من لاجئات إلى معتقلات ومسبيات ومغتصبات ومختطفات. مؤخّرًا شهد الخطاب الإعلامي المزيد من التسليع والتنميط والحطّ من كرامة ومكانة النساء. مؤخرًا إزدادت جرائم الإبتزاز والعنف الإلكتروني. مؤخرًا لم ينجح سيل حملات الضغط والمناصرة بتعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية. مؤخرًا لا زال النضال من أجل تعديل القوانين التمييزية البالية ضدّ النساء لم يلقى آذانًا صاغية لدى صناع القرار قي العديد من الدول ولا زالت القوانين الحمائية عاجزة عن حماية الكثير من النساء المعرّضات يوميًا لشتى أنواع العنف القائم على النوع الإجتماعي. مؤخرًا لا يزال الختان جريمة القرن في العديد من الدول وجريمة الشرف الآداة الأولى لإنهاء حياة نساء كثيرات. مؤخرًا ومؤخرًا ومؤخرًا…
لأجل كل ما نشهده مؤخرًا ولأجل المساهمة في رفع الإجحاف والتمييز التاريخي ضدّ النساء ولأجل إيجاد السبل لمواجهة المنظومة الأبوية القاتلة، لا زال حلم “شريكة ولكن” قائمًا ومستمرًا. لأجل كل امرأة غيّبها أو أسكتها أو أرعبها النظام البطريركي نكتب وننشر ونضغط ونناضل، علّ الكلمات تجد طريقها إلى عقول وحياة متابعاتنا ومتابعينا ومنها إلى رأي عام أكبر نحو أمل أقوى بمجتمع عادل تحكمه المساواة الجندرية والمواطنة وحقوق الإنسان.