جرائم لا “شرف” فيها: وتُنسى كأنها لم تكن
قبل شهر من الآن كانت رشا بسيس التي لم تكمل 18 عاماً تعيش وسط عائلتها في شمال سوريا، شاهدت عن كثب كل أشكال الموت بفعل الحرب، ربما تمنّت هذه الطفلة يوماً ألاّ تموت برصاصة عابرة أو قذيفة حرب عشوائية، وكان لها ما تمنّت. ولكن، الرصاصة التي أصابت قلب الضحية كانت موجّهة بدقة، أما العدّو فهو أخاها الذي قتلها وجهاً لوجه، جهاراً، نهاراً.
تضاعفت الظاهرة المسماة “جرائم الشرف” في سوريا أربع مرات خلال الحرب الدائرة حسبما صرّح أحد القضاة لصحيفة رسمية عام 2016، وبين الشمال والجنوب السوري قصص مشابهة وضحايا كثر لهذه الجرائم.
تضاعفت الظاهرة المسماة “جرائم الشرف” في سوريا أربع مرات خلال الحرب الدائرة حسبما صرّح أحد القضاة لصحيفة رسمية عام 2016
قانون يحكمه العرف!
ثلاث ساعات ٍتأخُر عن المدرسة كلّفت الطفلة “ديانا ” حياتها، جريمتها أنها أحبت، خرجت كأي مراهقة تهوى المغامرة، تأخرت عن المدرسة، فقتلت برصاص والدها دون شفقة، حسبما تناقل ناشطو\ات وسائل التواصل الاجتماعي، الذين\اللواتي نظّموا\ن حملات للتنديد بقتل الضحية الطفلة، بذنب الحب العذري!
لا يختلف اثنان أن عقاب القاتل يتراوح بين السجن لمدة معينة حسب الجريمة أو المؤبد مع الأشغال الشاقة وفق ما تنصّ عليه مواد القانون المتعلقة بالجريمة المرتكبة. القانون هو ذاته الذي يخفّف العقوبة على مرتكب جريمة “الشرف” وبالتالي يميّز بين القاتلين.
تنصّ المادة /548/ من قانون العقوبات السوري بعد التعديل أنه “يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخوته في جرم الزنا المشهود أو صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر، فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد تكون العقوبة الحبس من خمس سنوات إلى سبع سنوات في القتل”. وهنا توضح المحامية والناشطة في مجال حقوق المرأة مها العلي أن هذا النص القانوني هو انعكاس لموروث قديم يمارس الرجل من خلاله سلطته الذكورية على المرأة، مشيرةً إلى “أن المشرّع السوري قد تجاوز في التعديل الأخير الكثير من الانتقادات للنص السابق، فالنص الحالي ألغى الحالة المريبة ولم يعد لها وجود قانوني مطلقاً، وألغى العذر المحل في القتل بدافع “الشرف”، وأبقى على العذر المخفف فقط وله شروط واضحة، هو أن يتفاجئ الفاعل بزوجته أو المقصودين في المادة بحالة الزنا المشهود أو بصلات جنسية فحشاء، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة عن مدى خرق هذه المادة لحقوق المرأة”.
تعارض القانون والدستور
هناك وسط سوريا قُتلت الضحية ” مايا” بوسادة نومها، البطن الذي حملها 9 أشهر استغنى عنها خوفاً من العار، بعدما اكتشف الأهل علاقتها بشاب أرسلت له صوراً عارية مثلما تحدث المجتمع الأهلي حينها، فكان عقابها القتل بدم بارد.
بلغ عدد جرائم الشرف في العالم 5000 جريمة حتى العام 2017، منها200 إلى 300 في سوريا، حسب المنظمات التي تهتم بشؤون المرأة، بينما أشارت إحصائيات صادرة عن وزارة العدل السورية عام 2017، أنه في أعوام 2010، 2012، 2014، 2017 بلغت عدد جرائم الشرف في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة الدولة السورية خمسة جرائم فقط، بينما لم يحدث أي جريمة في
الأعوام 2011، 2013، 2016، وهذا يتناقض مع تصريح للجريدة الرسمية عام 2016، بينما أشار رئيس مجلس أمناء المؤسسة السورية للدراسات والتنمية، مازن مصطفى، “أنه ربما تكون انخفضت جرائم الشرف بسبب غياب التوثيق لهذه الجرائم وأن هناك تناقض بين المادة /548/ ومواد الدستور السوري ( الفصل الأول) الحقوق والحريات وبالتحديد المادة 33 التي تنصّ على أن “المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”. ويتساءل مصطفى هنا أن للمرأة كيان مستقل بمعزل عن الرجل، فكيف للرجل تحديد انتهاكها للشرف، وكيف للمرأة امتلاك شرف عائلة بأكملها تفرط فيه أو تصونه وقت تشاء، وليس لها الحق في اعتبار شرفها قيمة خاصة بها ليكون الرجل هو الوصي الحصري عليه؟ وبالتالي هذا التناقض هو مصدر ضعف القانون السوري الذي يعتمد ببعض قواعده على العادات والأعراف التي تعطي الرجل الحق في التسلّط على المرأة.
بلغ عدد جرائم الشرف في العالم 5000 جريمة حتى العام 2017، منها200 إلى 300 في سوريا، حسب المنظمات التي تهتم بشؤون المرأة
ذهب سرّها معها؟
تحدّث الناشط في المجتمع المدني غابي طعمة لموقع “شريكة ولكن” عن نشاطات توعوية يقوم بها المجتمع المدني الوليد في سوريا، هذه النشاطات تواجهها صعوبات كبيرة في المجتمعات السورية المغلقة والمحافظة المستهدفة.
ثلاثون يوماً فصلت بين مقتل الضحيتين رشا وديانا وما بينها روح مايا وعشرات الضحايا السوريات، جميعهنَ الآن في سريرهن الأبدي. لطهر أرواحهنّ سلام حتى مطلع فجر لا يبيح القتل بأعذار ظالمة وذكورية بحتة.