أكثر من 90% من فتيات اليمن حرمن من حقّهن في إتمام تعليمهن
لا يخفى على أحدّ أن اليمن يُعاني، كعدد من الدول العربية الأخرى، من ظاهرة عدم المساواة بين الجنسين في مجال التعليم. فحينما يأتي المساء وتتوارى الشمس خلف الأفق، تتوارى معها أحلام ومستقبل العديد من الفتيات اللواتي وقع عليهنّ قصاص الحرمان من التعليم وفقً الشريعة وعادات وتقاليد سائدة أو ظروف أعنف وأشدّ مما كانت تتطلع إليه.
القانون والأرقام
على الرّغم من صدور القانون العام للتربية والتعليم رقم 45 لسنة 1992 والذي يساوي فيه حقوق الجنسين في الإنتفاع بالفرص التعليمية التي تتيحها المؤسسات التربوية والتعليمية وبالتالي يضمن حق الفتاة في الحصول على التعليم على قدم المساواة مع الفتى بما يتّفق مع ميولها وقدراتها. إلا أن آخر إحصائيات صادرة من وزارة التربية والتعليم، بعمل تعاوني بين الحكومة اليمنية والبنك الدولي، سرعان ما تكشف واقع تمييزي واضح حيث أن نسبة إلتحاق الفتيات في المرحلة التعليمية الإبتدائية بلغت 76% للعام 2008 بينما وصلت النسبة عند الذكور إلى 94%. وكلما إرتفعنا في المستوى التعليمي نلاحظ تراجع في عدد الإناث الملتحقات،ففي المرحلة الأساسية بلغت نسبة الإناث 42% في حين إرتفعت إلى 84% عند الذكور، أما في المرحلة الثانوية، فقد بلغت نسبة إلتحاق الإناث بالتعليم 23% مقابل 43% لدى الذكور، وبالنسبة للتعليم الجامعي تقدّر نسبة الفتيات ب5. 7%مقابل 18%عند الذكور. وتكشف هذه الأرقام ليس فقط تمييز على أساس الجنس في التعليم وإنّما أيضًا نسب مرعبة للتسرّب من التعليم لدى الجنسين سببه الأوضاع السياسية والأمنية المتردّية والحرب التي فتكت تداعياتها بالبشر قبل الحجر.
قصص من الداخل اليمني
تقول إشتياق أحمد “دراستي كانت شغلي الشاغل، حبي وشغفي للدراسة جعلاني من المتفوقات على مستوى مدرستي الكائنة في أحد أحياء مدينة تعز. طموحي لم يكن متوقّف على إكمال الثانوية فقط بل كنت أتطلّع للإلتحاق بكلية الهندسة، لكن للأسف كل هذا لم أستطع تحقيقه رغم حصولي على تقدير 89%في المرحلة الثانوية”. تضيف إشتياق “والدي الذي كان يعمل سواق أجرة لم يستطع تغطية نفقات دراستي الجامعية أنا وأخي الذي كان معي في نفس المراحل الدراسية. فما كان عليه إلا أن فضّلأن يكمل اخي تعليمه الجامعي رغم معدّله المنخفض. وها أنا الآن في المنزل حالي حال كثير من الفتيات”.
وفي محاولهللحديث مع والد إشتياق لمعرفة أسباب تفضيل أخيها في إكمال تعليمه الجامعي قال مبررًا: “البنت نهايتها لبيتها وأولادها مابتستفيد شي من دراستها”.
“والدي الذي كان يعمل سواق أجرة لم يستطع تغطية نفقات دراستي الجامعية أنا وأخي الذي كان معي في نفس المراحل الدراسية. فما كان عليه إلا أن فضّلأن يكمل اخي تعليمه الجامعي رغم معدّله المنخفض”.
فاطمة صلاح حرمت هي الأخرى من حقها في التعليم وهي في المراحل الوسطى، إلا أن ظروفها تختلف تمامًا عن ظروف إشتياق. تشير فاطمة إلى أنها درست حتى وصلت إلى المرحلة الوسطى، “من بعدها لم أستطيع الإكمال ليس بسبب الظروف المعيشيه بل لأنني أقطن في أحد أرياف مديرية السياني، ومن المعيب في قريتنا أن تكمل الفتاة تعليمها إلى مابعد الثانوية. أنا وحيدة أبي على خمسه أخوة ذكور، جميعنا كنا نتعلم في إحدى المدارس التي تبعد عن منزلنا مسافة طويلة. إستغلّ أهلي بعد المدرسة عن منزلنا إضافة إلى ماكان يتعرض له أهلي من ضغوطات وتحريض من أهالي القرية وبعض الأقارب لمنعي من الذهاب إلى المدرسة. حاولت إقناعهم وبشتى الوسائل، أستخدمت أسلوب البكاء والإضراب عن الطعام لفترة للضغط عليهم بالتراجع عن قرارهم ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي. أجبرني والدي وأخي الأكبر بترك المدرسة، مرّت الآن 7 سنوات على بقائي في المنزل والى الآن لم أدرك ما المعيب في إكمال تعليمي”.
“لم أستطيع الإكمال ليس بسبب الظروف المعيشيه بل لأنني أقطن في أحد أرياف مديرية السياني، ومن المعيب في قريتنا أن تكمل الفتاة تعليمها إلى مابعد الثانوية”.
وللمياء قصّة أخرى، إذ تدرس في مدرسة صلاح الدين بالإضافة إلى أخيها الأصغر ، وكان مستواها التعليمي جيد. بعد وفاة والدها بأربع سنوات منعت من الذهاب إلى المدرسة، “منعي جاء من قبل أخي الأكبر. هو من كان يعول أسرتنا وكان دائمًا مايتحجّج لوالدتي بإبقائي في المنزل لعدم قدرته على تغطية نفقات الدراسة وأعباء المعيشة. وفي تلك الفتره تقدّم لخطبتي أحد أبناء الحي الذي كنا نقطن فيه، قوبل بالرفض من قبلي أنا ووالدتي، ولكن أخي الأكبر أصرّ على هذا الزواج لأنه رأى في ذلك فرصة لمنعي من التعليم. وهذا ما حصل، بعد أسبوع من الخطبة منعت من الذهاب للمدرسة”.
تحدّثنا مع أنور، الأخ الأكبر للمياء، الذي إعتبر أن كل ماحدث كان في صالح أخته، “أنا سعيت لتأمين مستقبلها مع الرجل المثالي، فمستقبلها في إستقرارها ببيتها وأسرتها. لماذا تكمل التعليم وهي بنهاية الأمر ستبقى في المنزل سواء تزوجت أم لم تتزوج، هذا أمر محسوم”.
وتعليقًا على هذا الواقع، يشير الصحافي والناشط الحقوقي علاء الشلالي أن ظاهرة التمييز القائم على النوع الإجتماعي الممارس ضد الفتيات تزداد إنتشارًا في الآونة الأخيرة، مضيفًا أن تلك الأساليب التمييزية بحق الفتاه بلاشك لها آثار سلبية كثيرة على الفتيات اللواتي يتحملن العبء الأكبر للحرب الدائرة في اليمن والتي فاقمت من المشكلة ونسفت كل الجهود التي بذلت في الماضي لمواجهتها.
“فحرمان الإناث من حقّهن في التعليم يعني حرمانهن من المعرفة وكذلك حرمانهن من التمكين الإقتصادي وإبقاء الفتاة في حالة تبعيةدائمة للرجل،سواء كان أبّ، أخ أم زوج”.
من جهته، أضاء الدكتور في علم الإجتماع بجامعة تعز، ياسر الصلوي، على ثلاثة عوامل رئيسية لإنتشار ظاهرة تفضيل تعليم الذكور على الإناث في اليمن هي: العامل الإجتماعي ويتمثّل بطبيعة المجتمع اليمني، حيث مازال يتّصف بكونه مجتمع شبه تقليدي يعطي مكانة دونية للنساء والأطفال مقابل منح السلطة والهيمنة للرجال، والعامل الإقتصادي سيما العوز الذي تعانيه الأسر اليمنية، بالإضافة إلى الثقافة الأبوية السائدة في المجتمع والتي وضعت المرأة في إطار الأسرة فقط. وقد شدّد الصلوي على الأضرار الناجمة عن هذه الظاهرة وأثرها على النساء، فحرمان الإناث من حقّهن في التعليم يعني حرمانهن من المعرفة وكذلك حرمانهن من التمكين الإقتصادي وإبقاء الفتاة في حالة تبعيةدائمة للرجل،سواء كان أبّ، أخ أم زوج، إضافةً إلى ما يسبّبه ذلك من خلل مجتمعي ينعكس بدوره على مكانة ووضع المرأة في المجتمع.