بيئة عمل غير آمنة وثقافة تلوم النساء: 15% فقط من المؤسسات تتطرّق للتحرش الجنسي في سياساتها
من منّا لم تتعرض في حياتها لتحرش مهما كان نوعه أو شكله، من منّا لم يسمع يومًا تعليقات من قبيل “هيي مش قد حالها”، “شو كانت لابسة”، “بشو أوحتلو”، “الحق عليها سمحتلو”… تشكّل النساء 20 بالمئة فقط من مجمل القوى العاملة اللبنانيّة، في القطاعات كافّة، ما يضع لبنان في المرتبة 136 من أصل 144 في العالم لناحية مشاركة وفرص النساء الاقتصاديّة . بموازاة ذلك، فإنّ 57 بالمئة من عمل النساء المدفوع الأجر، غير رسمي، وغير منظّم، وغير محمي بموجب قانون العمل اللبناني . ويعدّ التحرّش الجنسي من أبرز العوامل المؤثّرة في جعل بيئة العمل غير آمنة، ما يحدّ بقسوة من مشاركة النساء في الحياة الاقتصاديّة والسياسيّة.
إنطلاقًا من هذا الواقع، أطلقت المؤسسة العربية للحريات والمساواة بالشراكة مع منظمة هيفوس تقرير بعنوان “خلق أماكن عمل أكثر أمانًا: نحو سياسات داخلية لمناهضة التحرش الجنسي في لبنان” إعداد الباحثات نور نصر، جنى نخال، وغنى غانم وتحرير لين هاشم. وقد أشار التقرير إلى أن تعزيز مشاركة النساء في القطاعين الاقتصادي والسياسي يتطلّب تأمين السلامة الجسديّة والمعنويّة الأوليّة لهنّ كي ينجحن، إذ يخلق التحرّش الجنسي في مكان العمل بيئة معادية، تقيّد ترقية النساء، وغيرهنّ من الفئات المهمّشة، وتحدّ من مشاركتهنّ في الإنتاج، وتمنعهنّ من تحقيق المساواة الاقتصاديّة. ويؤكّد التقرير أنّه في الوقت الراهن، لا يرد ذكر التحرّش الجنسي في مكان العمل في النصوص القانونية ولا يجرّم قانون العمل اللبناني التحرّش الجنسي في العمل، كما لا يشمل الحقوق الجسديّة، ولا يوفر الحماية، مما يعرّض النساء والمجموعات المهمّشة الأخرى في سوق العمل لخطر المضايقة والاستغلال، وخاصةً بغياب الإجراءات التأديبيّة. ووسط انعدام وجود النصوص القانونية المختصّة، تُترك المؤسسات لتقدير الموقف بما تراه مناسباً لوضع قوانين وسياسات داخليّة، وتطبيق إجراءات لمواجهة التحرّش الجنسي.
وأشارت المديرة المساعدة في المؤسسة العربية للحريات والمساواة، نور نصر، إلى أن هذا التقرير يستطلع السياسات الداخلية المتّبعة في القطاعين العام والخاص، ولدى الأحزاب، والنقابات، والمنظمات غير الحكومية، والجامعات، لتحديد مختلف العقبات التي تحدّ مشاركة المرأة في الاقتصاد والسياسة. وقد إستند التقرير وفقًا لنصر إلى استقصاء متعدّد المصادر يشمل موظّفي\ات موارد بشريّة، ونصوص سياسات داخلية لبعض المؤسسات، إلى جانب حوارات معمّقة مع موظفين\ات، حيث وثّق حالة الحماية من التحرش الجنسي ومستواها في لبنان، وتجارب القوى العاملة المتأثّرة، إضافةً إلى تحديد المجالات الرئيسية التي تحتاج إلى تحسين.
كذلك، كشف التقرير، الذي استند إلى عينة من 42 مؤسسة بما في ذلك 3 جامعات و5 أحزاب سياسية و5 نقابات و3 مؤسسات عامة و6 منظمات غير حكومية و20 شركة خاصة، إلى أن 15 ٪ فقط من جميع المنظمات التي شملتها الدراسة قد أشارت إلى التحرش الجنسي في سياساتها الداخلية، في ظلّ غياب آليات عملية لمتابعة ومعالجة التبليغات في هذا الإطار. غياب الإطار القانوني الحمائي يترافق مع معتقدات بطريركية سائدة حول التحرّش، حيث رصد التقرير تحديات من حيث إساءة فهم تعريف التحرّش الجنسي، وجهل الممارسات الضامنة لبيئة عمل صحيّة، فيما ذهب عدد من المستطلعين\ات في الدراسة إلى حدّ لوم النساء وتحميلهن مسؤولية تفادي التحرش “إن كانت قوية كفاية فإن الموظّف سيخاف من توجيه أي تعليق لها”، “أرتدي التنانير الواسعة لتجنّب أي موقف مع أنهم يسخرون مني لأنني لا أبدو مثيرة”، “لا يمكنك تصديق النساء بمجرّد أن يقلن إنّهن تعرّضن لموقف مماثل. لا نريد أن نظلم الرجال، فهم يتعرّضون للتحرّش من قبل النساء أيضاً”! وفي ظلّ كل ذلك، إختارت النساء وفقًا للتقرير آليات تكيّف قد تسمح لهن بالإحتفاظ بوظائفهن لعلّ أبرزها الصمت، تذنيب الذات، تفادي المواجهة وترك العمل.
من جهتها، أكّدت السيدة كلودين عون، رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية وراعية اللقاء، لموقع “شريكة ولكن” إلى أنه من الضروري العمل على الضغط من أجل إقرار قانون يحمي من التحرش الجنسي على أن يشمل جميع النساء المقيمات على الأراضي اللبنانية دون تمييز. وشدّدت عون على أن ما كشفته الدراسة من غياب للسياسات الحمائية من التحرش داخل الأحزاب السياسية والنقابات والمؤسسات العامة والقطاعات الأخرى التي فيها قوى عاملة نسائية بنسبة عالية، يظهر أن النساء يواجهن يوميًا بيئة غير صحيّة مما قد يعيق قدرتهنّ على الإنتاج والتطوّر الإقتصادي والعملي.
وفي النهاية، تبقى العبرة في تكثيف الجهود نحو العمل على وضع التوصيات التي خرج بها التقرير حيّز التنفيذ وهي تشتمل على: توجيه مكثّف للموظّفين الجدد، وضع قيم مؤسسية واضحة رافضة للتحرش، تدريب الموظفين الحاليين، وضع سياسات وأنظمة داخلية واضحة خول التحرش الجنسي، وصف للإجراءات والتدابير الواجب اتباعها للتبليغ واتخاذ القرار الصائب بشأن حالات التحرش الجنسي المبلّغ عنها، تشكيل لجان تحقيق، الوعي إلى حقيقة أن إثبات التحرش غير متاح أحيانًا، تضمين قانون العمل النصوص المناسبة في هذا الإطار ودمج العمال الأكثر هشاشة في أي تعديل منتظر لقانون العمل.