الدكتورة فتحية السعيدي “لشريكة ولكن”: حقوق النساء ثابتة لايمكن التراجع عنها
لا زالت مشكلة المساواة بين الرجل والمرأة من اهم المشكلات التي يعانيها العالم العربي في ظل نظام ذكوري مازال حريصا على ابقاء كل ما له علاقة بهذه المسألة خارج نطاق اهتمامات الدولة والمجتمع وحصرها ضمن حرمات الأسر.
تعتبر الدكتورة فتحية السعيدي، استاذة علم الاجتماع في جامعة المنار في تونس، من ابرز العاملات على قضايا المساواة بين الجنسين في تونس وفي العالم العربي، وهي خاضت نضالات عدة مع مجموعة من رفاقها ضد احادية النظرة للقضايا النسائية. توصلت بنتيجتها الى ارساء مشروع نسوي متقدم في تونس، وهي اليوم ما زالت تواصل نضالها مع مجموعة من رفيقاتها في تونس والمغرب بهدف توسيع دائرة التجربة لتشمل كل انحاء العالم العربي.
موقع “شريكة ولكن” التقى الدكتورة السعيدي اثناء زياراتها الاخيرة الى بيروت وتحدث معها عن التطور الاجتماعي الذي حققته المرأة التونسية والخلفية التاريخية للفكر الإصلاحي في البلاد العربية.
كيف تنظرين الى واقع حقوق النساء في العالم العربي وهل هن اليوم مواطنات كاملات الحقوق؟
تعتبر حقوق النساء والمساواة جزءا لايتجزاء من حقوق الانسان، وينصهر الدفاع عن هذه الحقوق ضمن النضال من اجل القضاء على كل اشكال التمييز الجنسي والعرقي والديني. وتستند النسويات الى المرجعية الفكرية الحقوقية حسبما هو وارد في ميثاقها وفي نظامها الداخلي. وهي الشرعة الدولية ومبادئ حقوق الانسان المعلنة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان وحقوق المرأة الصادرة عن الجمعية العمومية للامم المتحدة عام 1979.
بالنسبة لحقوق النساء في العالم العربي فانه لايزال هناك ذهنيات وعقليات اجتماعية متخلفة تقوم على بنية ثقافية أبوية. وهي بنية تحجب المرأة عن الفضاء العام، وهي تصل في بعض المجتمعات العربية الى حد منعها من الخروج من البيت ومن الدراسة، وتختار لها الزوج وتضغط عليها بمختلف الاساليب لتزويجها. كما انها لا تسطتيع ان تحصل على جواز سفر من دون اذن الاب او الزوج كل هذه الامور تكرس لدونيتها، ولا تساهم في تقدمها العلمي. اذن هذه البنية الفكرية التقليدية لاتزال تقف حاجزا امام تطور حياة النساء وامام تكريس حقوقهن.
بالنسبة لحقوق النساء في العالم العربي فانه لايزال هناك ذهنيات وعقليات اجتماعية متخلفة تقوم على بنية ثقافية أبوية
في المقابل، استطاعت مجتمعات عربية اخرى ومنها تونس ان تذهب باتجاه المواطنة الكاملة للنساء وتحرير قدراتهن، وارساء المساواة التامة بين الجنسين في كثير من القضايا والامور ونبذ العنف المتسلط على النساء باعتباره ابرز اشكال التمييزالممارس ضد المرأة.
تركزين في خطابك على الخلفية التاريخية للفكر الاصلاحي في البلاد العربية وعلاقته بالتشريع في تونس. هل لنا أن نعرف اكثر حول هذا الموضوع؟
ان الثقافة ليست نظاما ثابتا لايمكن الخروج منه وانما هي تراكم من الانتاج المادي والرمزي الذي تحققه مجموعة بشرية ذات هوية جماعية واضحة المعالم. ضمن هذا المنظور يمكن الحديث عن مفكري الاصلاح الذين حاولوا تشييد نمط جديد من من انماط العيش، وبنوا رؤى متعددة تحفز على التقدم والرقي. ولئن دافع مفكرو الاصلاح والنهضة العربية خلال القرن التاسع عشر عن تحرر المرأة، ونادوا بضرورة خروجها وتعليمها فاننا لا نكاد نعثرعلى رؤية نسائية متكاملة لمٍسألة تحرر المرأة تبرز وجهة نظر المرأة حول ذاتها وكينونتها عدا تلك التي عبّرت عنها بعض الوجوه النسائية الرائدة والمتفرقة في العالم العربي ومن ابرزها “نظيرة زين الدين” في كتابها “السفور والحجاب” الذي شكّل بداية فكر نسوي لم يكتمل كمشروع حديث لكنه بقي بداية لرؤية خصوصية تعالج قضايا السفور والحجاب.
اما بالنسبة لتونس فلقد مثل رواد الاصلاح حلقة مهمة في بلورة الافكار التحررية حول المرأة والمجتمع اذ تعلق رجال الاصلاح في البلاد العربية، ولاسيما في تونس، منذ القرن التاسع عشر بالقيم الدستورية. الامر الذي انعكس ايجابا على كل الشرائح الاجتماعية بما في ذلك على المرأة.
دافع مفكرو الاصلاح والنهضة العربية خلال القرن التاسع عشر عن تحرر المرأة، ونادوا بضرورة خروجها وتعليمها فاننا لا نكاد نعثرعلى رؤية نسائية متكاملة لمٍسألة تحرر المرأة
شكلت تونس نموذجا متقدما على صعيد حقوق المرأة في العالم العربي هل لك ان تعطينا نبذة عن تاريخ التجربة التونسية ومسار تطورها؟
يعد المشروع النسوي التونسي مشروعا متقدما عن الواقع الاجتماعي والثقافي للبلاد. فهو مشروع متجذّر في الثقافة المساواتية والعلمانية. ولذلك مثلت المناداة بفصل الدين عن الدولة احد المشاغل الرئيسية للمناضلات التونسيات ولمناضلي اليسار التقدمي والحقوقيين، وقد ارسى دستور الجمهورية الثانية مبدأ المساواة التامة بين الرجل والمرأة في القانون وامام القانون وفي الواقع مع اقراره كاحد الثوابت التي لايمكن التراجع عنها. كما عمل على مراجعة اللغة الذكورية التي غلبت على دستور عام 1959 وذلك باعتماد نص الدستور الجديد تتوجه الى المواطنين والمواطنات والنساء والرجال على حد السواء. هذا وقد شدد الدستور الجديد على الحقوق الانسانية للنساء ومن ضمنها حق التمتع على قدم المساواة بكافة الحقوق بما فيها حق التعليم والصحة والعمل والملكية والموارد الطبيعية.