النساء المعنّفات أمام قضاء العجلة: أي حماية اليوم؟
نظّمت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ومنظّمة كفى عنف واستغلال بالتعاون مع وزارة العدل، طاولة مستديرة بعنوان ” النساء المعنفات أمام قضاء العجلة “أي حماية اليوم؟”، بحضور السيدة كلودين عون روكز، رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، وممثلة وزير العدل القاضي سليم جريصاتي، القاضية جويل فواز ، رئيسة هيئة التشريع والإستشارات بالإنتداب ومنسّقة النوع الاجتماعي في وزارة العدل، والسيدة زويا روحانا، رئيسة منظمة “كفى عنف واستغلال” وعدد من القضاة وعدد من أعضاء الهيئة ومن منظمة كفى عنف واستغلال.
استهل اللقاء بكلمة السيدة عون روكز، قالت فيها:” Frémiot Luc هو المدعي العام الفرنسي الذي برّأَ امرأةً قتلت زوجها، بعد 12 سنة من تعرضها للعنف الأسري والإغتصاب والإذلال، من قبل والد أولادها الأربعة. فبعد محاولاتها المستمرة في تقديم الشكاوى التي لم تأت بنتيجة ، انتهت بقتله في العام 2012. Frémiot أطلق مقياساً جديدأ في التعاطي مع قضايا العنف الأسري عام 2003، حيث عمد في أحكامه إلى استبعاد الزوجِ العنيف من المنزل الزوجي بدلاً من استبعاد المرأة المعنّفة منه. ومن أشهر أقواله: لننقذ من هنّ لا يزلن على قيد الحياة”.
وتابعت:” إن المرأة التي تتعرّض للعنف الأُسري بأشكاله كافة، اللفظي والجسدي والجنسي، هي ضحّية بكلّ ما للكلمة من معنى، وهي امرأة مكسورة ومجروحة، تبقى آثار جروحها في نفسها وذاكرتها وشخصيتها مدى الحياة، وهي تتحوّل في بعض الحالات من ضحيّة إلى مرتكبة لجريمة.
من هنا تأتي أهمية وضرورة تعديل كافّة القوانين التي تتضمّن تمييزاً ضدَ النساء، وتفعيل وتحديث القوانين التي من شأنها حماية النساء من العنف الأسري، حفاظاً على سلامتهن النفسية والجسديّة، وحفاظاً على العائلات والمجتمع، كذلك للحدّ من الجرائم التي تأتي كردّة فعل من المرأة المعنّفة، عندما تبلغ مرحلة اليأس من التخلّص من واقعٍ سوداوي، غير إنساني.”
وأضافت:” وفي هذا الإطار، شهدنا على حالات عديدة لنساء معنّفات، انتهى بهنَّ الأمر سجينات، مكبّلات الحرية، بعد أن اخترن أسوأ الحلول، وقرّرن إنهاء حياة معنفهنّ، اعتقادا منهنّ، أن ظلامة السجن لا تزال أفضل من ظلم ومساوئ العنف الممارس عليهنّ من أزواجهن.
و يأتي إطلاق الخط الساخن 1745 للإبلاغِ عن حالات العنف الأسري، بالإضافة إلى التقدّم بمشروعِ تعديل قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري بعد 4 سنوات من إقراره، بالتعاون بين وزارة العدل والهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ومنظمة “كفى عنف واستغلال”، والتي ننتهز هذه الفرصة لتثمّين دورها الفعّال والإيجابي في هذا الإطار، ليشكلّ خطوة إيجابية في مسيرتنا الطويلة في مناهضة العنفِ ضد المرأة.
ونحن بانتظار تخصيص مركز موحّد لتقديم الخدمات للنساء عند تعرضهن للعنف (One Stop Center)، والذي نأمل أن تنشئه قريباً مديرية الأمن الداخلي.”
وحيّيت الدور الإيجابي الذي يقوم به القضاة في قضايا العنف الأسري ، وإدراكهم لمركزية هذه القضايا بالنسبة إلى مسارات حياة النساء.
وشدّدت على ضرورة أن يكون جميع القضاة حسّاسين ومدركين لأهمية مقاربة قضايا العنف ضدّ النساء التي تعرض عليهم، من وجهة نظر منفتحةٍ، وعلى ضرورة إنصاف النساء الضحايا، وأن يكونوا رائدين في إحقاق العدالة وتطبيق القانون والحكم بإنسانية وعدل في الوقت عينه.
ودعت إلى التشدد بالعقوبات والإسراعِ بإصدار الأحكام في كلّ قضايا العنف الأسري، احتراماً لمبدأ العدالة من جهة وحفاظاً على ثقة المواطنات والمواطنين في القضاء اللبناني من جهة أخرى، مع فخرها واعتزازها بعدد كبير من القضاة الذين يقتدى بهم وبنزاهتهم واحترافهم.
وأشارت وذكرت بوجود قضايا وحالات معقّدة تحتاج إلى حلّ قضائي سريع ، لضمان الحقوق المهدورة للنساء الأجنبيات المتزوجات من لبنانيين. حيث تتابع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، حالات لسيدات أجنبيات تعرضن لخسارة إقامتهنّ في لبنان، بعد أن تطلَّقن من أزواجهنّ، وبالتالي فصلن عن أولادهنّ، إذ حصل الخلاف الزوجي قبل حصولهنّ على الجنسيّة اللبنانية.
وقالت:” نتابع في الهيئة حالات لنساء أجنبيات إلتجأن إلينا، بعد أن خطف الزوج اللبناني أولاده من بلد أجنبي، وعاد بهم إلى لبنان ومنع زوجته الأجنبية غير الحاصلة على الجنسيةِ اللبنانية، من رؤتهم أو حتّى التواصل معهم، كما عمل على الحؤول دون تمكُّنها من الدخول إلى لبنان ومحاولة لقاء أولادِها، بحجج مختلفة غالباً ما تكون مصطنعة.
إن هذه القضايا نعيرها، نحن النساء اللبنانيات أهمية قصوى لكونها ترتبط بصميم كرامة المرأة في المطلق. وهذه الحالات نضعها في عهدتكم لتكونوا خير الحاكمين بشأنها.”
وختمت:”مسيرتنا طويلة، ونضالنا في سبيل إزالة التمييز ضدّ النساء وضمان حمايتهنّ، والمحافظة على حقوقهنّ، لن يتوقّف، بل إننا لا نفوّت فرصة للتعاون مع المؤسسات الرسمية والجسم القضائي والجمعيات الأهلية وكلّ الجهات المعنية، في سبيل النهوض بمجتمعنا إلى مستوى إنساني وثقافي حضاري، وتكريس مبدأ العدالة على المستويات الحياتيّة كافةً.”
بعدها كانت كلمة وزير العدل القاضي سليم جريصاتي، ألقتها القاضية جويل فواز، رئيسة هيئة التشريع والإستشارات بالإنتداب، ومنسّقة النوع الاجتماعي في وزارة العدل، قالت فيها:”واكبت هذا القانون منذ نشأته فشاركت في إعداد المسودة الأولى مع الرئيسين هيلين اسكندر وجون قزي والأساتذة ليلى عواضه والسيدة زويا روحانا وزميلات لهما من جمعية كفى، ثم في تنقيح هذه المسودة في هيئة التشريع والاستشارات مع الرئيس انطوان بريدي، وحين تبنت وزارة العدل مشروع القانون شاركت في مناقشة مسودة المشروع في المجلس النيابي طوال 52 جلسة، إلى أن أبصر النور بتاريخ7/5/2014 تحت الرقم 293، فكان الانتصار في المعركة الأولى”.
وتابعت:” وتجدر الإشارة إلى أن إعطاء قاضي الأمور المستعجلة صلاحية اتخاذ قرار بالحماية بالصورة الرجائية أخذ حيّزاً كبيراً من المناقشات، اذ كان بالنسبة لنا حاجة ملحة نظراً للسرعة ولهامش الحركة التي يتمتع بها قاضي العجلة عند البت بالطلبات المقدمة إليه، ولا يخفي عليكم كم أن عنصر السرعة مهم في قضايا العنف إذ قد يتوقف على هذا القرار حياة أم أو إخت أو زوجة”
واعتبرت أنه نظراً إلى خصوصية مجتمعنا تفضّل الكثير من النساء المعنفات اللجوء إلى قضاء العجلة لطلب الحماية عوضاً عن التقدم بشكوى جزائية ضد المعتدي.
وقالت:”إلا أنه وبعد أن دخل هذا القانون حيز التطبيق بدأت تظهر مجموعة من الثغرات التي يصعب على القاضي، بالرغم من كل الجهود التي تبذل أن يتخطاها دون تعديل تشريعي، فالقاضي مهما اجتهد يجد في أحيان كثيرة نفسه مكبلاً بالنصوص. فبدأت ورشة التعديل انطلاقاً مع واقع المشكلات والعقبات التي تواجه عملياً القاضي عمله الرامي إلى تأمين الحماية للنساء المعنفات وأطفالهن”
وختمت:”إن مما لا شك فيه أن وزارة العدل ستكون دوماً السباقة وستتلقف مشروع القانون التعديلي وستسير به حتى خواتيمه السعيدة”.
ثم قدّمت القاضية نازك الخطيب، عرضاً للتعديلات القانونية المقترحة والمبنية على الاجتهادات الصادرة عن القضاء في تطبيق القانون 293.
وبعدها عرضت المحامية ليلى عواضة من منظمة كفى عنف واستغلال للإشكالية المطروحة لتطبيق القانون 293، وفي الختام قدّم القاضي جاد معلوف، عرضاً لتجربة شخصية حول تطبيق القانون، قبل فتح باب النقاش للمشاركين.