جردة العام: على الوعد يا نساء!
على الرغم من كثرة وتعدد القضايا والمطالب الحقوقية للنساء ينقضي هذا العام من دون تسجيل مكاسب جديدة في رصيد مسيرة النضال النسوي اللبناني الطويلة. تُسدل الستارة ولا يزال فيضٌ من أسئلة حوّل انتهاكات تتعرض لها النساء معلّق، واقتراحات قوانين تندرج في إطار تحقيق المساواة بين الجنسين قابعة في الأدراج، وقضايا عُنف وإتجار بالبشر تنتظر أن تُنطق أحكامها باسم العدالة.
على الصعيد القضائي، تمضي سنة 2018 وقد سُجّل فيها واحد من أسوأ الأحكام القضائية في تاريخ البلاد. ففي الأول من تشرين الثاني صدر الحُكم في قضية رولا يعقوب ببراءة قاتلها، زوجها كرم البازي. الحُكم صدر عن محكمة الجنايات في الشمال بأكثرية مستشارين هما القاضيان خالد عكاري وزياد الدواليبي، بالرغم من أن رئيس المحكمة القاضي داني شبلي خالفه معتبراً أن “الوقائع الثابتة المؤيدة بالأدلة” توجب تجريم المتهم.
اليوم، تحوّلت القضية إلى محكمة التمييز، حيث الأمل الأخير باستعادة العدالة وإنصاف رولا، بعد مرور أكثر من خمس سنوات على مقتلها.
تمضي سنة 2018 وقد سُجّل فيها واحد من أسوأ الأحكام القضائية في تاريخ البلاد. ففي الأول من تشرين الثاني صدر الحُكم في قضية رولا يعقوب ببراءة قاتلها
على الصعيد التشريعي، انتخب اللبنانيون مجلساً نيابياً جديداً في 6 أيار. سقف الطموحات التغييرية لم يلتقِ وسقف الإمكانيات، فالبرغم من الدعوات إلى تمثيل نسائي أكبر في البرلمان، لم تتخطَ نسبة النساء اللواتي دخلن الندوة البرلمانية الـ3 في المئة، فقد فازت ستُ نساءٍ فقط في الانتخابات، وهن: ديما جمالي ورلى الطبش جارودي وبهية الحريري وعناية عز الدين وستريدا جعجع وبولا يعقوبيان.
أما بالنسبة للقوانين، فإن أدراج مجلس النواب تعجّ باقتراحات القوانين المعتلقة بقضايا نسوية حقوقية، إلا أن أي منها لم يوضع على جدول أعمال المجلسين النيابيين الذين واكبا هذا العام، وفي ذلك مؤشّر إلى عدم إعتبار قضايا النساء ضمن أولويات صناع القرار.
قبل الانتخابات انعقد المجلس النيابي في جلسة واحدة للهيئة العامة هذا العام في 28 و29 آذار، لم يتم التطرق فيها لأي من اقتراحات القوانين المتعلقة بقضايا النساء. أما المجلس الجديد فقد انعقدت هيئته العامة مرّتين في جلستين أُدرجتا تحت بند “تشريع الضرورة” نظراً لعدم إمكانية انعقاد المجلس في ظل حكومة مستقيلة. الجسلة الأولى كانت في 24 و25 أيلول، والثانية في 12 تشرين الثاني، انحصر البحث خلالهما بالقوانين المرتبطة بمؤتمر “سيدر”.
في 26 تشرين الثاني تقدّم عشرة نواب من كتل نيابية مختلفة بإقتراح تعديل قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، بهدف تأمين حماية أكبر للنساء، أُحيل الإقتراح إلى اللجان النيابية المشتركة وتمّ إدراجه على جدول أعمال جلستها المقرر عقدها في العاشر من كانون الثاني 2019.
في الإطار عينه، تقدمت النائبة بولا يعقوبيان باقتراح قانون لإلغاء استعمال القوة ومداهمة المنازل في قضايا الحضانة وتسليم الأطفال، يقضي بإسقاط الفقرة الثانية من المادة 845 من قانون أصول المحاكمات المدنيّة، الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 90 تاريخ 16/9/1983 وتعديلاته، وهي الفقرة التي تُجيز تنفيذ الحكم الصادر بـ”ضم الصغير أو حفظه أو تسليمه إلى الأمين قسراً ولو أدى ذلك إلى استعمال القوة ودخول المنازل، مع جواز إعادة تنفيذه كلَّما اقتضَت الحال ذلك”.
كذلك تقدّمت في 12 كانون الأول باقتراح قانون معجّل مكرّر لإلغاء سَجن الأمّ إكراهياً في حال امتناعها عن تسليم ولدها، وذلك بعدما تكررت هذه الحوادث في الفترة الماضية نتيجة قوانين الأحوال الشخصية المتفرّعة بحسب كلّ طائفة. وانطلقت يعقوبيان في طرحها من وسم/هاشتاغ “الأمومة مش جريمة” الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي عقب اعتقال المحامية فاطمة زعرور بعد رفضها السماح لعناصر من قوى الأمن الداخلي بأخذ طفلها وتسليمه لوالده، المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
أيضاً تقدّمت يعقوبيان باقتراح قانون لرفع التحفظات اللبنانية عن “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة – سيداو”، لا سيّما التحفظات على المادة 16 التي تتناول تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في العلاقات الأسريّة والزوجيّة، وهو مطلب يرفعه عددٌ كبير من الجمعيات والمنظمات النسوية والحقوقية والمدنية منذ سنوات، بغية نقل بنود الاتفاقية من الإطار النظري إلى الإطار التطبيقي أولاً، ومن أجل تحديد الموقف الرسمي للبنان من هذه الاتتفاقية ثانياً، فلا شكّ أن الموقف ملتبس وغير مفهوم، فكيف توّقع دولة على شيء وتتحفّظ على جوهره في آن معاً؟
قدمت النائبة بولا يعقوبيان باقتراح قانون لإلغاء استعمال القوة ومداهمة المنازل في قضايا الحضانة وتسليم الأطفال
ولا يزال هناك العديد من اقتراحات القوانين العالقة في المجلس النيابي، غالباً لأنها ليست على قدرٍ من الأهمية بحسب وصف بعض النواب، أبرزها:
اقتراح قانون رفع سن الزواج إلى الـ18 عاماً بهدف حماية الطفلات والأطفال من التزويج المبكّر، تقدّم به النائب إيلي كيروز في العام 2017، وأعدّه التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، وفيه تحديد لسن الزواج بثماني عشرة سنة للرجل والمرأة على كل الأراضي اللبنانية.
أُحيل اقتراح القانون إلى اللجان النيابية المعنية، وبعد سلسلة نقاشات في لجنة الإدارة والعدل تقرر إعتماد قانون دمج بين إقتراحات قوانين ثلاث كانت قد قدّمت إلى اللجنة بهذا الخصوص في وقت سابق، لذا عمدت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية إلى تقديم مشروع قانون يعتمد سن الثامنة عشر كسن أدنى للزواج للذكور كما للإناث، ولا يجوز إستثناء هذه القاعدة إلا بعد اكتمال سن السادسة عشرة، وبعد حصول الولي أو الوصي الشرعي على إذن من القاضي المنفرد الناظر في قضايا الأحداث، الذي يجري تحقيقاً إجتماعياً، وله أن يستعين بالخبرة الطبية والاجتماعية والنفسية خلال نظره في القضية. ولا يزال القانون ينتظر بتّه في المجلس النيابي.
اقتراح قانون لإلغاء مفاعيل المادة 522 بالكامل، ففي 7 كانون الأول من العام 2016 أعلنت لجنة الإدارة والعدل النيابية الاتفاق على إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات، التي تعفي المغتصب من العقاب في حال موافقته على الزواج من الضحية، ولكن أبقيت مفاعليها سارية في المواد 505 و518 و519، لذلك تجددت المطالبة بمعالجتها ليصير الإلغاء كاملاً ويرتقي ليصبح إنجازاً حقيقياً لنساء لبنان. وعليه، تقدّم كل من النواب نبيل نقولا وجيلبرت زوين وآلان عون، في العام 2017، بإقتراح قانون لتعديل المادتين 505 و 519 وإلغا المادة 518 من قانون العقوبات، بهدف إلغاء كامل لمفاعيل المادة 522، وإلى اليوم لم يُسجّل أي جديد في هذا الخصوص.
إقتراح قانون تجريم التحرّش الجنسي، في 8 آذار 2017 وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون تجريم التحرش الجنسي الذي تقدّم به وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسبيان، على أن يتم إحالته إلى مجلس النواب.
واقتراح القانون هو تعديل على اقتراح القانون الذي تقدّم به النائب غسان مخيبر في العام 2014 بصيغة “معجّل مكرر” ويرمي إلى تجريم التحرش الجنسي والإساءة العنصرية، بحيث يُعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبالغرامة المالية من ضعفي إلى عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور، كل من أقدم بشكل صادم أو ملحّ أو متكرر على فرض أقوال أو أفعال أو إيحاءات ذات طابع جنسي أو ذات طابع عنصري، على شخص دون رضاه أو من دون إيحاء بالترحيب، فأدى ذلك إلى الإعتداء على كرامته إما بسبب طبيعتها أو ظروفها المهنية أو الضاغطة أو المحرجة، على أن تتوقف الملاحقة على شكوى المتضرر. وكان قد أُدرج الإقتراح على جدول أعمال الجلسة التشريعية التي عُقدت في منتصف شهر كانون الثاني 2014، لكنه لم يُقر حينها. أما مشروع القانون الجديد فيتميز بأنه أكثر شمولية لجهة القوانين التي ذكرتها التعديلات لتطال جريمة التحرش الجنسي واعتبارها من الجرائم الشائنة، لكنه لم يرد على جدول أعمال المجلس النيابي إلى الآن.
اقتراح قانون منح المرأة اللبنانية الجنسية لأطفالها، وهو يُعتبر من القضايا الأكثر جدليّة في لبنان. وقد كانت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية قد تقدّمت بمشروع لتعديل قانون الجنسية لجهة حق المرأة بمنح الجنسية لأولادها في العام 2012، إلا أن هذا القانون لم يمرّ في المجلس النيابي. ونتيجة للضغط المستمر من قبل المنظمات المدنية والحقوقية وعلى رأسها حملة “جنسيتي حق لي ولأسرتي”، وبعد توقيع مرسوم التجنيس في العام 2018 الذي مُنحت بوجبه الجنسية اللبناني لعددٍ كبير من الأشخاص من دون تحديد واضح للمعايير التي اعتمدت لذلك، تقدّمت كتلة “اللقاء الديموقراطي”، في 6 آب 2018، باقتراح قانون لإعطاء المرأة الحق بمنح الجنسية اللبنانية لأبنائها.
إلى ذلك، كان وزير الخارجية جبران باسيل قد تقدّم للحكومة بمشروع قانون يُجيز للمرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني حق منحها الجنسية اللبنانية لأولادها باستثناء دول الجوار للبنان منعاً للتوطين، وما يمنع عن المرأة يمنع عن الرجل باستثناء هذه الدول.
كان وزير الخارجية جبران باسيل قد تقدّم للحكومة بمشروع قانون يُجيز للمرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني حق منحها الجنسية اللبنانية لأولادها باستثناء دول الجوار للبنان منعاً للتوطين
وفي النهاية، تبقى التقارير الدولية بشأن واقع المساواة بين الجنسين في لبنان أفضل إنباء عن حقيقة وضع النساء في البلاد، حيث صنّف التقرير السنوي للعام 2018 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لبنان بين أسوأ دول العالم لناحية التفاوتات بين الجنسين إذ جاء لبنان في المرتبة 140 عالميًا وصنّف من بين الدول الأربع الأكثر تأخّرًا لناحية التمثيل السياسي للمرأة حيث لا يزال عليه أن يسدّ 97% من الفجوة بين الجنسين في هذا المجال، ومن بين ست أسوأ دول لناحية تبوّأ النساء للمناصب القيادية في العمل حيث لا يزال عليه ردم 90% من الفجوة في هذا المجال. كذلك، أظهرت دراسة حملت عنوان “عدالة النوع الاجتماعي والقانون: تقييم للقوانين المؤثرة على المساواة بين الجنسين في منطقة الدول العربية”، أطلقتها كل من منظمة الإسكوا بالشراكة مع ثلاث من هيئات تابعة للأمم المتحدة، أن الدستور اللبناني يعدّ من بين الأسوأ عربيًا إلى جانب الدستورين الأردني والسعودي إذ أنه لا يكفل المساواة بين الجنسين ولا يؤمّن أية حماية من العنف القائم على النوع الإجتماعي.
تصوير: حسين بيضون