إيمتى بدنا نفرح فيكي ؟! سؤال يقضّ مضاجع النساء
بعد مناقشتها لرسالة الماجستير في القانون الدوليّ الإنسانيّ، تلقّت سلمى 26 عاما الكثير من التهاني من المقرّبين والأصدقاء لكن بعضهم اختار لها المزيد من الأماني “مبروك عقبال فرحتنا فيكي”، يصدمها الأمر رغم اعتيادها على سماع هذا النّوع من المباركات “ألا يكفيهم كلّ هذا النجاح ليفرحوا بي! لا شيء يفرحهم سوى زفافي ؟! “.
بدورها تستاء نور 30 من الضغوط التي تمارسها والدتها عليها لاستقبال الخاطبين، إذ أنّها لا تفكر في الزّواج حاليا وعلى العكس من ذلك فإنّ جلّ اهتماماتها هي حياتها المهنيّة وكيف ستطوّر نفسها في العمل، أما الزّواج فهو أمر غير موجود على قائمة أولويّاتها، لكنّ العائلة والمجتمع المحيط بها لا يحترم هذا القرار ويعتبر أنّ حياتها الخاصّة جزء من الأمور التي ينبغي عليهم إبداء آرائهم بها.
“كيف يمكنني إقناع والدتي بأنّه من الممكن أن أحيا دون زواج، كيف يمكنني أن أشعر بسعادتها لإنجاز أحققه في العمل دون أن أرى نظرة الأسى في عينيها ودون أن أسمع عبارة عقبال ما شوفك عروس” تقول نور التي استنفذت كل الحجج لإقناع والدتها وخالاتها اللواتي لا يمللن من البحث دوما عن عريس محتمل لها.
كيف يمكنني إقناع والدتي بأنّه من الممكن أن أحيا دون زواج، كيف يمكنني أن أشعر بسعادتها لإنجاز أحققه في العمل
نور ليست الوحيدة، فكثيرات مثلها يتعرضن لضغوط من العائلة والمجتمع من أجل الزّواج رغم أنّهن لا يفكّرن بالأمر بل أنّ بعضهن اتخذن قرارا بعدم الزواج، فرشا 34 عاما قررت عدم الارتباط من أيّ شاب لأن الزّواج في نظرها “مؤسسة فاشلة” و”نهاية قصص الحب تكون عند الزواج”، اختارت بدلا من ذلك أن تعيش قصة حبّ مع الشاب الذي اختاره قلبها وعقلها دون أن يحدّدا نهاية أو شروطا للأمر، وذلك بحسب كليهما ضمان استمراريّة الحبّ الأبديّ، تقول رشا: “اخترنا العلاقة المفتوحة؛ يعيش كل منا حياته المستقلة ونلتقي في أوقات فراغنا، لن نعيش تحت سقف واحد لينتهي الحب بعد فترة قصيرة بسبب خلافات الحياة اليوميّة، كما أنّنا لا نفكّر في الأطفال حاليّا وذلك يسهّل علينا حياتنا ويمكننا من الحفاظ على استقلاليتنا”.
لكن على الجانب الآخر، يشكل الزّواج أو الارتباط عموما هاجسا لأخريات وخاصة في ظلّ الفارق بين نسبة الإناث إلى الذكور في سوريا والذي ساهمت الحرب في ارتفاعه، إذ بحسب تصريح للقاضي الشرعيّ الأوّل في دمشق محمود معراوي لجريدة حكومية قال فيه، في وقت سابق ازداد عدد الإناث على الشباب نتيجة الحرب، وتجاوزت النسبة 65% نهاية عام 2017، إذ أنّ عدد الشباب انخفض خلال السنوات الأخيرة لأسباب كثيرة كالموت، الاختفاء، الاعتقال، والهجرة، ما جعل فرص الفتيات في إيجاد شريك في انخفاض.
“إيمتى رح نفرح فيكي” سؤال يقضّ مضجع ضحى 28 عاما مدرّسة في إحدى المدارس الابتدائية في دمشق، إذ أنّها لا تنفكّ تفكّر في فارس الأحلام الذي لم يأت بل وتخشى أن يكون قد مات خلال الحرب، فلا خاطبين كثر تقدموا لخطبتها ولا يمكنها الذهاب لخطبة أحد الشباب إذ ليس من السائد أن تقوم الفتيات بهذا الأمر في مجتمعنا، رغم خشيتها أن تكبر وحيدة كما حدث لعمّتها التي توفيت بعمر السبعين عاما دون أن تتزوج رغم عدد الخاطبين الكبير الذين تقدموا لها.
“أريد أن أتزوج وأكوّن عائلة، ربما لم يتقدم لخطبتي الكثيرون لكننّي سأنتظر الشريك المناسب ولن أتنازل عن أيّ من الشروط التي أحلم بها” تقول ضحى.
على عكس ضحى تنازلت ريم عن العديد من المواصفات التي كانت قد وضعتها لشريك أحلامها الذي لم يأت، واختارت بدلا عنه رجلا أرملا يكبرها بنحو عشرين عاما لترتبط به، فقد ضاقت ذرعا بعد بلوغها ال 35 عاما بالأسئلة اليوميّة التي تطرح عليها “لماذا لم تتزوجي؟” “متى ستتزوجين؟” وبتعليقات أمها وعمّاتها اللواتي يخبرنها بأنّها ستصبح “عانسا” ما لم تخفف من الشروط التي تضعها وبأنّها “لن تستطيع الحصول على ولد يسندها عندما تكبر إذا أصرّت على عنادها”.
“قد أبدو غير سعيدة بهذا الاختيار لكنّني فكرت كثيرا بكلامهم وخفت من الوحدة، أريد ولدا أربيه كما أشاء، ربما لا أحبّ خطيبي لكن الحبّ قد يأتي بعد الزّواج” تقولّ ريم التي تحضر لعرسها دون أي شغف.
يشكل الزّواج أو الارتباط عموما هاجسا لأخريات وخاصة في ظلّ الفارق بين نسبة الإناث إلى الذكور في سوريا والذي ساهمت الحرب في ارتفاعه
لكلمة “عانس” وقع سيّء على الدّكتورة مها 41 الطبيبة النسائية المقيمة في ريف دمشق، كما أنّها لا ترى ضرورة لوجود كلمة تصف العازفين عن الزواج، إذ أنّ عدم وجودها أفضل من كلمة “عانس” التي تشكل وصمة مجتمعيّة يفرضها المجتمع على العازبات.
“يزعجني التصنيف الذي يضعه المجتمع والذي يؤطّر فيه حياة الغير متزوجين/ـات، كما تزعجني نظرات اللّوم أو الحسرة التي أراها في عيون الذين التقي بهم/ـن، ولا أفهم المشكلة في اختياري لعدم الزواج طالما أن في حياتي الكثير من الإنجازات التي تستحق الفخر أكثر من الارتباط” تقول الدكتورة مها التي تتعرّض للكثير من المواقف الغريبة، فبعض المريضات يرفضن أن تتابع حالتهنّ الصحية خوفا من الحسد “يعتقدون أنّني سأحسدهم على حملهن وولادتهن طالما أنني لست متزوجة وليس لديّ أولاد”. تضحك بسخرية وهي تتذكر حادثة صادفتها حين أتت سيدة لعيادتها لتطمئن على حملها لكنها غادرت من غير رجعة حين سمعت بأنّها عزباء.
لا أفهم المشكلة في اختياري لعدم الزواج طالما أن في حياتي الكثير من الإنجازات التي تستحق الفخر أكثر من الارتباط
لا تولي فرح أي اهتمام بالإحصائيات التي تقول أنّ نسبة العازبات في سوريا تجاوزت السبعين بالمئة، فالأمر لا يشكّل فرقا عندها فهي لا تفكّر بالزواج حاليا بعد أن أنهت دراستها الجامعيّة في كليّة الآداب في جامعة دمشق وحصلت على عمل في إحدى الشركات الجديدة المتخصّصة بالإعمار. “أجل لا أفكّر في الارتباط ربما لم يأت الرجل المناسب بعد لكنّني لن أقضي عمري في انتظاره، سأعمل وأتمتع باستقلاليّتي وبحياتي، إن أتى فهو أمر جيد وإن لم يأت لن يؤثر ذلك على حياتي”.