حملة لوقف القهر ضد النساء في مصر والمطالبة بالإجهاض الآمن
حالة من الجدل تشهدها مصر على خلفية إطلاق حملة “أوقفوا القهر ضد النساء” التي تطالب بضرورة إجراء تعديل تشريعي يلغي العقوبات السالبة للحريات تجاه النساء اللواتي يجرين عمليات إجهاض، وضرورة إتاحة الاجهاض الآمن للنساء في مصر.
“توقفت عقارب الساعة عندما أبلغتني طبيبة أمراض النساء والولادة بأني حامل في الشهر الأول”، هكذا بدأت عايدة علي – اسم مستعار – حديثها عن تجرية الإجهاض غير الآمن الذي تعرضت له.
تقول عايدة: “دارت بي الدنيا فور علمي بأني حامل، لم أتذكر سوى ما ينتظرني من أهلي والمجتمع وزوجي الذي تركني بعد شهور من الزواج العرفي، لكني توجهت لزوجي لأبلغه بأني حامل، تنكّر وتبريء من الطفل وأهانني، حاولت مراراً وتكراراً أن أقنعه بالاعتراف بالطفل فقط وتركه لي اتحمل مسؤوليته حتى لو كان ثمن ذلك أن أفني عمري من أجل طفلي، لكن بلا جدوى، فقد أصرّ على عدم الاعتراف بالطفل ولا بالزواج العرفي، من هنا لم يكن أمامي سوى الاجهاض”.
تستكمل عايدة حديثها بأن تجربة الاجهاض كانت أسوء ما مرعليها في حياتها، خاصة وأن المستشفيات والاطباء والقانون يعتبرها جريمة يعاقب عليها بالسجن، توضح لجأت لاحدى صديقاتي التي كانت تعرف طبيبة تجري هذه العملية، فتعرضت لكم من الابتزاز لا نهاية له، بدءا من تكلفة العملية التي تخطت الـ 8 الاف جنيه، واجراء العملية في مكان يشبه المخزن مليء بالتلوث وغير مجهز، اضافة الى التعامل السيء والمهين من طاقم التمريض نساء ورجال.
تكلفة العملية التي تخطت الـ 8 الاف جنيه، واجراء العملية في مكان يشبه المخزن مليء بالتلوث وغير مجهز
ووفقا لقانون العقوبات المصري، فإن المواد 260 و261 و262 و263، تعتبر الإجهاض جنحة وقد تتحول لجناية عقوبتها الأصلية الحبس لمدة تتراوح من 24 ساعة إلى 3 سنوات، وقد تصل إلى السجن المشدد.
تقول عايدة “تعرضت لتحرش احد الممرضين قبل اجراء العملية، وعندما اعترضت كان الرد “اشمعنى انا.. ما انتي حامل في الحرام”، كانت كلماته كالسكين فصمتت”.
“أنهت الطبيبة العملية وتركتني دون الاطمئنان على صحتي، تخلصت من الطفل وتخيلت أن الأمر انتهى، لكن ما حدث ليس باليسير علي”، والحديث مازال لعايدة، “إستمر النزيف أيام وليال أصبحت اعاني من ألم العملية وألم ما تعرضت له من خذلان من كل المحيطين، إستمر الالم وفوجئت باصابتي بتلوث في عنق الرحم استغرق شهور لعلاجه”.
تنهي عايدة حديثها بأن “الم العملية وتلوث عنق الرحم إنتهى ولكن الآلام التي تسبب بها التحرش والاهانات اثناء اجراء عملية الاجهاض ما زالت تؤلمني”.
وقدّرت دراسة أعدها المجلس الدولي للسكان بالتعاون مع الجمعية المصرية لرعاية الخصوبة أن معدل الإجهاض في مصر يقترب من 14.8% حالة اجهاض لكل 100 مولود، فيما قالت وزارة الصحة إن الإجهاض تسبب في 1.9% من الوفيات المتعلقة برعاية الأمومة في عام 2006.
إستمر النزيف أيام وليال أصبحت اعاني من ألم العملية وألم ما تعرضت له من خذلان من كل المحيطين
يقول مجدي عبد الفتاح، مدير مركز البيت العربي للبحوث والدراسات، في حديذ لموقع “شريكة ولكن” أن مصر من أكثر الدول تقيدا لحق النساء في الإجهاض الآمن، فهي من بين الدول التي تجرّم كافة إشكال الإجهاض وتضع عقوبات سالبة للحرية لكل من ساعد أو قدم تسهيلات بأي شكل من الإشكال بما فيها المرأة نفسها وذلك وفقا لقانون العقوبات المصري، لم يتوقف الامر عند معاقبة المرأة التي تقوم بالاجهاض بل ان المادة 260 من قانون العقوبات اقر بأن كل من اسقط عمداً امرأة حبلى بضرب أو بنحو من أنواع الإيذاء يعاقب بالسجن المشدد 15 عاما.
وأشار عبد الفتاح الى أن مفهوم الاجهاض الآمن هو الاجهاض الذي يتم في ظروف ومعايير معينة، من بينها أن تتم العملية في العلن، وان يكون المكان الذي تجرى فيه العملية مهيء لذلك، وان يقوم متخصص بها، وان يتم متابعة المرأة بعد العملية.
ولفت عبد الفتاح الى أن النساء في مصر يلجأن للاجهاض لاسباب عدة منها، اقتصادية مثل عدم القدرة المالية للاسر خاصة مع ارتفاع الاسعار وتدني الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهناك اسباب صحية واسباب مجتمعية من بينها الوصمة التي تلصق بالنساء اذا حملن خارج منظومة الزواج. وأقرّ عبد الفتاح بان النساء اللائي يضطررن لاجراء الاجهاض في مصر يتعرضن لابشع انواع الاستغلال والابتزاز نتيجة لتعنت القوانين والتشريعات ومخالفتها المواثيق والاتفاقيات الدولية التي اعتبرت الاجهاض حق من حقوق الصحة الانجابية والجنسية للنساء.
وفيما صرّح مصطفي الازهري، استاذ الفقه بالازهر، لموقع “شريكة ولكن” أن “هناك ضرورة أن نعرف أن للجنين حق وهو روح، وأن الشريعة الاسلامية حددت حالات بعينها يباح فيها الاجهاض، وهي وجود خطر مادي على صحة الام، وتشوه الجنين بما يمثل خطرا على صحة الام وغير ذلك غير مباح على وجه الاطلاق، ففي حالات الحمل السفاح والاغتصاب وغيره لم تقره الشريعة الاسلامية”، ردّ عبد الفتاح بالتأكيد على أن محكمة النقض المصرية قد أصدرت حكما عام 1955 يقر بأن الاجهاض مجرم ولكن ليس وفقا للشريعة الاسلامية. واعتبر الأخير أن الحكم أكد على أن الفقهاء إختلفوا فيما بينهم في ذلك الشأن خاصة وان هناك فقهاء يؤكدون على ان الشريعة الاسلامية أقرت حق المراة في الاجهاض في حالة تشوه الأجنه ووجود خطر على حياتها وهو ما خالفه القانون المصري.
هناك فقهاء يؤكدون على ان الشريعة الاسلامية أقرت حق المراة في الاجهاض في حالة تشوه الأجنه ووجود خطر على حياتها
كلام عبد الفتاح تقاطع مع هدى، وهي ام عزباء، إذ تقول “لو عرفت طريقا للاجهاض لانقذت طفلي ونفسي من ويلات السجلات الرسمية للدولة وعدم تسجيل ابني الذي يبلغ عامين، وعلى الرغم من ذلك فانه محروم الى الآن من أن يكون له اسم في الأوراق الرسمية للدولة”.
وتضيف هدى : “أقمت علاقة مع شاب في نفس عمري، ونتج عن ذلك حمل، وكالمعتاد في تلك النوعية من الظروف تخلى الشاب عني وعن طفلي، ظل يعدني مرات بانه سياتي بدواء يمكنني من التخلص من الحمل، ولاني لم اكن اعرف طريقا غير ذلك انتظرت لمدة شهرين، لكنه لم يأت بأية أدوية، ثم تركني وقال لي تصرفي بل انه تعدى علي بالضرب مرات متخيلا ان هذه الطريقة قد تسقط الجنين. بحثت على الفايسبوك عن أطباء يقومون بهذه العملية بالفعل وجدت صفحة إجهاض وإعادة عذرية لكن المبلغ كان كبير للغاية خاصة وأني لا أعمل. مرت الأيام كالبرق وكبر الطفل في أحشائي ، وفّرت لي احدى الصديقات دواء للاجهاض لكن بعد فوات الأوان، إتبعت كل الطرق التي سمعت عنها من أصدقاء ومن وسائل التواصل لكن لم أفلح، إستمر الحمل وأنجبت ولد لكن كل محاولاتي التي حاولتها اتت بطفل لديه مشاكل صحية كبيرة وبلا اب ولا اوراق ثبوتية”.
وختمت هدى انه “بالرغم من ان القانون اتاح للام العزباء اثبات الطفل باسمها في السجلات الرسمية للدولة الا ان الموظفين والمسؤولين لديهم نظرة تقليدية محافظة تجعل الإجراءات بطيئة وتضيّع حق طفل لم يرتكب ذنبا، الاّ انه ولد في مجتمع يرفض ان يجرى إجهاض في العلن ويصمت على الإتجار بالنساء وابتزازهن في الخفى”.