اللاجئات السوريات بين فكيّ الأطر القانونية
كانت زهرة، وهي لاجئة سورية هربت بسبب الحرب الى لبنان، طفلة لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها حين تزوجت من محمد (اسم مستعار) وهو لاجئ سوري أيضاً، بقيا سويا فترة تسعة أشهر قبل أن يقرر محمد الهجرة الى أوروبا في العام 2014، تاركاً زهرة في لبنان.
مرت نحو ثلاثة أعوام، قبل ان تتمكن زهرة من اللحاق بزوجها. ففي العام 2017، أنجزت المعاملات الرسمية مثل الإقامة والفيزا وغيرها، لكن بسبب تعنيفه الدائم لها وإهانتها باستمرار، بقيت زهرة معه في البرازيل لشهرين فقط، قررت بعدها العودة الى لبنان، بعد أن “رمى” عليها الطلاق شفوياً.
وهنا بدأت معاناة زهرة، فهي منذ نحو عام ونصف تعيش حياة مطلقة على قيد الإنتظار، الى حين تتمكن من تثبيت طلاقها في المحكمة الشرعية السنية. فمنذ وصلت زهرة الى لبنان، رفعت دعوى طلاق في محكمة جب جنين، ولأن محمد ما زال في البرازيل، أوكل الى أمه تطليقها، وهنا كانت العقبة الأولى أمام زهرة، إذ لم تتمكن من تصديق الوكالة في سوريا كي تصبح رسمية في لبنان، لذلك لم تتمكن المحكمة من أخذها كمستند قانوني في منح الزوجة الطلاق.
تقول زهرة لـ “شريكة ولكن”، “أصبحت كأنني مقيدة، لست حرة في حياتي، أشعر أنني أعاني نفسياً، ناهيك عن نظرات المجتمع المحيط وتوجيهاتهم الدائمة لي” وتضيف: “حاولت إكمال دراستي لكنني لم أتمكن بسبب الصعوبات المادية، وصعوبة تحصيل إفادة مدرسية تفيد بأنني أنهيت الصف الحادي عشر في سوريا، لأن هذه الإفادة لا تمنح بالإنابة”.
لم تتمكن من تصديق الوكالة في سوريا كي تصبح رسمية في لبنان
تعيش زهرة راهناً، مع أهلها في مخيم “حوش حريم”، وهو أحد مخيمات اللجوء في البقاع (لبنان)، تتولى عائلتها تأمين مستلزماتها الأساسية بقدر ما يستطيعون، تقول زهرة أن صعوبات كثيرة تواجهها داخل المخيم لجهة الواقع المعيشي والإقتصادي، “ومخيمنا ليس فيه أدنى مقومات الحياة، في الشتاء دائماً تعوم الخيم بالمياه، أتمنى العودة الى سوريا ولكن الوضع ليس أمناً حالياً، ولم أسوي إقامتي لهذا العام لذلك يصعب علي الإنتقال الى سوريا من أجل الحصول على الطبابة التي كلفتها مرتفعة جداً في لبنان”، وتختم زهرة: “بتمنى تكون حياتنا فيها ضحك وفرفشي، لأننا حالياً نعيش الوحدة فقط”.
ليست زهرة وحيدة في معاناتها ممن نزحن الى لبنان بسبب الحرب ويعانين صعوبة تحصيل الطلاق رسمياً بعدما تعرضن للعنف النفسي والجسدي من أزواجهن، لاسيما الإناث القاصرات، اللواتي يعانين عنفاً مضاعفاً أكثر من أزواجهن كونهن قاصرات ولأنهن نازحات يعانين الشتات والنزوح وويلات الحرب.
تقول المحامية صابرين الموسوي وهي وكيلة زهرة، أن هناك صعوبة كبيرة تواجه النساء السوريات في لبنان لجهة تصديق الوكالة من أجل تثبيت طلاقهن في لبنان، وتضيف: “أرسلنا الوكالة الخاصة بزهرة مرات كثيرة ولم نتمكن من تصديقها، يضاف الى ذلك كلفتها الباهظة على زهرة ومثيلاتها أيضاً، عدنا وطالبنا الزوج بإرسال وكالة أخرى، وهنا باتت العقبة من الزوج الذي لم يرسل وكالة أخرى بديلة”.
أما المحكمة فلا لوم عليها، وفق الموسوي، إذ لا يمكنها تطليق زهرة من دون وكالة قانونية، وفي هذه الحال لا يوجد أمام زهرة سوى ان تتقدم بدعوى تفريق لعلة الغيبة المنقطعة، بعد فترة بحجة أنهم انفصلوا قبل مدة وهو لا ينفق عليها.
لا يوجد أمام زهرة سوى ان تتقدم بدعوى تفريق لعلة الغيبة المنقطعة
وهذا ما لجأت اليه معظم النازحات السوريات في لبنان في الأونة الأخيرة كحجة لتطليقهن من أزواجهن، أي التطليق لعلة الغيبة بعد مرور أربع سنوات على غياب الزوج، في حال تثبت القاضي الشرعي ان الزوج قد غاب عنها طوال هذه الفترة. فوفق الموسوي، فإن أكثر عقبة تقف أمام حصول النازحة السورية على طلاقها، هو عدم وجود وثيقة تثبت الزواج في أكثر الأحيان، لسبب أساسي هو أنهم هربوا من الحرب في سوريا من دون احضار الأوراق الثبوتية معهم ليحصل بعدها خلاف بين الزوجين، ومعظم أزواجهن عادوا الى سوريا وانقطعت أخبارهم، فلا يمكن للمحكمة أن تبلغهم بدعوى الطلاق، وليس لديها أي مستند يثبت أنه زوجها.
وتؤكد الموسوي، أن قضاة المحكمة الشرعية السنية يتعاطفون كثيراً مع مثل هذه الحالات، لاسيما تلك التي انقطعت فيها اخبار الزوج عن الزوجة، على عكس دعوى الطلاق التي يكون سببها الشقاق والنزاع مثلما حصل مع زهرة، فهي على درجة من الصعوبة لأن الزوج غير موجود في لبنان.
حنان حمدان