أن تكوني إمرأة مطلقة في لبنان
تجزم غالبية النساء المطلقات في لبنان، على أن لقب “مطلقة” جعلهن عرضة لضغوط عدة، أوّلها كان خلال مرحلة الحصول على الطلاق، خاصة في ظلّ إجحاف المحاكم الشرعية بحق النساء وصولاً إلى معاناتهن لتحصيل “النفقة”، وحقهّن بالحضانة، هذا عدا عن تداعيات الطلاق في المجتمع، حيث تتعرض” المطلقة” لإهانات عدة، إذ يرى الرجل فيها “فريسة جنسية سهلة”، فيما يرمقها المجتمع بنظرة فقة حيناً وشكّ أحياناً أخرى.
وقد سجّلت حالات الطلاق ارتفاعاً ملحوظاً سنة تلو أخرى، إذ كان متوسطها السنوي في الأعوام الماضية نحو 7,000 حالة وارتفعت في العام 2017 إلى 8,580 حالة أي بزيادة نسبتها 22.5% وفقاً لشركة الإحصاءات اللبنانية “الدولية للمعلومات”. روت ثلاث نساء لموقع “شريكة ولكن” تجاربهن مع الطلاق، اللواتي ما زلن يتحملن تبعاته حتى بعد مرور سنوات.
ديانا: عشر سنوات من الأسى
غيّرت ديانا دينها رغم رفض أهلها التام، فكانت تلك تضحيتها الأولى للزواج من شريكها. تركت بعد ذلك عملها بناءً على رغبته، وقدمت له حصيلة ما جمعته في السنوات الماضية من مال، فكانت تلك الثانية. وعلى عكس الحياة المثالية التي وعدها بها، جعلها سجينة منزلها، مترافق ذلك مع عنف معنوي وجسدي. إلى أن تسنى لها الهرب، وهي حامل في شهورها الأولى.
كان متوسطها السنوي في الأعوام الماضية نحو 7,000 حالة وارتفعت في العام 2017 إلى 8,580
تروي ديانا أن طليقها كان يستغل الأوقات الحميمية بينهما في الفترة الأولى من الزواج لالتقاط الصور لها. والتي جمعها واستخدمها ضدها في المحكمة، بعد أن طلبت الطلاق، لحرمانها من حقها بالحضانة. هذا بالإضافة إلى التشهير بها وبعائلتها، حتى أنه اتهم اخاها بالتحرش الجسدي بالابن. وعليه حرمت ديانا من رؤية ابنها لفترة، حتى تمكّنت محاميتها من دحض التهم. فسمحت لها المحكمة برؤية ابنها ليومٍ في الأسبوع. لكن ذلك الوقت لم يكن كافياً لتفريغ ذهن ولدها مما زرعه الوالد فيه.
بعد عشر سنوات من الطلاق، والمعاناة. استطاعت ديانا أن تزيل أفكاراً مجحفة بحقها من رأس ابنها، والذي ساعدها على ذلك هو تخلي والده عنه. تبين لها لاحقاً أن كل ما بذله الأب من جهد لمنعها من الحضانة لم يكن رغبة منه بالاحتفاظ بالطفل. بل كان أداة ضغط عليها، وعقاباً لهروبها من منزله.
تقول ديانا “يقولون إن الطلاق أزمة وتنتهي، لكنه أنهى معه حياتي”، فكل من يحيطون بها يرفضونها، الأهل والدين والجيران.
ميرنا: أهلي كانوا السند
كان زواج ميرنا (24 عاماً) تقليدياً وسريعاً. تمت الخطوبة والزواج والسفر للعيش في السعودية في غضون ثلاثة أشهر فقط، كان الشريك مثالي خلالها. ليظهر بعد ذلك وجهه الآخر. تقول ميرنا أنه مارس بحقها أشد أنواع العنف المعنوي والجسدي، حتى في فترة حملها. كما منعها من الحصول على هاتف طيلة فترة الزواج، فلم يكن أهلها على علم بما تمر به ابنتهما.
وبعد الضغط على الزوج ليأتي بميرنا للولادة في لبنان، تم ذلك، وكانت فرصة الأهل الوحيدة للتمسك بحق ابنتهم. فعينوا محامٍ وطالبوا بطلاقها فوراً، وعند امتثال الزوج أمام المحكمة إعترف بكل التهم الموجهة إليه، فكان الطلاق سريعاً، إلاّ أنه رفض الإعتراف بالطفل.
تقول ميرنا بعد مرور ثلاث سنوات على الطلاق، انها قد تعافت من الضرر النفسي الذي سببه لها هذا الزواج، خاصةً انه كان تجربتها الأولى، وتقرّ أنها لم تكن لتتجاوز أزمتها لولا مساندة أهلها، فقد حصلت والدتها على أوراق من المستشفى تثبت نسب الطفل، وعليه تمَ تسجيله رسمياً، لكنها لم تحصل على “نفقة”.
القاسم المشترك بين قصتي ديانا وميرنا، هو أن كلا الزوجين اعتبرا الأطفال وسيلة ضغط على أمهاتهم. لكن الاختلاف هو دعم الأهل، الذي عزّز من ثقة ميرنا كثيراً.
كما منعها من الحصول على هاتف طيلة فترة الزواج، فلم يكن أهلها على علم بما تمر به ابنتهما.
منى: المجتمع هو جلّادي
لم يكن طلاق منى (34 سنة) صعباً، رغم أنه لم يعترف أمام المحكمة بوظيفته الثانية وصرّح عن دخلٍ شهري واحد، ذلك لتحديد “النفقة” بناءً عليه، إلا أن المجتمع كان جلّاد منى الدائم.
تسكن منى في صيدا، في مجتمع “محافظ”، فكان ذويها هم أول من شكّلوا الضغط عليها، فحدّدوا لها مواعيد خروجها من المنزل، كما وأعطوا الصلاحية لأخيها الأصغر منها سناً لمرافقتها من وإلى العمل. هذا عدا عن المضايقات الكلامية التي مازالت تواجهها في العمل. والعروض المادية مقابل علاقة جنسية عابرة. فحسب منى، يعتقد الرجال أن المطلقات بحاجة للجنس والمال، وأن عرضاً فيه العنصرين لمطلقة سيكون حتماً مثالي!
وتضيف: “الطلاق كغيره من التجارب، وهو لا يستدعي الشعور بالخزي والعار”. إلا أن ما يزعجها هو تداعيات هذه التجربة عليها في المجتمع ولقب “مطلقة” اللصيق الدائم بها.
إذاً، فالمجتمع اللبناني لا يوفر فرصة لجلد المرأة، خاصةً إذا كانت مطلقة. إذ يرى فيها فريسة سهلة، نتيجة الضغط الذي تعانيه. إلا أن المطلقة في لبنان أمام خيارين: إما الخضوع، كما ديانا التي أجبرت على ارتداء زياً دينياً للتماهي مع المجتمع المحيط بها، ولحفظ “ماء وجهها” كما تقول. أو المواجهة، كما تفعل الكثيرات لمحاربة العنف الممارس عليهن.