لأول مرة في العالم العربي: قمة المرأة في الأخبار
لأول مرة في العالم العربي، عقدت قمة المرأة في الأخبار، واستمرت على مدى ثلاثة أيام من 15 حتى 17 من كانون الثاني في أنتوورك بيروت. وهدفت القمة التي أقامتها المنظمة العالمية للصحف وناشري الأنباء WAN/IFRA إلى طرح ومناقشة مسألة اختلال التوازن الجندري في مجال الإعلام وكيفية معالجته. لكن القمة لم تطرح الأمر من منظور حقوقي بحت، وإنما من منظور إقتصادي أيضاً. فطرحت أهمية تحقيق هذا التوازن بما يخدم مصلحة المؤسسة بذاتها إضافة إلى مسألة المساواة وحرية التعبير. ونوقشت أيضاُ مشكلة التحرش والاعتداءات التي تتعرض لها الإعلاميات داخل مؤسساتهن.
شاركت في القمة نحو مئة صحافية من مصر والأردن ولبنان وفلسطين، كن قد شاركن في برنامج المنظمة لتدريب الإعلاميات على مدى السنوات الأربع الماضية. استغلت هؤلاء المناسبة لمشاركة تجاربهن، فعبّرن جميعهن عن حجم التحدي الإضافي المفروض على المرأة في مجال الإعلام لتثبت جدارتها. “فمن الصعب على المرأة الوصول لمراكز قيادية في مختلف وسائل الإعلام، وعلى المرأة التي تتمكن من الوصول أن تعمل بشكل إضافي لتثبت ذاتها أمام رؤسائها ومرؤوسيها”. تشير إحدى الصحافيات إلى صعوبة واجهتها في جعل مرؤوسيها من الذكور يعملون معها، حتى أن أحدهم قدم استقالته رافضاً العمل بقيادة إمرأة. تروي صحافية مصرية كيف كافحت للسفر إلى بلد ثان مع طفلها الرضيع بهدف العمل على تغطية، حيث أنجزت ملفاً من ثمان صفحات. لكنها فوجئت بأن الملف نشر باسم زميل لم يبذل أي جهد، ولدى استفسارها عن الأمر أتاها الرد بأنه رجل.
عبّرن جميعهن عن حجم التحدي الإضافي المفروض على المرأة في مجال الإعلام لتثبت جدارتها. “فمن الصعب على المرأة الوصول لمراكز قيادية في مختلف وسائل الإعلام
مشكلة التحرش الجنسي في غرف الأخبار والمؤسسات الإعلامية وأثناء التغطيات كانت أيضاً مادة أساسية للنقاش. وبحسب دراسة عالمية استندت عليها وان-إيفرا، فإن 48% من الصحافيات تعرضن لشكل من أشكال التحرش الجنسي في عملهن، 83% منهن لم يبلغن عن حوادث التحرش. وفي حين عرضت كل من الصحافيتان الأجنبيتان لورا زالينكو وكارين أندرسون تجربيتهما وتجارب زميلات لهن مع حوادث التحرش في أماكن العمل، بدت المشاركات العربيات أكثر تحفظاُ في طرح الموضوع ولم تشاركن تجاربهن الشخصية. في حديث إلى “شريكة ولكن” ترجع مديرة برنامج النساء في الأخبار، ميرا عبدالله، السبب بعدم إمكانية طرح موضوع التحرش الجنسي بشفافية في منطقتنا العربية، إلى غياب السياسات الداخلية في المؤسسات الإعلامية، والتي تحمي النساء من التحرش وتسمح لهن بتقديم شكوى ضد المتحرش. وتشير إلى أن المنظمة قدمت إلى الجهات الرسمية المعنية توصيات في هذا الشأن.
للتحرش كلفة مادية على الفرد والمؤسسة، إذ يفقد التحرش الفرد الدافع للعمل ويضعف آداؤه الوظيفي. ما يؤدي لانخفاض إنتاجية المؤسسة وجودة المحتوى، وبالتالي انخفاض إيرادات المؤسسة ودفع تكاليف إضافية
بهدف تشجيع المؤسسات على مكافحتها، لم تكتفي القمة بعرض مشكلة التحرش من منطلق حقوقي وحسب. بل عرضت أيضاً من وجهة نظر إقتصادية. فللتحرش كلفة مادية على الفرد والمؤسسة، إذ يفقد التحرش الفرد الدافع للعمل ويضعف آداؤه الوظيفي. ما يؤدي لانخفاض إنتاجية المؤسسة وجودة المحتوى، وبالتالي انخفاض إيرادات المؤسسة ودفع تكاليف إضافية. ومن هنا تطرح أهمية تعزيز وضع المرأة في المؤسسات الإعلامية بما فيه صالح المؤسسة أيضاً. إذ تبين من خلال تجارب عدة أن المؤسسات التي تضم نساءاً في مناصب قيادية وتعتمد تنوعاً متيناً ومتماسكا،ً تميل إلى تحقيق نتائج مالية أفضل، وإلى التحلي بقدرات ابتكارية أكبر والمساهمة في الاستقرار الإجتماعي في مجتمعاتها. وقد عرضت خلال المؤتمر بعض هذه التجارب، وأظهرت كيف تمكنت العديد من المؤسسات الإعلامية حول العالم من تحسين دخلها وتخطي أزماتها وتقديم مضمون متنوع ورفع نسب متابعيها، من خلال الإستعانة بنساء في مهام عدة.
ورغم أهمية القمة، فقد غاب وزير الإعلام اللبناني ملحم رياشي عن المؤتمر وأرسل مديرة الوكالة الوطنية لور سليمان كممثلة عنه، فلم نتمكن من سؤاله خلال المؤتمر عن الإجراءات العملية التي تقوم بها الوزارة بهدف ضمان وصول المرأة إلى المراكز التي تستحقها، وحمايتها داخل المؤسسات الإعلامية في لبنان.
تعبر ميرا عبدالله عن نجاح المؤتمر الذي تمكن من جمع عدد كبير من الصحافيات ورؤساء التحرير في المنطقة، وطرح مواضيع وتوصيات هامة. وتؤكد أنهم يبحثون عن امتداد برنامج التدريب الذي استمر لأربع سنوات والذي من المتوقع أن له تأثير على المدى البعيد. خصوصاُ أن عدد من اللواتي شاركن فيه تمكنن من الترقية في عملهن. وفي لبنان تمكنت بعضهن من فتح مشاريع إعلامية ناجحة.