الممرضات والوصم المجتمعي في ظلّ غياب السياسات الحمائية في مصر
بين مطرقة ظروف العمل المتدنية وسندان نظرة المجتمع المصري الدونية لهنّ، تعاني النساء الممرضات من الوصمة المجتمعية دون سند أو دليل، سوى لقطات من الأعمال الدرامية والسينما المصرية قد جسدتهن في ثوب المتهم المفسد للمجتمع.
وتعد مهنة التمريض من أشهر المهن التي وصمت العاملات فيها، فبالرغم من الدور الكبير الذي تقوم به هؤلاء الفتيات اللاتي استحقين وعن جدارة لقب «ملائكة الرحمة»، إلا أن نظرة المجتمع للممرضة حوّلت هذه المهنة إلى مهنة تسئ لصاحبتها.
السب والمعاملة السيئة تلاحقنا من المرضى وأسرهم
وقفت ليلى ذات يوم تبكي بحرقة بعدما أقدمت زوجة أحد المرضى على شتمها ونعتها بأنها “عاهرة” لمجرد أنها رفضت أن تعطي له مسكن للآلام دون إذن الطبيب الذي أجرى له العملية الجراحية.
النظرة المجتمعية والفكرة المترسخة لدى قطاع كبير من المجتمع بأنه الممرضة إنسانة سيئة السمعة تجعلهم طول الوقت في أتم الإستعداد لتوجيه الإهانات لها
تروي ليلى إبراهيم معاناتها قائلة:” أعمل في إحدى المستشفيات الحكومية في منطقة رمسيس، ومن وقت لآخر ومع الأسف نتعرض للسب والتطاول تصل إلى حد الإنتهاك والاتهام بسوء السمعة، تأتي تلك الاتهامات لمجرد ان عدم رضى المريض أو أسرته عن أي تصرف نقوم به”.
وأضافت ليلى” أنا أقوم بما تعلمته في المهنة فالمرضى وأسرهم لم يعلموا ببعض بواطن الأمور، لكن في الحقيقة النظرة المجتمعية والفكرة المترسخة لدى قطاع كبير من المجتمع بأنه الممرضة إنسانة سيئة السمعة تجعلهم طول الوقت في أتم الإستعداد لتوجيه الإهانات لها”.
وتابعت ليلى في روايتها:” بالرغم من أن تلك الانتهاكات تكون داخل أروقة المستشفيات التي نعمل فيها، إلا إن إدارة المستشفى لم تعمل على استرضائنا والدفاع عنا، والرد دائماً منهم يكون “معذورين هما يومين وهيمشوا… خليها عليكي”. وتؤكّد ليلى أنه بالرغم من شقاء تلك المهنة وصعوبتها إلا أن السينما والدراما ساهمت كثيراً في تكريس النظرة الدونية والمهينة للعاملات فيها.
تقدم لي عريس مشترطًا عليّ ترك المهنة
رفضت نسرين طلب خطيبها الذي رفض عملها كممرضة وطالبها بترك هذه المهنة عقب اتمام الخطبة، قائلاً لها “أهلي بيكهروا المهن ديه والصراحة سيرتكم سيئة”.
تروى نسرين عبد العزيز التي تعمل في أحد المستشفيات الخاصة تجربتها قائلة:”أحببت شاباً طيباً تعرفت عليه بالصدفة في مناسبة عائلية، تطوّرت علاقتنا ووصلت إلى حد طلبه الزواج مني، لكنه ربط هذا الطلب بآخر وهو ترك مهنتي لما تحمله من سمعة”.
وأضافت نسرين :”بعد تفكير طويل قررت انهاء هذه العلاقة لأنني أحسست بالإهانة، حيث كان موقفه من منطلق خوفه من نظرات أسرته عند علمهم بأنني أعمل كممرضة”.
وتابعت نسرين قصتها: “هذه ليست المرة الأولى التي أتعرض فيها لمثل هذه المواقف، فنظرة المجتمع لتلك الفئة مهينة للغاية بالرغم من أن مهتنا شاقة وتقدم الكثير من الخدمات للمجتمع، وتساءلت نسرين “لماذا تلاحقنا الاتهامات والانتهاكات دون رادع؟ ولماذا شوهت الدراما والسينما صورتنا وجعلتنا شخصيات شيطانية ينتهكها المجتمع بنظراته واتهاماته”.
من العوامل التي ساهمت في وصم الممرضات على مدار تاريخهن أيضًا، كانت “ظروف العمل والسهر خارج المنزل أو العودة إليه في ساعات متأخرة بالإضافة إلى النظرة الدونية والطبقية
الممرضة بين السينما والدراما المصرية والوصمة التاريخية
جسّدت الدراما والسينما المصرية الممرضة في عدة صور سلبية بأعمال فنية مختلفة، منها ما صورها على أنها سيدة سيئة السمعة، وأخرى أظهروها في صورة المرتشية السارقة، وغيرهم في صورة المرأة اللعوب، ليظهرن في نهاية الأمر الممرضات بصورة مغايرة للواقع وحقيقة شقائهن في مهنتهن.
وفي أمثلة على دور السينما في هذا الإطار، فقد جسدت الفنانة روبي في فيلمها “الحراي والعبيط” دور الممرضة، التي تتاجر في الأعضاء البشرية، حيث أظهرت الفنانة أحد الأدوار السلبية للممرضة التي تقوم بالمتاجرة في الأعضاء البشرية مقابل الأموال.
أما الفنانة غادة عبد الرازق فقد ظهرت في مسلسل “زهرة وأزواجها الخمسة” بشخصية الفتاة اللوعب التي تستغل جمالها لتيسير أعمالها في مهنتها كممرضة وتقوم بالسرقة والرشوة مقابل تقديم عملها للمرضى.
ويرى بعض المحللين أن وصم الممرضات في مصر له أسباب تاريخية منذ عهد محمد علي باشا. وكان الدكتور نجيب محفوظ رائد الطب في مصر أثبت في دراسته المهمة “تاريخ التعليم الطبي بمصر” أنه بعد فتح مدرسة الطب في عهد محمد علي باشا في أبى زعبل سنة 1827م تأكد من أهمية إلحاق جناح للولادة ومدرسة مولدات بالمستشفى، ولكنه “وجد صعوبة كبيرة في الحصول على طالبات لهذه المدرسة، حيث تغلبت الحكومة على هذه المشكلة بأن قامت بشراء عشر فتيات حبشيات وسودانيات من سوق العبيد وألحقتهن بالمدرسة، كما ضمت إليهن اثنين من الأغوات من القصر بالقلعة. وفي عام 1835م تم ضم عشر جواري أخريات تم شراؤهن، ليصل العدد إلى اثنين وعشرين طالبة، ثم زاد العدد بإلحاق عشر فتيات صغيرات يتيمات كن مريضات أرسلن للمستشفى للعلاج وبعد شفائهن لم يطلبهن أقاربهن فألحقتهن الحكومة بالمدرسة. وفي جناح الولادة الصغير الذي بُنى ملاصقًا لمستشفى أبو زعبل تم تعليم المجموعة السابقة من الطالبات مبادئ الولادة”.
ومن العوامل التي ساهمت في وصم الممرضات على مدار تاريخهن أيضًا، كانت “ظروف العمل والسهر خارج المنزل أو العودة إليه في ساعات متأخرة بالإضافة إلى النظرة الدونية والطبقية في ذات الوقت للكثير من الممرضات من قبل الأطباء” وذلك بحسب الناشطة النسوية إلهام عيداروس. وأشارت عيداروس أن المستشفيات أماكن تشهد العديد من حالات التحرش نظراً لنظرة الطبيب والمرضى الدونية للممرضة بالإضافة إلى عدم وجود قانون أو لائحة تعاقب المعتدين أو سياسات تحمي الممرضات من التحرش.