انتفاضة السودان.. هكذا يخاف النظام من صوت النساء
يبدو أن عنف وبطش السلطات السودانية لم تتمكن من إسكات الأصوات المعارضة للنظام ورأسه عمر البشير. أصوات تعلو منذ يوم 19 كانون الأول/ديسمبر 2018، وما زالت ترتفع وتنشر صداها، رغم الدموية التي قوبل بها المحتجون، منذ اندلاع الاحتجاجات في مدينة الفاشر غرب البلاد، لتتوسع سريعاً وتتحوّل إلى #مدن_السودان_تنتفض.
وكما في كل تحرّك مطلبي، كانت النساء من مختلف المجالات يشاركن في هذه التظاهرات. لا بل كنّ ينظّمنها ويعملن على تنسيقها، وقيادة الدعوة إلى التظاهر. هذا ما تؤكده الناشطة الحقوقية تهاني عباس في حديث لشريكة ولكن. “أنا أيضاً كغيري من الناشطات، شاركت في التحضير للتظاهرات، وتجهيز الأدوات واللافتات وسأستمر في المشاركة، وأواصل حتى يتحقق مطلبنا بإسقاط هذا النظام أو نموت دون تحقيقه”، تضيف عباس.
الخوف على النساء أكبر
كما للمرأة السودانية حصة كبيرة في تحريك هذه الاحتجاجات والمساهمة الفعالة فيها في الميدان، كذلك لهن حصة كبيرة من الانتهاكات التي تمارسها قوات الأمن في حقهن، أثناء التظاهر والاعتقال والحجز والإخفاء القسري.
لم يصادق على اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والقانون يمارس تمييزاً ممنهجاً ضد المرأة
حتى الآن، تمكنت المنظمات الحقوقية من توثيق اعتقال 60 مدافعة عن حقوقِ الإنسان. بعضهن أطلق سراحهن في ما يستمر مصير البقية مجهولاً داخل مراكز الاحتجاز السودانية، سيئة السمعة. من ضمن المعتقلات، رئيسة مبادرة “لا لقهر النساء” د. إحسان فقيري، ورئيسة اتحاد النساء السوداني عديلة الزيبق، و د. آمال جبرالله، والمحاميات حنان نور وهنادي فضل وسامية أرقاوي وأماني عثمان، والناشطات سمية إسحق وأماني إدريس، بالإضافة إلى عددٍ من الصحافيات. كما أفادت جمعيات الأطباء عن اعتقالات بين الأطباء، وعنف أمني ضد المختصين الطبيين والمرضى، وألقي القبض على الدكتورة هبة عمر إبراهيم، وهي جرّاحة وأم لخمسة أطفال، واحتجزت في مكان مجهول. وتعرضت المدافعة زينب بدرالدين محمد للتهديد عبر الهاتف من أحد رجال الأمن.
في ظل نظام إسلامٍ سياسي يرأسه دكتاتور، يسعى منذ صعوده إلى قهر المرأة، تتزايد المخاوف من اعتقال النساء. السودان لم يصادق على اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والقانون يمارس تمييزاً ممنهجاً ضد المرأة، والتشدد في التعاليم الإسلامية يحد من حريات النساء وتسمح بإساءة معاملتهن. “نحن نقلق على اعتقال النساء والشابات أكثر بسبب الانتهاكات التي يتعرضن لها داخل مراكز الاحتجاز. وقبل الاحتجاز، الاعتقالات أكثر عنفاً تجاه النساء. في مباني أجهزة الأمن، يسهل على القوات النظامية التحرش بالنساء، واغتصابهن، ومحاولة إرهابهن وتخويفهن، وكسر شوكتهن وتهديدهن بتشويه سمعتهن”، تقول تهاني عباس.
ما تغيّر في هذه الاحتجاجات هو تزايد عدد النساء والشابات اللواتي بتن يشاركن في الحياة السياسية في السودان أكثر، على الرغم من القيود الكثيرة
حرب مفتوحة على الناشطات
تعتمد قوات الأمن السودانية في ممارسة هذه الانتهاكات والتهديدات، على خوف المعتقلات من العار والوصمة المجتمعية، التي تمنع كثيرات من التحدث حتى عن أي تحرش أو اغتصاب قد يحصل لهن داخل مراكز الاحتجاز.
في حربه ضد معارضيه استخدم البشير كل الأسلحة لقتل الانتفاضة ضده بأي ثمن كان. فواجه المحتجون عنفاً دموياً، والرصاص الحي والمطاطي، والغاز المسيل للدموع. وحجبت السلطات خدمات الإنترنت، وتمّ إخضاع الصحف المحلية للرقابة، ومنع نشر وتداول أخبار الاحتجاجات، ومصادرة بعد الصحف، في محاولة لعزل البلاد، وتخفيف انتشار أخبار الحراك الذي يجول المدن.
ما تغيّر في هذه الاحتجاجات هو تزايد عدد النساء والشابات اللواتي بتن يشاركن في الحياة السياسية في السودان أكثر، على الرغم من القيود الكثيرة التي وضعت لتحدّ من حركتهن في الفضاء العام. ولعلّ الاستهداف العنيف والمنظّم للناشطات من قبل النظام، رغم الضرر الذي يلحقه بهن، يثبت حيوية وأهمية دورهن في قيادة الشارع، وليس فقط في التجرؤ على النزول إليه. تهاني عباس تؤكد أن “حملات الاعتقال ضد الناشطات تزداد بسبب خوف النظام من صوتنا، نحن النساء، وبسبب تجرته معنا، فهو يعرف جيداً أننا لا نخافه، ويعرف خبرة الناشطات في إدارة النضال والتظاهرات وقدرتهن على تحريك الشارع”.