النساء الممتلئات: الموضة تدعم والمجتمع يتنمّر
تغيّر مفهوم جسد المرأة كثيراً عبر العصور. فقد نظم العرب قديماً القصائد للمرأة الممتلئة، لاعتبارها نموذجاً للجمال، بينما رأوا في النحيفة الهزل والمرض. كما وتجلّى جمال الجسد الممتلئ في عصر النهضة في رسومات الفنان البلجيكي بيتر بول روبنس، إذ اشتهر برسم أجساد ممتلئة بدرجات بشرة مختلفة. واستمرت هذه النظرة حتى الستينات، حيث عمدت الحركة النسوية إلى الثورة باعتبار أنّ المرأة ليست كائناً للجنس.
تغيّرت معايير الجمال في الثمانينات،حيث صنعت جميع الوسائل الإعلاميّة صورة نموذجية للمرأة النحيلة وجعلت منها رمزاً للجمال والمثالية، واستثنت النساء الأخريات. واستمر ذلك حتى السنوات الماضية القليلة، حيث دعت نقابة الموضة الأميركية المصممين ودور الأزياء إلى الاستعانة بمزيد من النساء بقياسات مختلفة.كما وظهرت العديد من عارضات الأزياء الممتلئات، كانت أهمهن آشلي جراهام، التي أصبحت في عام 2016 أول عارضة ممتلئة تحتل غلاف مجلة “فوج” مساهمة في كسر الحواجز في هذا المجال.
“لوين بعدك رايحة بالعرض”، و”مش خايفة ع صحتك”. أو نصائح باللجوء لعمليات قص المعدة أو ربط الأسنان للتوقف عن تناول الطعام
ماذا نتج عن تغيّر مفهوم جمال الجسد؟
ساعد التغيّر في مفهوم جمال المرأة هذا، على خلق تصالح بين النساء وأجسادهن، وكسر الصورة النمطية للجسد المثالي. كما ورافق ذلك المزيد من التنوع في القياسات بصفوف المصممين العالميين والعرب. إذ كان لافتاً حضور عارضات بقياسات مختلفة في عروض أزياء المصممين اللبنانيين إيلي صعب وزهير مراد في أسبوع الموضة الأخير في باريس. كما وظهرت مبادرات شابة، كالمصممة المصرية ماكرينا مجلي، التي تفردت بتصميم ملابس خاصة بالنساء الممتلئات، تحت شعار: “من حق ممتلئات القوام اتباع الموضة”.
رغم معارضة بعض الناشطات النسويات لهذه المتغيرات، باعتبارها استغلالاً لجسد المرأة، وترويجاً له لتحقيق مكاسب تجارية. إلا انها ساهمت بلا شك بكسر الصورة النمطية لدى البعض، كما ورفض النساء للتمييز الذي يتعرضن له بناءً على شكلهن الخارجي.
كيف ينظر المجتمع إلى الممتلئات؟
قابلت “شريكة ولكن” دانا، شابة ثلاثينية، تعاني من التنمر في محيطها بسبب جسدها الممتلئ. تقول دانا إنها اعتادت تعليقات أهلها والأقارب على جسدها، منها “لوين بعدك رايحة بالعرض”، و”مش خايفة ع صحتك”. أو نصائح باللجوء لعمليات قص المعدة أو ربط الأسنان للتوقف عن تناول الطعام. ولكن أكثر ما يزعجها هو ربط شكلها الخارجي بالزواج، خاصة أنها تجاوزت الثلاثين ولم تتزوج، فهي “عانس” حكماً، وفق معايير محيطها.
تسترجع دانا قصصاً مع الجنس الآخر، وتصف أغلبها بالبائس. إذ إن أغلب الرجال يجدون فيها “الفتاة السمينة وخفيفة الدم”، في ربط نمطيّ واضح. أو المرأة النشيطة جنسياً، باعتبار أن الدهون المتركزة في الجسد تتحوّل أثناء العلاقة الجنسية إلى هورموني الأندروجين والأستروجين اللذين يحتويان على هورمون التيستوستيرون،والذي يزيد بدوره من الرغبة الجنسية. ثم تختم: “متصالحة مع جسدي، لكني أحتاج حرية التعبير عنه”.
أن استغلال جسد المرأة تجارياً، والذي لم يكن كافٍ لإحداث تغييرات واقعية ترسم ملامح جمالية جديدة للمرأة في البيئة المحيطة. إذ إنها مازالت تواجه التنمر ذاته بسبب شكلها الخارجي
إذاً، فالمرأة الممتلئة لم تعد متفرجاً سلبياً. بل باتت مشاركة فاعلة في تحديد خطوط الموضة ومعايير الجمال، كونها تشكل شريحة كبيرة من المجتمع. إلا أن المعضلة تكمن في أن استغلال جسد المرأة تجارياً، والذي لم يكن كافٍ لإحداث تغييرات واقعية ترسم ملامح جمالية جديدة للمرأة في البيئة المحيطة. إذ إنها مازالت تواجه التنمر ذاته بسبب شكلها الخارجي.