إليكم\ن ما حصل قضائيًا في قضيّة “بنات أبو رجال”
أخذت قضية “بنات أبو رجال”، صدىً كبيرًا، من اللحظة الأولى التي جرى الكشف عنها في تحقيق استقصائي استغرق إعداده شهورًا طويلة. لكنّ هذا الصدى، لم يذهب سُدى، وإنما ترافق مع تحركٍ أمنيٍ وقضائيٍ واسعين، حقق الهدف المنشود منه، في حماية الضحايا ومعاقبة المجرمين.
من اليوم الأول لنشر التحقيق، “إعصار” كبير ضرب عائلة “بنات أبو رجال”، اللواتي تعرضن للتهديد والتعنيف الجسدي والمعنوي من والدهن وعائلتهن الممتددة، كنوع من التأنيب لقبولهن الكشف لنا عمّا حدث في حياتهن مع والدهن. وهذه التهديدات، طالتني أيضًا، من الوالد شخصيًا، الذي سعى للضغط من أجل حذف أو سحب التحقيق، وإلّا “سأخرب الدنيا فوق رؤوسكم”، كما قال، فيما استمر بالتنكر لكلّ التهم الموجهة ضدّه، من تحرشٍ واعتداءِ جنسي واتجار بأجساد بناته.
وبعد تحسس الخطر المباشر على “بنات أبو رجال” سارة، مريم وريم، لا سيما أنّ الأخيرة لا تزال قاصرة تعيش وحدها مع والدها، وقد تضاعف الخطر عليها مع هذه التهديدات، وكذلك تحسس الخطر على والدتهن التي تلقت تهديدات مباشرة بالقتل من شقيقها (!) الذي كان يدافع عن طليقها، باعتباره “حرّ التصرف ببناته” (!)، تواصلنا مباشرةً مع وزيرة الداخلية ريا الحفار الحسن، التي كان تجاوبها سريعًا، وأوعزت بتوصيةٍ منها إلى القوى الأمنية في طرابلس لمتابعة القضيّة.
سرعة الحسن في التجاوب، كان ملفتًا ومحطّ تقدير كبير، في بلد لم يعتد مواطنوه على استجابة المسؤولين في السلطة بشكل سريع لاتخاذ اجراءات طارئة أو تأمين حماية أمنية عندما تقتضي الحاجة. على الفور، تولى فريق في الوزارة متابعة الملف، مع شعبة المعلومات في طرابلس، التي استمعت في البدء لإفادتي من أجل الحصول على المعلومات والأدلة والوثائق المتوفرة التي ساهمت في إنجاز التحقيق الاستقصائي.
وبعد أن أصبح الملف جاهزًا لدى شعبة المعلومات، التي قامت بتقديمها إلى النيابة العامة، حصلت في اليوم التالي على إشارة من القضاء، من أجل إرسال قوّة أمنية إلى بيت “أبو رجال” بهدف إلقاء القبض عليه.
نجحت القوّى الأمنيّة بالعثور على “أبو رجال”، وألقت القبض عليه، مع ابنته ريم، التي كانت وحدها معه، بهدف الاستماع إلى شهادتها، ثم ألقوا القبض على الوالدة وشقيقها أيضًا. التحقيق مع ريم، استغرق ساعات طويلة، وكان بحضور مندوبة أحداث، بعد أن تولت محكمة الأحداث متابعة قضيتها. اعترفت ريم بتفاصيل صادمة كثيرة، بعد أن حاولت التنكر لاعترافاتها في التحقيق الاستقصائي نتيجة حالة الرعب والترهيب التي تعيشها من بيئتها المحيطة. وهذه الاعترافات، ساقت إلى إحالتها لطبيب شرعي في المستشفى من أجل الكشف عن وضعها الصحي، وتبيّن أنّها تتعرض للاعتداءات الجنسية منذ كانت تبلغ نحو 10 سنوات. وعلى إثر ذلك، أصدرت محكمة الأحداث قرارًا فوريًا بنقلها إلى مكانٍ آمن، لدى إحدى المؤسسات التي تتولى تأمين الرعاية الكاملة لها صحيًا ونفسيًا وتعليميًا، وفصلها عن محيطها وعائلتها الصغيرة والممتدة بشكل كامل، لعدم توفر الأمان والحماية اللازمين فيهما.
في هذا الوقت، كانت التحقيقات سالكةً مع الوالد السبيعيني، الذي أصرّ على تنكّره للتهم الموجهة ضدّه، رافضًا الاعتراف أنّه كان يتحرش ويعتدي جنسيًا على بناته، وأنّه كان يتاجر بأجسادهن مع كثيرٍ من الشباب والرجال. إلّا أنّ تقصّي شعبة المعلومات للحقائق في المنطقة التي يسكن فيها الوالد، واعترافات الأمّ، رغم الاتهامات القضائية الموجهة ضدّها لعدم تأمين الحماية لبناتها، واعترافات ابنته سارة شقيقة ريم الكبيرة، قطعت الشكّ باليقين بتورط الوالد، الذي تزامن مع التأكد الطبي من وضع ريم السيء صحيًا نتيجة تعرضها للاعتداءات الجنسية.
الوالدة الستينية التي تعاني ورمًا سرطانيًا في الرأس، جرى إخلاء سبيلها مع شقيقها بسند إقامة. لكنّ اعترافات “خطيرة” لريم، كانت سببًا للقبض على شابيّن آخرين. الأول، بتهمة “فضّ بكارة قاصر”، والثاني بتهمة “مجامعة قاصر” هو قريب لها من العائلة، وقد تكون هذه الاعترافات سببًا للقبض على متورطين آخرين مع الوالد، بالاعتداء على بناته. و”أبو رجال” الذي يقبع في السجن، جرت إحالته إلى النيابة العامة، وهو يترقب مصيره بانتظار جلسات محاكمته على تهمٍ سافرة وجرائم موصوفة.
إذن، تحقق الهدف في تأمين حماية الفتاة القاصرة بنقلها إلى مكانٍ آمنٍ بعيدًا وإنقاذها من مصيرٍ موحشٍ وظالمٍ ومظلم. أمّا “أبو رجال” الذي كان يظنّ أنّه سيلقى مثواه الأخير “نافدًا بريشه” من محاسبته على جرائمه الشنيعة بحقّ بناته أمام قوس العدالة، أخطأ الظنّ بعد أن وقع بمصيدة “عين الصحافة” التي تتقصى البحث عن الحقيقة كاملة، وبفضل التحرك الأمني السريع الذي بادرت إلى إطلاقه وزيرة الداخلية ريا الحسن مشكورةً.
فأن تأتي العدالة والعقاب متأخريّن، خيرٌ من أن لا يأتيا أبدًا.