نوالي، ألا تأخذي بصر عينيّ؟
لا أدّعي أنني من المتقنات لنسج النصوص الوجدانية، ولا من القادرات على إيفاء أعظم النساء بنظري حقّها بسطور. ولكن، في القلب وجع أبى إلًا أن يكتب لك وعنك لمناسبة حلول يوم المرأة العالمي. هذا اليوم الذي أعتبرك نوال السعداوي عرّابته وقدّيسته وإلهته.
يحلّ يوم النساء هذا العام مظلمًا، أعرف أن هذا الوصف لا يروق لك أنت التي ناضلت لتكريس كل يوم يومًا للمرأة ولفرض وجود النساء وحقوقهن في كل مفاصل الحياة. كيف لا يكون مظلمًا في حين أن من زرعت النور في كياني ووجداني كما في حياة آلاف النساء غيري، باتت فاقدة للبصر الذي خطّت من خلاله شعاعات من ثورة وحرية وكرامة على مرّ السنوات؟
أذكر يا نوالي، المرة الأولى التي وقعت فيها يديّ على كتاب “المرأة والجنس”، كنت في وقتها مراهقة قولبها المجتمع الذكوري على قبول “القواعد والأعراف والأدوار”، مراهقة جلّ أحلامها أن تنه دراستها لتصبح معلّمة وتجد فارس الأحلام، مراهقة سقف طموحها السير في المنظومة السائدة دون أدنى مساءلة، مراهقة تعبت المذاكرة وأتقنت طيّ صفحات القصص التي كانت تجبر على مطالعتها في المدرسة أو الجامعة دون أن تترك في داخلها أيّ أثر… أذكر جيدًا خوفي وصدمتي عند قراءة الصفحات الأولى من “المرأة والجنس”، أذكر كيف سهرت الليل نهمة لإكماله من الغلاف إلى الغلاف، أذكر الكوابيس التي رافقتني لأيام عند تذكّر كلماتك والتي تحوّلت فيما بعد إلى محفّزات وأحلام فائقة الروعة. أذكر جيدًا كيف ساهم كتابك، الذي عدت وراجعت حروفه عشرات المرّات، ووصفك للفروقات التي كرّسها المجتمع بين النساء والرجال وللتناقض الكبير الذي تعاني منه الفتاة وحدها- ففي الوقت الذي تُحذر فيه من الرجال وتخاف من الجنس تُشجّع على أن تكون أداة للجنس فقط، وتتعلّم كيف تكون جسداً فقط، وأن تجعل هذا الجسد جميلاً من أجل الرجل لا غير- في تحريك طوفان من الأسئلة في مخيلتي حول التربية والمدرسة والمجتمع والإعلام ونظرتي لنفسي وجسدي… أذكر كيف تحوّلت هذه الأسئلة في وقت قصير وبعد التعمّق في كتاباتك ومقابلاتك الإعلامية ومقالاتك إلى ثورة وطموح وشغف، وكيف تحوّلت مقولتك في ذاك الكتاب “إن أعزّ ما تملكه ابنته هو أعزّ ما يملكه أي إنسان، وهو إرادته الحرة وصدقه مع نفسه ومشاركته في صنع حياة أفضل له وللمجتمع” إلى محرّك وموجّه لي في كل خطوة قمت بها في حياتي ونضالي اليومي لإثبات ملكيتي وكافة النساء للحرية والحقوق الكرامة.
أذكر يا نوالي سنوات الإنتظار للقاءك، ومحاولات البحث الدائم عن أي شخص أو وسيلة تصلني بك، أذكر لقاءنا الأول يوم تقدّمت نحوك كطفلة وجدت أمها بعد بحث مضني ولم تقوى على الكلام من فرط المشاعر فأجهشت عوضًا عن ذلك بالبكاء. أذكر كيف حنوت عليّ وغمرتني بصدق وحبّ. أذكر لقاءنا الثاني يوم حقّقت حلمي بإدارة نقاش معك والجلوس إلى جانبك على طاولة واحدة. أذكر ونحن في طريقنا إلى الأوتيل عندما قلت لك “أنا بقلّك نوالي” فضحكت عميقًا وأجبت “إنتي عسل وأنا هقلّك حياتي”…
نوالي، ملهمتي ومعلّمتي وموقدة نور النسوية والحرية والتمرّد في عيناي وحياتي، ألا تأخذي بصر عينيّ وتخطّي به وببصيرتك المزيد من الحبّ والإبداع والفكر والثورة؟ نوالي، لا زلت متعطّشة لتعلّم المزيد، لا زال في العالم الكثير من الفتيات اللواتي يحتجن قلمك وإلهامك لتكسير قيود الأبوية وتحطيم أقفاص العنف والتمييز، لا زال في العالم الكثير من المضطهدين والمستضعفين، لا زال في العالم الكثير من الشرّ والتعصّب والعنصرية، لا زال هناك الكثير من الأسباب المعمّقة للظلام والتي تحتاج بصرك الباعث لوهج الحق والإنسانية.