كتاب “هنّ”: قصص نساء عربيات مهمشات
أن تجتمع قصص نساء عربيات مختلفات ومن جنسيات مختلفة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في كتابٍ واحد، ليس مهمةً سهلةً على الإطلاق. فكيف إذا كانت هذه القصص على هيئة رسومات وجمل مختصرة، قويّة ومعبّرة تفي بالغرض والمعنى؟
كان يوم المرأة العالمي، الواقع في الثامن من آذار، حافلًا ومزدحمًا بالنشاطات والتحركات التي أعادت إحياء الأمل، بصحوة الناس، نساءً ورجالًا، على حقوق المرأة، التي لم تعد تفصليًا عاديًا، وإنّما قضيّة راسخةً ومتقدمةً حول العالم بأسره.
واحدٌ من هذه النشاطات، التي لمعتْ بتميّزها وعُمق رسالتها، كان بالكتاب الجديد لـ “مجلة السمندل” وورشة المعارف، الذي أطلق تحت عنوان “هُنّ”، إلى جانب معرض للقصص المصوّرة التي يتضمّنها المؤلّف، والذي أقيم في “تعاونيّة الضّمّة”، في منطقة الأشرفية في بيروت.
عند الدخول إلى “الضمّة”، يستشعر الحاضرون مساءً دفء المكان، الذي تكثّف بنقاشٍ وسردٍ قصصي، حول حكايا “هُنّ”. شباتٌ وشبانٌ حضروا، بحماسةٍ وشغفٍ لافتين، لأجل قراءة وسماع تلك القصص، بدت كنوعٍ من المحاولة إلى تقليص المسافة وردم الفجوة مع النساء المهمشات في نضالهن اليومي، دعمًا لمعانتهن وتجاربهن وسردياتهم، لو مهما ظهرت بسيطة للبعض، إلّا أنها تسحتق تحيةً وتقديرًا كاملين.
هذا الكتاب الذي جاء عربون محبّة للمرأة في عيدها، خصصته مجلة الكوميكس اللبنانية، ودعت مجموعة من الكاتبات للمشاركة بورشة عمل تحت إشراف ثلاث فنانات هن: نور حيفاوي وكارن كيروز وترايسي شهوان. وفي “هُنّ”، نقرأ قصصًا مصوّرة عن نساء عربيات واجهن مجتمعاتهن من أجل التغيير، كتبتها كل من ليا جريج، ونور نحاس، وهدى بركات، وآنا أوباكس، وجيرالدين كورمان، ونيفين ك، وجايد برنارد، وثارا كابتان، وروزي نشأت، وكريستين عياد، وكارلا عوّاد. وقد تلا هذا النشاط، عشاءً من “مطبخ مريم”، دعمًا لهذه السيدة المناضلة والمكافحة، التي تطبخ من أجل تأمين قوتها والعيش بكرامة.
القصص التي جاءت في كتابين متطابقين، باللغتين العربية والإنكليزية، رسمتها لينا مرهج، من مؤسسي “مجلة السمندل”، وهي جمعية قصص مصورة نشأت في العام 2007، مع مجموعة أخرى. ولينا السيدة الأربعينية التي تعيش في منطقة مارسيل في فرنسا بعد أن غادرت لبنان منذ عام، أنجزت حاليًا عددًا من القصص المصورة للصغار أيضًا. أمّا “تعاونية ضمّة”، فهي مساحة انطلقت منذ نحو 4 سنوات، تهدف إلى العمل على خلق طريقة تنظيم جديدة، خارج إطار الجهات الممولة، إن إنّ تمويلها ذاتيّ، من الأشياء التي تنجزها على شكل تعاون اقتصادي وتضامن اجتماعي ونشاط سياسي.
التواطؤ الجميل
في إطار النقاش السردي للقصص، عبّرت مستشارة الجندر والمناصرة من منظمة أوكسفام فرح قبيسي، كيف شعرت بمسؤولية شديدة تجاه قصص النساء في “هُنّ”. فـ “هذه ليست قصصًا شخصية، لأننا من وقت مبكر، نفهم أننا كنساء نتشارك في قصصنا مهما كانت مختلفة”. وهذه القصص، وإن لم تكن عامة، لكنّها سياسية بامتياز. “سياسية لأن أكثر شيء شخصي فيها يصاغ ضمن منظومة هي شديدة الكرم بعدائها للنساء”، تقول قبيسي: “لذا، سنبقى نحكي قصصنا وحكاوينا الشخصية، مثل ركوب الدراجة أو تسلق جبل أو تمتعنا بأجسادنا أو العمل بقطاعات كنّا مقصيات عنها، إلى أن نصل ليومٍ لا تبقى فيه هذه القصص مناسبة للاحتفال”، وإنما تصبح جزء من “العام”. ومن هنا إلى ذلك الحين، “لن نتوقف عن تواطئنا اللذيذ، حتّى نقلق سياستهم العامة وحياؤهم العام”.
في الواقع، يُعدُّ كتاب “هنّ”، كتواطؤ من هذا النوع. فهو محاولة للاحتفال بنضالات النساء، عن طريق قصص الفتيات، علياء وماهينور وحبيبة ومارينا وسامية وصفاء وسميرة ومي، اللواتي قدّمت لينا مرهج الكتاب عنهن بالقول: “من المدهش دائمًا اكتشاف قوّة ومثابرة النساء من حولي وإرادتهن العظيمة! عندما أشعر بالتعب أو القلق أو الاكتئاب، عندما أكون حزينة أو غاضبة أو محقونة، عندما أشعر بحاجةٍ للدعم، عندما أضيع وأبحث عن النور، أفكّر بهنّ”.
كتاب “هُنّ” بدأ بمشروع إلكتروني من منظمة أوكسفام، في العام 2017، تحت اسم “منارات”، بهدف الاحتفال بإنجازات النساء في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، وجرى اختيار الأسماء المرشحة، لتنوعهن بعدد من المجالات المختلفة ومن بلاد مختلفة أيضًا.
من جهته، يشير محمد الشبلاق في حديث مع موقع “شريكة ولكن”، وهو موظف سابق في منظمة أوكسفام من مؤسسي هذا المشروع، أنّ الفكرة بدأت بدافع توثيق حياة نساء وسيدات من المنطق، يعتبرن رائدات في حياتهن اليومية، لكسر الصورة النمطية التي تحصر ريادة النساء في المجالات الاقتصادية والانجازات الشهيرة في الشأن العام. فـ “الهدف أن نقول أن هناك ريادة من نوع آخر، وأنّ النساء اللواتي يكسرن الأفكار النمطيّة بأفعالهن في مجتمعاتهم الصغيرة، هنّ رائدات أيضًا، من خلال تجسيد نضالاتهن بصورٍ بسيطة”. وما فعلته أوكسفام، هو “نداء إلكتروني”، لترشيح النساء الرياديات في مجتمعاتهن، إذ وصل عدد الترشيحات لـ 400 مرشحة من الدولة العربية، وتمّ اختيارهن وفقًا لمعيار التنوع في الجنسيات والتجارب والأعمار
أمّا الهاجس الكبيير، فـ “كان في تجسيد نضال السيدات، مهما كان بسيطًا من خلال الصور، لكنه عظيم بالنسبة لهن”. لذا، لا تفوتوا قراءة “هنّ”، لحكايا نضال نسائي شجاعٍ وجريء، الأكثر تحفزيًا وتشويقًا.