معاناة أمّ مع العنف وأطفالها المكتومي القيد

ولد كريم في العام 2012، ومحمد في العام 2014، إلا أنه لا هوية أو أوراق شخصية رسمية تثبت وجودهما، لا يتمتعان بحقوقهما المدنية ولا الاجتماعية ولا حتى الانسانية! لماذا لم يتم تسجيلهما؟ وما هو المستقبل الذي ينتظرهما؟ إليكم\ن القصة كاملةً…

تعرفت زينب على مصطفى في العام 2011 وكانت في سن الثامنة عشر من عمرها، بعد فترة جاء إلى عائلتها وطلب يدها ثم كتب الثنائي كتابهما عند أحد مشايخ الضيعة التي تقيم فيها، إلا أن الخطوة الثانية لم تتم وهي تسجيل الزواج في المحكمة.

زواج وانجاب وأولاد مكتومي القيد…

في العام 2012 حملت زينب وأنجبت كريم طفلها الأول، وحصلت من المستشفى على وثيقة ولادة أعطتها لزوجها الذي كان من المفترض أن يسجل ابنه في دائرة النفوس، لكن هذه الخطوة أيضاً لم تحصل.

تقول زينب: “بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات كنت قد أنجبت فيها ابني الثاني محمد، علمت أنه كان يتوجب عليّ أن أسجل ولديّ، وذلك بعدما بات كريم في سن عليه أن يلتحق فيه بالمدرسة”.

تتابع: “استطعنا أن نستحصل على ورقة من وزارة التربية تنوب عن الهوية. لكن ذلك بعد أن طلبوا مني في المدرسة إخراج القيد الفردي والعائلي لكريم فذهبت إلى المدير وأخبرته بأن ابني لا يملك أوراقاً ثبوتية، فاقترح عليّ أن أحصل على ورقة من وزارة التربية تحل مكان الهوية وهكذا التحق كريم بالمدرسة وتبعه محمد وبالطريقة نفسها”. وتضيف زينب: “في بداية العام الدراسي الحالي عانيت كثيراً، إذ لم يسمحوا لي بتسجيل كريم لأنه أصبح في الصف الأول الأساسي، ولكن بعد محاولات عدة وافقوا على متابعة دراسته”.

تأخر مصطفى بتسجيل زينب في المحكمة، وأقدم على تلك الخطوة بعد مرور خمس سنوات على زواجهما وإنجابها طفلين.

وخلال تسجيل زواجها في المحكمة، سألت زينب عن كيفية تسجيل ولديها، ثم ادّعت على زوجها في دعوى اثبات نسب كما أشارت إليها المحكمة وبوجوده لكي تستطيع تسجيلهما.

كانت تعلم زينب أن مصطفى يخونها وتربطه علاقة بامرأة أخرى، وعندما واجهته أنكر واتهمها بأنها تعاني من اضطرابات نفسية وبأنها تشك به، تقول: “فتغاضيت عن الموضوع”.

كما انها تركت بيته في الشمال بسبب وضع المنزل السيء وعادت مع ولديها إلى منزل عائلتها التي تقيم في الجنوب. وتتابع: “بعد أن عدت إلى أهلي درّست أولاداً في المنزل وعملت لكي أسدد ديونه من أبناء الضيعة التي أعيش فيها وحتى الضيع المجاورة. وكنت أنوي أنه ما ان تنتهي السنة الدراسية أعود إليه لأبقى معه في الشمال. لكن قبل انتهاء السنة الدراسية بأسبوع اتصلت بي امرأة وأخبرتني انها على علاقة بزوجي وبأنهما يحبان بعضهما البعض منذ أكثر من سنتين، فطلبت الطلاق. وكان مصطفى قد أوكل والدي بأن يطلقني في وقت سابق وهذه الوكالة كانت مطلقة، وبالفعل طلقني والدي منه”.

وعن علاقة مصطفى بولديه، تقول زينب: “كريم ومحمد يعيشان معي في منزل عائلتي في الجنوب، كان يأخذهما ليبقيا عنده عدة أيام، لكن في كل مرة كانا يعودان إلي أجد آثار ضرب على أجسامهما، والآن كريم يعاني من التبول اللاإرادي ليلاً، وذلك بعد الضرب الذي تعرض له من والده”.

والد كريم يرفض دفع نفقات علاجه

المشكلة التي يعاني منها كريم ومحمد لا تقتصر على الدراسة، بل الموضوع يطاول الصحة أيضاً، وتشير زينب إلى أنه منذ مدة ليست ببعيدة، تعب ابنها كريم صحياً وتبين أنه بحاجة إلى دخول مستشفى، تواصلت مع والده لكي يأخذه إلى الطبيب، فرفض أن يساعد ابنه ولو من الناحية المادية متحججاً بعدم امتلاكه للمال، حتى أنها أرسلت له صورة تثبت أن وضعه الصحي بالويل لكنه كرر بأنه لا يملك المال وبأن على أخوتها تحمّل المسؤولية بما أنها تركت منزله.

تواصل شقيق زينب بأحد الأشخاص الذين بدورهم تواصلوا مع المستشفى في النبطية وسمحوا لها بإدخاله، إلا ان وضع الطفل ساء ما تطلب إدخاله إلى العناية المركزة وهو ما تفتقد له المستشفى التي استقبلته، وكان لا بد من نقله إلى مستشفى آخر لمتابعة صحته. وتقول: “تواصلنا مع وزير الصحة وأطلعناه على وضع كريم، فطلب منا نقله إلى مستشفى صيدا الحكومي، وبدوره سيتواصل معهم. وبالفعل ذهبنا إلى المستشفى، إلا أنهم لم يكونوا على علم بعد بأنني تواصلت مع الوزير، فطلبوا مني هوية كريم، فأخبرتهم أن أوراقه الثبوتية لم تنجز بعد، وبأنها مع والده… ثم طلبوا مني 500 دولار للسماح لي بإدخاله، لكن لم يكن لدي المبلغ، أطلعتهم بأنني تواصلت مع الوزير وهو الذي طلب مني أن أدخله إلى مستشفى صيدا، ثم تأكدوا من الموضوع واستطعت أن أدخله”.

“كان كريم يعاني من التهاب بالرئة، وبقي في العناية المركزة لسبعة عشر يوماً”، وتتابع: “كنت في المستشفى فجاء والده ليراه، وبعد أن رأى صديق شقيقي يوصل لي أغراضاً أرسلتها لي أمي، رفع صوته عليّ واتهمني بالخيانة، بدوري لم أقبل الاهانة ورفعت صوتي عليه فقام بضربي في المستشفى”. وتشير: “بعد خروج كريم من المستشفى كان بحاجة إلى صور أشعة لمتابعة حالته الصحية، إلا أن والده كان يدّعي على الدوام أنه لا يملك المال. وبسبب أدوية الالتهابات تضررت أسنان كريم وكان يشعر بالألم إلا أن والده لم يبادر لمساعدته أو أخذه إلى الطبيب”. ويبدو أن مصطفى غير مستعد لأن ينفق على أولاده حتى في مرضهم.

وتختم بالقول: “أواجه صعوبات حالياً معهما في المدرسة، ومستقبلاً لا يستطيعان أن يكملا دراساتهما وإذ أصيب أحدهما بوعكة صحية لا أستطيع أن أعالجهما، أولادي غير موجودين، وهم بحاجة لأن أسجلهم وبالتالي هناك غرامات مالية لم تسمح لي بأن أسجلهما”.

 

رئيسة المنظمة اللبنانية للدفاع عن المساواة والحقوق

الدكتورة خلود الخطيب: هذه هي الاجراءات القانونية لتسجيل ولدي زينب

بعد الاطلاع على قضية زينب، تشرح رئيسة المنظمة اللبنانية للدفاع عن المساواة والحقوق الدكتورة خلود الخطيب ما هي المشاكل التي يمكن أن تؤثر على مكتومي القيد، وتقول: “المشكلة لم تعد مشكلة قانونية فحسب بل أيضاً اجتماعية، إذ يُحرم المكتوم من القيد من حقوقه المادية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالحق بالعمل مرتبط بالهوية اللبنانية، حقهم بالانتخاب والتملك والطبابة والضمان الاجتماعي، وبالتالي نرى أثار كتمان القيد على حقوقهم الشخصية والأساسية ولذلك نقول انها مشكلة اجتماعية بامتياز ومشكلة انسانية وشخصية”.

وتضيف الخطيب: “ان مشكلة زينب الأساسية ان زوجها لم يعمد إلى تسجيل الأولاد ضمن المهلة القانونية وهي سنة، بعد مرور السنة ولم يتم تسجيل الأولاد أمام مأمور النفوس أو قاضي الأحوال الشخصية، فهي بحاجة إلى التقدم بدعوى قضائية أمام قاضي الأحوال الشخصية تتقدم فيها بطلب لإثبات النسب وتسجيل الأولاد لكي لا يكونوا مكتومي القيد. وهذا يتطلب مستندات أهمها: “وثيقة الولادة من الطبيب الذي أشرف على عملية الولادة أو قابلة قانونية، هي بحاجة إلى اثبات عقد الزواج الصحيح الذي تم بين زينب وزوجها حتى لو تم التأخير بتسجيل الزواج لأن قرار المحكمة الشرعية يثبت ان الزواج حصل شرعاً وأصولاً لو لم يكن مسجلاً ضمن المهلة القانونية”.

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد