المرصد الوطني للمرأة في الأبحاث: لتمكين الباحثات وإفادة المجتمع من انتاجهن المعرفي
خلال إطلاق المجلس الوطني للبحوث العلمية بتمويل من اليونيسكو ل”المرصد الوطني للمرأة في الأبحاث” (دوركُن) في بيروت، عرضت مديرة البرنامج الوطني لمنح الدكتوراه في المجلس ومنسقة المرصد الدكتورة تمارا الزين دراسة أنجزتها. وأظهرت الدراسة حجم مشاركة المرأة في الأبحاث، وتفاوت الأرقام والنسب بحسب المرحلة العلمية والتراتب الوظيفي. وفي ظل غياب البيانات الرسمية التي تحدد نسبة مشاركة المرأة في الأبحاث لجأت الزين إلى أرقام المجلس الوطني للبحوث كونه يغطي قسماً كبيراً من منح الدكتوراه. فتبين أن 72% من منح الدكتوراه هي من نصيب فتيات، بينما 32% فقط من المشاريع الممولة هي لنساء باحثات، فيما بلغت نسبة الجوائز الي منحت لسيدات باحثات نسبة % 26 فقط، وتبين أيضاً أن نسبة ترشح النساء لهذه الجوائز بلغت 27% فقط، وبالتالي فإن معظم النساء اللواتي ترشحن نلن جوائز.
هذه الأرقام حاولت الزين الاستناد عليها لترجمة الواقع الذي تعيشه الباحثات بشكل حسي يعلق في ذهن المتلقي ويدعم فكرتها التي انطلقت منها إضافة إلى تجربتها الشخصية. فهي اضطرت للتوقف عن البحث فترة خمس سنوات أنجبت خلالها ثلاثة أطفال، وإذ سمح لها القانون الفرنسي بإجازة أمومة لمدة ستة أشهر عند الولادة قابلة للتجديد حتى ثلاث سنوات، غير أنه ولدى عودتها إلى لبنان اعتبر غيابها مدة خمس سنوات ضعفاً في مسيرتها المهنية، فهنا لا يلتفت المعنيون إلى وضع المرأة والمسؤوليات التي يفرضها المجتمع عليها.
بعد شرح الأرقام اوضحت الباحثة مهام المرصد الوطني للمرأة في الأبحاث، والذي يهدف إلى تمكين المرأة في مجال الأبحاث وتعزيز مشاركتها من أجل الاستفادة من طاقات الباحثات التي تهدر. وبذلك تساهم المعرفة التي ينتجنها في تطور المجتمع. كما سيعمل المرصد على تقييم واقع المرأة في الأبحاث وتحديد العوائق التي تواجهها والعمل على ورش تدريب ومنح للباحثات وتسليط الضوء على إنجازاتهن.
تلا عرض الأرقام طاولة مستديرة لمناقشة الاشكاليات التي طرحتها الأرقام، لمحاولة فهم السبب الكامن وراء هذا التفاوت في النسب بين عدد الطالبات الباحثات وبين نسبة المشاريع الممولة والجوائز الممنوحة لهؤلاء، وكذلك انخفاض نسبة توليهن للمناصب الإدارية. فرفضت رلى مجدلاني مديرة سياسات التنمية المستدامة في الاسكوا التعليق على الأرقام مضيفة أن الأكيد هو أن وضع المرأة العربية أسوأ من وضع المرأة في بقية المناطق. لكن مجدلاني لفتت إلى ارتفاع نسبة مشاركة الشابات في البحث العلمي مشيرة إلى الاختلاف في نسب المشاركة بحسب مجال العمل. أما عميدة كلية التربية في الجامعة اللبنانية الدكتورة تيريز الهاشم فقد اعتبرت أن وضع المراة ووضع القطاع العام يحددان ما إذا كانت الدولة متخلفة أم لا. ورأت الهاشم أن توزيع الثروة التربوية يعيد العدالة ويحقق الإنصاف. لكنها لفتت إلى أن منح المرأة الفرص لا يعني منحها الإمكانيات، مشيرة إلى دراسة قامت بها منذ حوالي ثلاثين عاماً، وتعتقد أنها ما زالت صالحة لليوم، أجرتها على نساء ورجال درسوا نفس التخصص، وأظهرت أن مداخيل الرجال الذين لم ينالوا شهادة في التخصص كانت أعلى من مداخيل النساء اللواتي نجحن ونلن شهادة. ما يعني الإمكانيات المتاحة أمام الرجال حتى لو لم يحصلوا على شهادة أعلى من تلك المتاحة للنساء اللواتي حصلن على الشهادة.
عن أسباب انخفاض نسبة المشاريع الممولة المقدمة من قبل نساء قالت الأمينة العامة للجنة الوطنية لليونيسكو الدكتورة تالا الزين إن تنشئة الفتاة في منزلها تلعب دوراً في المسألة، إذ يتم إقناعها الفتاة بأنها أقل كفاءة من الذكر في مجالات عدة في وهو ما ثبت عدم صحته. وتلعب هذه التنشئة دوراً في تراجع ثقة الفتاة بنفسها وبالتالي خجل الباحثات من الترشح لنيل الجوائز والمناصب.
وعلى الرغم من شرح العديد من الباحثات للمصاعب التي تواجهنها إلا أن بعض الباحثين لم يستوعب حجم معاناتهن والتحديات التي تواجهنها كنساء. فعبر عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة الإسلامية الدكتور علي القزويني الحسيني عن تخوفه من أن يهدف المرصد لمحاربة الرجل، علماً أن أهدافه ومهامه شرحت بشكل واضح ومفصل. فما الذي قد يخيف الرجل من تمكين المرأة في مجال الأبحاث؟! مداخلة العميد لم تقف عند هذا الحد بل أراد إظهار “تقديره” للمرأة فوصفها ب “إخت الرجال” مجدداً قوله هذا بكل فخر معتبراً أنه بذلك يمدح المرأة. أما العميد السابق لكلية العلوم الدكتور حسن زين الدين فحمل المرأة مباشرة مسؤولية انخفاض عدد النساء اللواتي يصلن لمراكز وظيفية متقدمة في الجامعات، قائلاً ‘ن المرأة هي المسؤولة عن ذلك فهي التي لا تترشح للمناصب، وهي التي تطالب بدوامات تناسب انشغالاتها العائلية وهي التي تنسحب أحياناً للاهتمام بعائلتها. لكن مداخلة العميدة الهاشم أكدت ما ذكرته الباحثات إذ قالت الهاشم أنها وسيدتين ترشحتا لمنصب رئاسة الجامعة اللبنانية، وبالتالي فقد بلغ عدد المرشحات ثلاث من أصل 5، وأضافت: “نلت عدد أصوات مساو لعدد الأصوات الذي ناله رئيس الجامعة الحالي الدكتور فؤاد أيوب” مشيرة إلى اختيار أيوب واستبعادها عن المنصب وهنا أكد زين الدين كلامها مجيباً بأنها استبعدت لأسباب طائفية. وزين الدين الذي لام المرأة لانسحابها من أجل عائلتها لم يلتفت إلى مسؤولية المجتمع في فرض هذا الأمر على المرأة، ولم يلتفت إلى التقارير التي تتحدث عن إعاقة العمل غير المأجور لتقدم المرأة، بل تجاهل أن المجتمع هو من يفرض عليها العمل في المنزل فيما لا يفرضه على الرجل.
كلام زين الدين والقزويني في آخر الجلسة أكد أكثر طبيعة التحديات التي تواجهها النساء الباحثات، والتي تبدأ بمواجهة الفكر الذكوري المهيمن الذي يظهر قلقه لدى بروز أية مبادرة تهدف لتمكين النساء، أو يصر دوماً على تحميل المرأة مسؤولية الضغوط والأعباء التي يرميها بها المجتمع.