لأننا نساء..!
كنت أشاهد فيديو الفنانة شيرين وأستمع إليها تتحدّث في إحدى حفلاتها التي كانت تُحييها في المملكة العربية السعودية عن عدم “قدرتها” على التعبير الصحيح، وإعطائها حقّ الكلام لزوجها “المثقف” الذي يستطيع “برأيها” الحديث أفضل منها، عندها لم أتمكن من إشاحة نظري عن إمساكها بيده وتقبيلها، وتقديم زوجها على مسرحها لجمهورها، لتقف جانباً، تراقب جني ثمار تنازلها.
لا شكّ أن الفيديو مزعج بشكل كبير، فنانة عربية تملك صوتًا استثنائياً وإحساساً رائعًا، أقلّه بشهادة جمهورها المنتشر في العالم العربي، تعتبر أنّها غير قادرة على التعبير عن رأيها وتأخذ عهدًا على نفسها بعدم الحديث أبدًا والغناء فقط. لماذا؟ لأنّه في كلّ مرة كانت تتحدّث كانت تواجَه بالقمع والاستهزاء وفي مرات كثيرة المحاسبة القانونية عن غير حقّ.
فشيرين التي سبق أن اتهمت بالإساءة لمصر في أكثر من مرة، وحكم عليها بالسجن ستة أشهر اضطرت مراراً وتكراراً للاعتذار عن صراحتها، وعفويتها، و التعبير عن شخصيتها.
شيرين ليست الوحيدة، بل هذه الحالة مردودها دائمًا إلى نفس المعضلة. نحن النساء في غالب الأحيان مجبرات على التنازل عن مساحاتنا لأسباب يبدو بعضها في الظاهر رضائيًا ولكن في العمق أسبابها قمعية، عنفية كانت ولا تزال وراء عدم مشاركة النساء على أصعدة كثيرة، وتنازلهنّ عن مكتسبات وحقوق بديهية.
شيرين ليست الوحيدة التي أجبرت على التنازل عن حقها بالتعبير بعفوية، كثيرات هنّ النساء اللواتي يتعرضنّ لقمع من قبل المجتمع والقانون .
في المرّة الماضية، لم يكن صديقي قادرًا على استيعاب غضبي خلال حديثنا. فهو لم يعتد رؤيتي إلاّ والابتسامة تعلو وجهي، أغني، أرقص. حاولت أن اشرح له السبب ولكن كلماتي لم تُعنّي. بقيت أدور في حلقات مفرغة، قلت الكثير ولكنني لم أتمكن من إخراج الكلمات الحقيقية وراء انزعاجي وغضبي. انزعاجي من نفسي، انزعاجي من عدم قدرتي على تحصيل حقوقي وحقوق طفلي على الرغم من نضالي الدائم لتكريس حقوق النساء في لبنان. هو نفس انزعاجي من فيديو شيرين وكلماتها. انزعاجي من أننا ومهمّا كنّا فنانات، ناشطات، معلمات، أمهات.. مهما كانت صفتنا في هذا المجتمع نضطر للتنازل فقط لأننا نساء… تنازلًا يكون في بعض الأحيان ظرفيًا وفي بعض الاحيان تنازلا دائمًا. تنازل نعتقد أننا من خلاله نستطيع حماية أطفالنا، عملنا، او مسيرتنا الفنيّة.
إننا نعاني فقط لأننا نساء، نتعرض للقمع لأننا نساء، نتعرض للعنف لأننا نساء، نجبر على ترك أطفالنا لأننا نساء، نتعرض للتحرش لأننا نساء، نعمل ثلاث وظائف لإعالة أطفالنا لأننا نساء، نُطرد من وظائفنا لأننا نساء، ونقتل لأننا نساء…
ولكن مهلًا، هل تظنّ الأبوية التي تحمي الرجل مهما أخطأ أنَّها ستهزمنا؟ بعزمٍ كبيرٍ نردّ “لا” وسأقول شيئًا… نحن قويات لأننا نساء، لن نترك لكم الساحات خالية بعد الآن، سننتزع حقوقنا، لن نتعب، إرث النضال ستتناقله أجيالنا من النساء والفتيات جيلاً بعد جيل. لن يوقفنا تعنيف، أو إقصاء سنكون بالمرصاد دائمًا قادرات، قويات، عازمات، ونحن نعلم جيدًا أننا سنصنع التغيير الذي ننشده رغم الألم، رغم العنف، رغم التهميش، رغم العقبات.