الإجهاض الآمن للنساء… غير آمن!
عاجلتني صديقتي بالأمس في اتصال هاتفي وصوت ملؤه التوتر والخوف، “طلعو خطين”، في إشارة إلى أنها حامل، علماً أنها أنجبت ثلاثة أطفال (فتاتان وفتى)، فهي مريضة في القلب وتعاني من مشاكل صحية، تزداد حدتها عند الحمل تحديدا، رغم ذلك خضعت في إنجابها الثالث لضغط مجتمعي وعائلي فالصبي لم يحضر بعد، بغض النظر عن وضعها الصحي… الصبي أولوية.
وهذا ماجرى فعلا جاء الصبي وبذلك انتهت مهمتها، إلا أنّها حامل فما العمل…
تحدثت إلى زوجها عن الإجهاض، بسبب وضعها الصحي وهو ما حوّلها إلى مجرمة، في ثواني على قاعدة أنها ستقتل روح، بعد حديثها مع زوجها لم يتوقف هاتفها عن الرنين. اتصالات من كل حدب وصوب هل ستجهضين؟ مجنونة أنتِ؟ أتريدين قتل روح في رحمك؟ سيعاقبك الله إذا ما أقدمت على هذه الجريمة؟
اتصالات دفعتها للتوجه إلى رجال الدين وسؤاله عن إمكانية الإجهاض استنادا إلى وضعها الصحي، والإجابة الحاسمة الواضحة غير القابلة للنقاش، الاجهاض مسموح في حالة واحدة وهي أن تكوني معرضة للموت فقط؟
قصة تتكرر يومياً، لترسخ ثقافة إنتزاع حق المرأة على جسدها وتحويلها إلى آلة إنجاب ترضي زوجها وبيئتها.
اليوم العالمي للإجهاض الآمن… أرقام وإحصاءات
قصة نسردها بالتزامن مع اليوم العالمي للإجهاض الآمن، الذي أطلقته حركة “صحة النساء عام 1990 للمطالبة بإلغاء تجريم الإجهاض، الذي يعتبر واحدًا من جرائم الاعتداء على الحق فى الحياة، ويدخل في قانون العقوبات في عدد كبير من الدول، ويعاقب المرأة المقدمة على فعل الإجهاض والطبيب، بأشد العقوبات.
من الصعوبة بمكان إيجاد أرقام دقيقة، خاصةً أنّ الإجهاض يمارَسُ سرياً وبشكل غير آمن ما يعرّض النساء للخطر وللموت في عدد كبير من الأحيان.
ونذكّر بما قالته منظمة الصحة العالمية حول أنّ هناك ما يقارب الـ 25 مليون حالة إجهاض غير آمن حول العالم حدثت سنويا في الفترة بين عامي 2010 و2014، أي ما يعادل 45% من إجمالي حالات الإجهاض في العالم.
ووفقا لدراسة جديدة أجرتها المنظمة، بالتعاون مع معهد غوتماشر ونشرت في مجلة لانست، وقعت غالبية حالات الإجهاض غير الآمن (97%) في البلدان النامية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.
عندما يتم إجراء الإجهاض وفقا للمبادئ التوجيهية للمنظمة ومعاييرها، يتلاشى خطر حدوث مضاعفات وخيمة أو الوفاة ويصبح لا يكاد يُذكر. إذ تمّ إجراء ما يقرب من 55% من جميع حالات الإجهاض في الفترة من عام 2010 إلى عام 2014 بأمان تام، بما يعني أنها أجريت بواسطة عامل صحي مدرب وباستخدام إحدى الطرق التي توصى بها المنظمة بما يتناسب مع مدة الحمل.
الإجهاض في القانون اللبناني بين الجنحة والجناية:
في لبنان قانون الإجهاض يعود إلى أربعينيات القرن الماضي، يدخل ضمن الباب السابع من قانون العقوبات المتعلّق بالجرائم المخلّة بالأخلاق والآداب العامّة، لم يخضع لتعديل يجاري النقاش حول حق المرأة في السلطة على جسدها، إلاّ في العام 1983، خلال الحرب الأهلية، عندما تمّ إقرار تعديل قانوني، أتى منسجماً مع المادّة 16-البند ه- من اتفاقيّة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، سيداو، بعد عامين من دخولها حيّز التنفيذ.
إلاّ أنّه عندما صادقت الدولة على “سيداو” عام 1997، لم تتحفّظ على المادّة 16-البند ه- الذي ينصّ على حقّ المرأة في تحديد عدد أطفالها، والفاصل الزمني بين الطفل والذي يليه، والحصول على خدمات الرعاية الصحيّة ذات الصلة.
وفي ما يتعلّق بالعقوبات، فكل امرأة تجهض، تعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وفق المادة 541 من قانون العقوبات، وتشدد العقوبة (من سنة إلى 3 سنوات) بحق من أقدم على إجهاض امرأة برضاها تأسيساً على المادة 542 من القانون نفسه.
أمّا المادة 543 فقد نصت على حكم من سبب عن قصد تطريح امرأة دون رضاها بالأشغال الشاقة 5 سنوات على الأقل.
لذلك فالقانون يميّز في العقوبة بين الإجهاض الرضائي فاعتبر جنحة، والإجهاض غير الرضائي فيعتبر جناية، أمّا الإجهاض الذي يفضي إلى موت المرأة فهو جناية في كل الأحوال، يُعاقب بالأشغال الشاقة من 4 إلى 7 سنوات في المادة 542 ولا تنقص العقوبة عن عشر سنوات في المادة 543.
القانون لا يتوقف هنا بل أيضا يعاقب حتى من يعمل على نشر وسائل الإجهاض أو توزيعها أو تسهيل استعمالها، وكذلك من يبيع أو يعرض للبيع تلك الوسائل بالحبس والغرامة وفق المادتين 539 و540 من قانون العقوبات، كما أنّ العذر المخفف موجود أيضا، تستفيد منه المرأة التي تطرح نفسها “محافظة على شرفها”، ومن يقدم على ذلك “حفاظاً على شرف أحد فروعه أو قريباته” .
إمكانية تمرير الإجهاض في القانون اللبناني، يمر في الإطار العلاجي، والمشروط أن يكون الوسيلة الوحيدة لإنقاذ حياة الأم، وأن يستشير الطبيب المعالج طبيبين يوافقان معه على التوقيع خطياً على 4 نسخ بعد الكشف الطبي، وإرسال محضر لا يحمل اسم المريضة إلى رئيس مجلس نقابة الأطباء، ويجري الإجهاض بناءً على موافقة الحامل بعد إطلاعها على الوضع، ويمكن الطبيب أن يجري الإجهاض في حالة الخطر الشديد، إذا كانت المرأة فاقدة الوعي، حتى لو عارض زوجها أو ذووها.
النضال النسوي في الإجهاض معركة لم تنطلق بعد.
ورغم المعارك الضروس التي خاضتها الجمعيات النسوية ، إلا أن أي ثقب لم ينجح باختراق حائط الإجهاض الآمن المسدود، ولايزال الخطاب النسوي المتعلق بالإجهاض مهمشاً، لم يصل إلى مرحلة المواجهة، ويأخذ مكانه فقط في فقرات تلفزيونية تصل إلى لا نتيجة في أغلب الأحيان .
عدم طرح الأزمة لا يعني استبعادها عن الأجندات الحقوقية النسوية، بانتظار الوقت المناسب، القريب جدا لا محالة.