السعودية تحتجز الأميرة بسمة بنت سعود: هل تنضم إلى قائمة من اختفوا من العائلة المالكة نتيجة مطالب حقوقية؟
يوم 14 شباط 2018 كانت المرة الأخيرة التي تردني فيها رسالة من الأميرة بسمة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود، التي عرفتها عبر التنسيق حول أعمالها الإنسانية والحقوقية، حيث أعلمتني بأنها محتجزة في المملكة العربية السعودية، قائلة: “عدت لرؤية أولادي في السعودية بعدما دبروا لهم مشكلة بسيطة ولفقوا لهم حبس 5 سنوات وطلعتهم بكفالة وعلقت معهم، هلق مانعينا من السفر كلنا. أبنائي في خطر ولا أدري ما ينتظرنا”. وعندما سألتها عن الأسباب قالت: “لا أسباب سياسية، فقط لأن صوتي عالي ضدّ الفساد في المملكة وهم لا يريدون أميرة تتحدث بما لا يجرؤ الرجال على الحديث به”، مشيرةً إلى مقابلة لها في كانون الثاني 2018 مع “بي بي سي العربية” أغضبت المملكة، وهي المقابلة التي دعت فيها إلى إنهاء الحرب السعودية في اليمن. وكانت وسائل إعلام سعودية قد أفادت وقتها أن أبناء الأميرة تورطوا في اعتداء على أحد ضباط المرور، وأنه جرى احتجازهم دون تهمة في انتظار التحقيق، وهي المسألة التي ربما أبقت الأميرة بسمة في البلاد.
حاولت بعدها التواصل مع الأميرة بسمة أكثر من مرة ولكنها كانت خارج السمع بالكامل، ومذ ذاك الحين وأنا أستشعر خطرًا ما يحاوط حياتها، وفي حين وردتني معلومات عن إعتقالها من قبل المملكة من مصدر مقرب منها، ترددت في نشر أية معلومات وباشرت البحث في مدى صدقيتها إلى أن أتى تحقيق DW عربية بالأمس ليؤكّد الشك. وقد طرح التحقيق في مقدمته السؤال التالي: “هل تنضم الأميرة بسمة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود إلى قائمة مَنْ اختفوا من العائلة المالكة السعودية أو فُرضت عليهم قيود في الحركة والسفر نتيجة مطالب حقوقية؟”.
ومعلوم أن الأميرة بسمة هي الإبنة الصغرى من أبناء الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود السابقين البالغ عددهم 115 شخصاً وتمثل فرعًا من العائلة التي كانت تعتبر ذات يوم بديلاً محتملاً للفرع الحالي في السلطة. وإلى جانب كونها عضوة بارزة في العائلة المالكة السعودية، فالأميرة بسمة ناشطة في مجال حقوق الإنسان وسيدة أعمال كان لها عدد من الشركات في لندن، قبل أن تقوم بتصفيتها نهائيًا في عام 2016 وتنقل ما تبقى منها إلى إحدى بناتها، وصوت إعلامي مطالب بالإصلاحات الدستورية في المملكة التي كان من شأنها الحد من سلطات الشرطة الدينية وتكريس حقوق المرأة في القوانين السعودية، وهو الأمر الذي لم ينسجم دائمًا مع رؤى وأفكار وتوجهات حكام المملكة العربية السعودية.
وبالعودة إلى تفاصيل إختفاء الأميرة، فقد تقاطع ما نقله لي المصدر المقرّب من الأميرة مع ما نشره تحقيق DW عربية. وأشار المصدر إلى أن الأميرة بسمة احتجزت في شهر آذار من هذا العام للإشتباه في محاولتها الفرار من البلاد مع ابنتها، بعد أن كان من المقرر أن تسافر إلى سويسرا لتلقي العلاج. وقد أظهرت وثائق إطلعت عليها DW أن الأميرة لديها تصاريح للسفر من جدة في 18 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي برفقة ابنتها، للحصول على رعاية طبية عاجلة حسب طلب طبيبها السويسري. وقال ليونارد بينيت المحامي الذي رتب عملية السفر، لـ DW إن طائرة الأميرة بقيت على الأرض ولم يسمح لها بالمغادرة، مضيفًا إنه بعد حوالي شهرين من تلك الواقعة “اختفت الأميرة تماماً ولم نعد نعرف أين هي، ولم يكن أحد يعرف مكانها، كنا نخشى الأسوأ بالفعل. ولكن بعد محاولات متواصلة للاتصال بها عادت إلى الظهور، وبدت وكأنها رهينة”.
في الوقت الذي احتجزت فيه الأميرة بسمة للاشتباه في محاولتها “الهرب” من البلاد وذلك في بداية الأزمة، فإنه يعتقد أن الأمر قد ترافق زمنياً مع وقوع نزاع عائلي داخلي أو وجود مسألة قضائية تتعلق بأبنائها، إذ صرّحت مضاوي الرشيد، الخبيرة في السياسة السعودية وشؤون العائلة المالكة السعودية والأستاذة في كلية لندن للاقتصاد، لـ DW إنه من المحتمل أن الأميرة بسمة بنت سعود، أم لخمسة أولاد، كانت متورطة في نزاع عائلي داخلي حول الميراث أو حضانة أطفالها وأنه تم منعها من المغادرة أو أخذها ابنتها معها على خلفية هذا النزاع. وفي حين أن بنات الأميرة تجاوزن سن الـ 21 ، وهو العمر الذي يُسمح فيه الآن لمعظم السعوديين بالسفر دون إذن من ولي الأمر، إلا أن ابنها الأصغر من مواليد عام 1998 وقد يكون أقل من تلك السن بقليل. ومع ذلك، تندرج العائلة المالكة في فئة مختلفة فيما يتعلق بمسائل السفر. وقالت مضاوي الرشيد لـ “DW: جوازات سفر أفراد العائلة المالكة مختلفة عن جوازات سفر المواطنين في السعودية، وكان دائمًا على أفراد العائلة في الماضي الحصول على نوع من الإذن بالمغادرة. وأضافت: “هناك دائمًا نوع من التدابير لأنهم قلقون بشأن شرف أميراتهم.” لكنها قالت أيضاً إنه من غير المرجح أن يتم التحفظ على شخص بقدر وشهرة الأميرة بسمة من دون علم السلطات والحكام السعوديين. وقالت الرشيد: “ربما وضعوها قيد الإقامة الجبرية أو الاحتجاز لمنعها من المغادرة والتحدث للإعلام”.
ويأتي احتجاز الأميرة في وقت اكتسبت فيه آراء مماثلة لها غضب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وربطت تقارير إعلامية سابقة بين هذا الغضب وبين حالات اغتيال واختفاء وسجن وترهيب طالت بعض منتقديه، ومنهم من فروع العائلة المالكة أيضاً. وفي الوقت الذي يؤكّد فيه مصدرنا أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من المرجّح أن لا يكون على إطلاع بما حدث مع الأميرة بسمة، إلّا أنه من غير المنطقي التسليم بهذه الفرضية في ظلّ إمساك بن سلمان بكافة مفاصل الحكم في البلاد. وعليه فإن السلطات السعودية مطالبة بالكشف عن مصير الأميرة وأسباب إحتجازها بالإضافة إلى العمل على تحريرها فورًا.