هيدي ثورة مش غنّية
94 يوماً على انطلاق الثورة في لبنان، ثورة على الظلم، ثورة على الفساد والفاسدين، ثورة على السلطة بأكملها، ثورة على السياسات المالية، ثورة على النظام الطائفي وثورة ضد النظام الأبوي، الذكوري، التمييزي أيضاً.
94 يوماً لم تترك خلالها النساء الساحات، لم تستسلم، لم تتعب، لم تتراجع، بل أقدمن وتقدّمن الصفوف، علّين الصوت، هتفن، قطعن الشوارع في وجه سياسات الذل والتجويع، وطالبن بحقوقهن كمواطنات، تُهدر حقوقهنّ يومياً في بلد لا تزال تُعتَبَرُ المرأة فيه مواطنة درجة ثانية.
ثورة لبنان كسرت فيها النساء الصورة النمطية التي عمل المجتمع وبعض الإعلام على سجنهنّ في إطارها لعقود، وكرّسن حقيقة أن النساء هنّ قلب الثورة ووهجها ولسن تلك الفئة الضعيفة، الناعمة والهشّة التي لا تفقه العمل السياسي ولا تصنع نضال. ثورة قامت بها النساء بفعل سياسي مثلها مثل الرجال تمامًا. وقد كان لافتاً عنفُ القوى الأمنية في الأيام الأخيرة بحق الثائرات والثوار وكانت النساء كما عودننا منذ اليوم الأول في الصفوف الأمامية، حيث مورس عنف مفرط عليهنّ، إعتقلن، وتعرّضن للقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، سجّل في صفوفهنّ إصابات البعض منها كان بالغًا، شاغبن وأعلنّها ثورة بكلِّ ما للكلمة من معنى.
كلُّ ما سبق ليس بمستغرب، بل ما كان مستغرباً انبهار الإعلام اللبناني والأجنبي منذ ولادة ثورة 17 تشرين الأول بأعداد النساء ومشاركتهنّ الفاعلة، علماً أن النساء منذ عقود تحتلُّ الشوارع وترفع الصوت في القضايا الوطنية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية، كما تطالب بأبسط حقوقها، من حقّ المرأة في إعطاء الجنسية لأولادها، وحقها بالحضانة في وجه المحاكم الدينية، وحمايتها من التحرش والعنف الممارس في القوانين والمجتمع والعمل، كل هذه السنوات وصوتها يرتفع لكن لا دولة تسمع ولا مجتمع يرى ولا قانون يحمي.
ولوحظ في الأيام الأخيرة أن بعض الوسائل الإعلامية كان تركّز على فكرة أن النساء تقف في الصفوف الأمامية عازية السبب والهدف إلى نيّة النساء حماية الشباب الغاضب من عنف القوى الأمنية وعناصر مكافحة الشغب، وذلك يعدّ إختزالاً لدور النساء بإعتبارهنّ فاصل سلمي بين المتظاهرين الرجال والعسكر.
وهنا نستعرض سؤال مراسل لمتظاهرة، حول ملاحظته أنَّ النساء تقف بين القوى الأمنية والشباب الثائر لحمايتهم من العنف ومنع الإحتكاك بين الطرفين، فتردّ عليه قائلة “لقد تخطّينا فكرة رجل وإمرأة، نحن في الصفوف الأمامية منذ اليوم الأوّل ولا نخشى المواجهة مع القوى الأمنية”. ولعلّ هذا الجواب هو أنبأ تعبير عن دور ومشاركة النساء الغاضبات الثائرات.
حان الوقت لبعض الإعلام والرأي العام التوقّف عن التعاطي مع النساء بإعتبارهنّ مخلوقات فضائية أو كائنات ناعمة أو ضعيفة تحتاج إلى رعاية ومعاملة خاصة، أو الجنس الآخر وفقًا لوصف الكاتبة النسوية سيمون دي بوفوار لنظرة وتعاطي المجتمع مع النساء والذي للأسف لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا.
ما أٌخِذَ بالقوة لا يُستردّ إلاّ بالقوة، هذا ما أكّدته النسوة اللواتي لا يزال صوتهنّ يصدح في أذنيّ: “مش سلمية مش سلمية، هيدي ثورة مش غنّية”. القوة لكنّ، الحب لكنّ، الثورة لكنّ، والنصر لنا.