الاستمرار خيارنا الوحيد
منذ السابع عشر من تشرين الأول، لم أتوان لحظة عن المشاركة في معظم التحركات التي نظّمتها مختلف مجموعات الثورة في لبنان.
سخّرت قلمي وكلماتي للحديث عن أهمية التحركات في كافة المناطق، وحول أهميتها لنا كمواطنات ومواطنين في هذا البلد. كانت أمي تجادلني في كُلِّ مرة أراها “هلق إنتي رح تغيري النظام؟ ما تعبتي كل يوم بالشارع”، كنتُ أُخبرها أنّها فرصتنا الاخيرة للتغيير.
لقد كنت أشعر يومياً بظلم هذا النظام الطائفي، ظلم اجتماعي، ظلم قانوني وظلم اقتصادي. عندما كنتُ أنزل الى الساحات، أصرخ من صميم قلبي وأتذكر كل تلك اللحظات، كيف وقفت أمام أبواب المستشفيات، كيف حاربت للحصول على وظيفة، كيف اضطررت للنوم باكية بصمت حتى لا يسمع الآخرون ليس خجلًا، بل لعلمي أنه “ما باليد حيلة”.
تعرضنا للقمع اليومي، هجوم واتهامات من شتى الأنواع والأشكال، كلّ ذلك لم يمنعنا من الاستمرار، إلى أن اقتحم بلدنا الكورونا.
لم أكُنْ أتخيّل يوماً أن يبلغ حقدي على هذا النظام وأتباعه هذه الدرجة. هل تتخيلون حجم وجعنا وخوفنا على عائلتنا وأحبائنا؟ هل تتخيلون حجم الرهاب اليومي الذي نعيشه نتيجة استهتار دولة السرقة والفساد بنا وبأرواحنا؟ دولة الزبائنية والتبعية؟ أحقد على نظام سرق أحلامنا ومالنا، واستمتع بصراخ آلامنا. نظام أنتج مسوخًا جاهزة للدفاع عنه والحرص على ديموته. نظام خلق له أشباهاً فأصبحتُ لا أعرف من أين تأتي الضربات.
أشعر بالعجز ففي بلدي، حوّلوا مرضنا وصحتنا إلى مادة للتجاذب السياسي وتوزيع الاتهامات. في بلدي أصبحنا نحن النساء نحمل أضعاف أضعاف الأحمال حتى نطقت أجسادنا طلبا للرحمة. في بلدي كنّا ولا زلنا مجرّد أرقام، ولكنَّنَا اليوم أرقاماً تعاني من الاكتئاب. عدم الرغبة أو القدرة في الاستمرار. في بلدي نحاول سرقة ضحكة من شفاه أحبائنا وأطفالنا لنشعر ببعض الطمأنينة.
أنا أعلم أنَّني أكتب هذه الكلمات وسأغسل وجهي من الدموع وأعود لممارسة حياتي ومعها واجباتي، فأنا أعلم أنَّه علينا الاستمرار مهما كانت الظروف والأحوال. أنظروا إلى ولاء، تركت أطفالها وانضمت إلى الفريق الطبي في مستشفى رفيق الحريري لمحاربة الكورونا التزامًا بمهنتها. هل فكرتم يومًا كيف نستطيع فعل ذلك؟ هل فكرتم يومًا بالأثمان التي تدفعها النساء ليكُنَّ قادرات على الاستمرار في مختلف الأوقات؟ أوقات النزاع؟ الثورة؟ المرض وغيرها….
فكروا كثيراً لعلكم تعرفون وتعترفون بنا كمواطنات في بلد يُصِرُّ على تهميشنا.