كورونا يقيّد المنظمات العاملة في مكافحة العنف ضد النساء فكيف تواجهه؟
بعيداً من الدراسات والتجارب التي تُجرى يومياً في العالم لإيجاد علاج ولقاح لجائحة كورونا، فإنَّ جهوداً لا تقلً أهمية يجب أن تبذل في مواجهة آثار الإجراءات الوقائية التي يتم اعتمادها عالمياً لمواجهة الفيروس ومنع انتشاره، ونتحدث هنا عن ارتفاع نسب العنف حول العالم ضد النساء خلال الحجر المنزلي، وهو ما أكّد عليه أمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، ودعا الحكومات في سياقه إلى تضمين حماية النساء في استراتيجيات مواجهة covid_19.
لبنانياً قلقٌ كبيرٌ بدأ يجتاح المؤسسات والجمعيات والمنظمات المعنية بمكافحة العنف ضد النساء، حملات توعية كبيرة دأبن على إطلاقها في إطار التذكير بالأرقام الساخنة، واستحداث آلياتٍ جديدةٍ للتواصل تساعد النساء على سهولة التبليغ عمّا يتعرضنّ له.
بالتزامن مع هذه الجهود، قوى الأمن الداخلي ومن خلال الرقم الساخن 1745 تعمل بشكلٍ ناشطٍ لحماية النساء، معززةً بتعميم القاضي غسان عويدات النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي، الذي شدّد على حقِّ النساء الناجيات وأطفالهنّ بالوصول إلى القضاء لرفع الظلم عنهنّ، وأوعز الى عناصر الضابطة العدلية بفتح محاضر فورية في جميع قضايا العنف الأسري حتى في حالات الجرائم غير المشهودة، ويطلب عدم اشتراط حضور الضحية إلى مركز الضابطة العدلية للاستماع الى إفادتها في حال أدلت بأنّها لا يمكنها الانتقال بسبب الاوضاع الصحية وقيام المحامي الاستئنافي المختص بالاستماع اليها من قبله شخصياً أو من قبل الضابط العدلي المكلًف بالتحقيق عبر تقنية الفيديو كول أو بأي وسيلة يراها مناسبة”.
أرقام وإحصائيات الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة
من هنا انطلقنا في حديثنا مع السيدة لورا صفير رئيسة “الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة”، التي أكدت لموقعنا بالأرقام والإحصائيات الصادرة عن الهيئة، تسجيلَ إزدياد في عدد الإتصالات على الخط الآمن في النصف الأول من شهر نيسان بحيث بلغت 40 إتصالاً لغاية 15 منه وهو رقم قابل للإرتفاع لغاية آخر نيسان، وحول نوعية الإتصالات فتشير إلى أنَّها شملت الطلب على الدعم الإجتماعي والنفسي والقانوني المتعلّقة بالعُنف الأسري بنسبة 40% بالإضافة إلى طلب الدعم العيني والمادّي من مواد غذائية ومواد تنظيف وبدلات إيجار المسكن ومبالغ مالية التي إنخفضت بنسبة 43% وهي خدمات لا تُقدّمها الهيئة بشكل مُباشر وإنما يتمّ إحالتها إلى جِهات أُخرى لتقديم يد العون.
خدمات جديدة مستحدثة للتعامل مع ارتفاع ظاهرة العنف ضد النساء
إلى جانب الخط الآمن، إستحدثت الهيئة خدمة الواتساب عبر خط منفرد لتسهيل تواصل الناجيات مع الأخصائيات الإجتماعيات والنفسيّات والمحاميّات لتقديم الخدمات اللازمة والدعم المطلوب، هذا إلى جانب إستخدام وسائل التواصل الإجتماعي الأُخرى، وقد ساهمت خدمة الواتساب المعتمدة في نشر الرسائل الأساسية مع المستفيدات، فيما خصّ النوع الإجتماعي ونشر معلومات موثوقة فيروس كورونا وكيفية الوقاية منه، بالإضافة إلى نشر رقم الخط الآمن للهيئة على أوسع نقاط والخط الساخن للقوى الأمنية للتبليغ عن حالات العنف الأسري والخط الساخن لفيروس كورونا المعتمد من قبل وزارة الصحة.
هذا وقد أشارت الجداول الإحصائية في الهيئة إلى إرتفاع نسبة العُنف الأسري بمعدّل 21,42% وقد إستحوذ العُنف الجسدي على نسبة مرتفعة منه تعادل 125% خلال النصف الأول من نيسان ويعود ذلك إلى تمديد فترة التعبئة العامة والعزل المنزلي والحجر الصّحي وبقاء الناجيات رهينة في منازلهنّ تحت رحمة المُعنّف.
جائحة كورونا تحاصر المؤسسات والجمعيات التي تواجه العنف ضد النساء
أمَّا عن تعامل الهيئة مع جائحة كورونا والتحديات التي فرضتها الإجراءات في تنفيذ خطتها وحملاتها الداعمة للنساء، فتؤكد السيدة لورا صفير إلى أنّ الهيئة تنفذ إجراءات التعبئة العامة والتباعد الإجتماعي والعزل المنزلي وأوقفت نشاطاتها مرحلياً والمتعلّقة بإستقبال مجموعات النساء لتلقّي التوعية والتدريب والمهارات الحياتية داخل مراكزها وخارجها. وأقفلت ثلاثة مراكز كانت تعتبر كملاذ آمن للنساء والفتيات من أصل أربعة. وأنشأت خلية للأزمة في مركزها في طرابلس مؤلّف من خمسة أو ستة عناصر يتناوبن على إدارة الأزمة وإستقبال النساء فردياً من اللواتي يعانين من حالات حرجة لتلقّي الدعم النفسي أو الإجتماعي أو الإستشارة القانونية داخل المركز في ظلّ عدم إمكانية المتابعة القضائية مع المحافظة على التعقيم الضروري وإتخاذ الإجراءات الوقائية الصحية اللازمة.
تحديات تعيق إنقاذ النساء وحمايتهنّ
وحول التحديّات التي تواجه الهيئة فتقول السيدة صفير “للأسف إنَّنا نجد صعوبة هائلة في إحالة بعض الناجيات إلى مراكز للإيواء التي لم تعد تستقبل إلاّ الحالات الضرورية جداً بسبب كورونا رغم إتخاذنا بعض التدابير، وهي إمكانية إخضاع الناجية من العُنف لفحص طبّي للكورونا قبل تحويلها إلى مركز إيواء أو بيت آمن.
كما تشير إلى بطء الحلول القانونية وتأجيلها إلى ما بعد انتهاء فترة التعبئة العامة، سيما فيما يتعلق بحالات العنف المعنوي والمادي في ظل إقفال المحاكم الشرعية والروحية مما يزيد من معاناة النساء معنوياً ونفسياً، وعدم تمكنهنّ من الاستحصال على أحكام استلام الأطفال والتمكن من مشاهدتهم/ن والاستحصال على قرارات النفقة، كما أنّ النساء لسنّ قادرات على الحصول على تقرير من طبيب شرعي، في حالات العنف الجسدي، وإذا اضطررن للهرب من المنزل، يواجهن صعوبات من بينها عدم استقبالهن من قبل الأقارب أو الأصدقاء أو دور الإيواء بحجة نقل وباء كورونا .
النقص في تنفيذ قرارات الحبس بحق الرجال المعنفين وبلاغات البحث والتحري بحق الآباء الخاطفين لأطفالهم/ن رغم وجود قرارات مبرمة ونافذة من المحامين العامين والقضاء الشرعي والروحي ودوائر التنفيذ بتسليم الأطفال لأمهاتهنّ وذلك بحجة نقل فيروس كورونا إلى الموقوفين داخل السجون والنظارات.
ماهو المطلوب؟
المطلوب من الحكومة الإسراع في إدراج ملف العُنف الأسري على جدول أعمالها كقضيّة مُلحّة وأن يكون مدرجاً في سلم أولوياتها لإيجاد الحلول السريعة والفعّالة للحدّ من العُنف الأسري في ظلّ أزمة كورونا والعزل المنزلي، ووضع خطّة إقتصادية إجتماعية فعّالة تُساهم بالخروج من الأزمة المعيشية التي يتّخذها المعتدون ذريعة ومُبرّراً لمُمارسة العنف على الإناث مع ضرورة إيجاد ملجأ آمن للنساء.
كما تُشدّد الهيئة على ضرورة الإسراع في الإجراءات القضائية وتشديد العقوبات بحقّ المُعتدين وعدم التساهل معهم تحت أية ذريعة مرتبطة بالأزمة الصحية الراهنة أو غيرها هذا مع التنويه بالخطوات القضائية المتّخذة و الخطوة الإيجابية التي قام بها القاضي غسّان عويدات النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي.