لأجل روح منال وأخريات: يسقط شرفكم
“قد تكون جريمة شرف”… ليست بعبارة عفوية تنطّق بها النائب “التقدمي” مروان حمادة أوّل من أمس، عبارة تقاطعت مع أوصاف “مختلّ عقليًا” و”مريض”، ليأتينا يوم أمس أحد المشايخ ويتفوّق على نفسه بوصف المجرم على أنّه ضحية الوضع الإقتصادي الضاغط! فذاكرتنا النسوية، المختزنة تبريرات أبوية دائمة لجرائم العنف الذكوري القاتل بحق نساء كثيرات، علّمتنا كيف أنّه في كل حادثة قتل لإمرأة يشهر سلاح “الشرف” لتمييع القضية ونصرة الذكر المطعون برجولته في دغدغة للمشاعر والسلوكيات الثقافية الذكورية المقيتة التي تحكم مجتمعنا، وإعطاء أسباب تخفيفية بسند قانوني للمجرم الذي تبرّر له لحظة الغضب “استشرس ولم يعد يشعر بشيء.. ثار غضبه فقتلها”، أو الإضطراب النفسي أو العقلي فعلته. ليس هناك أسهل من قتل النساء في مجتمعاتنا المنافقة، ولا أسهل من تبرير الجريمة، ولا أسهل من خلق التعاطف مع القتلة… وكأنّ بهذه الأصوات المتواطئة دعوة لكي ننسى المرأة التي ذبحت، ربيع عمرها الذي سلب، روحها التي طعنت، طفلتيها اللتين يتّمتا، أهلها الذين فجعوا… ولنغرق في نقاش ما إذا كانت منال خائنة تستحق القتل، ما إذا كانت حقًا قد لطّخت شرف القبيلة، ما إذا كانت هي السبب وراء قيام رجل، بإمتيازاته الذكورية المطلقة، إلى “فشّ خلقه” والإنتصار لرجولته عبر حصد عشرة أرواح ذنبها الوحيد أن هناك سفّاح قاتل، بكامل قواه الذكورية ووعيه السلطوي، وبعنف مقيت ونرجسية عمياء، قرّر في لحظة “شكّ” إرتكاب مذبحة.
أمّا الردّ الأكثر تفاعلًا على حمادة وأصوات النشاز المرافقة، فقد جاء من نساء الحزب الواحد، حيث سارع الإتحاد النسائي التقدّمي إثر التصريح إلى نشر بيان أشار فيه إلى أن منال التيماني “شهيدة الذكورية والجهل والتخلّف”. نساء الإتحاد اللواتي عاهدن منال على أن شهادتها ستبقى قضيّتهن إلى الأبد، لم يسلمن من جهتهنّ من سهام الذكورية، إذ علت الأصوات عبر مواقع التواصل الإجتماعي والقنوات الحزبية الداخلية للتنديد بـ”طعنهنّ لحمادة” وبتعصّبهن الزائد للمرأة، وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك عبر المطالبة “بنفضة في الإتحاد” الذي بات حسب تعبير بعض الممتعضين يحوي “متخلّفات ومسترجلات”. وترافق التصويب على مواقف الإتحاد، مع حملة أخرى منظّمة تعاير النسويات وتتّهمهنّ بأنهنّ يأخذن الموضوع في منحى “متعصّب” وتضليلي، بحجّة أنّ الجريمة لم تستهدف إمرأة فقط، في محاولة لإشاحة النظر عن ذكورية الفعل. وهنا نرى أنّه من المفيد التذكير بأنّ الذكورية هي مصطلح يعبّر عن توجّه عام متمثل في سلوكيات وأفكار وقوانين وتفسيرات تسيطر على عقلية فرد أو مجتمع وتقوم على الإعتقاد بضرورة هيمنة الرجل على المرأة وشرعنة تسلّطه في كافة المجالات استناداً على الإيمان بفوقيّته. والذكورية تكرّس وتتجدّد بدعم من النظام البطريركي وهو نظام إجتماعي يخضع النساء عبر إستحواذ الرجال على السلطة الأبوية بشكل مطلق داخله، وتقوم سلطة الرجل فيه على علاقة هرمية تبدأ من رجل الدين إلى الأب، ثم الأخ، ثم الزوج، ثم الإبن.
أمّا وقد باتت خلفيات الجريمة معلومة للجميع، فنعم أيّها المنظّرون، هذه جريمة ذكورية بإمتياز إرتكبها سفّاح تلطّي خلف ذكورته السّامة ليفرغ طعناته الثلاث عشرة بجسد “زوجته” أوّلًا، ولأنّه رجل يحقّ له الغضب والإستشراس لمجرّد توهّمه بتهديد لشرفه الرفيع، فقد أعطى لنفسه الحقّ بإرتكاب مجزرة دون أن يرفّ له جفن وحصد أخوة، وعمّال سوريين، وأطفال ببندقية صيد حاقدة وببساطة “شي وصار”. والنسويّات اليوم، كما مع كلّ جريمة ترتكب بحق إمرأة، سيزددن تمسّكًا بالعدالة والنضال لتحطيم الحصن الأبوي المطبق على حيواتنا كنساء، ولن يأبهن بعد اليوم للأثمان، ولا للنقد، ولا للتشكيك، ولا للإتهامات بالغضب والهسترة والتحيّز والعقد النفسية… كلّما ضاعفتم عنفكم وتفنّنكم في إجرامكم وأمعنتم في إستفراغكم الذكوري، كلّما طوّرنا سبل مقاومتنا وتمسّكنا ببعضنا وعمّقن تضامننا. النسويات لن يسمحن بعد اليوم بأن تحكمهنّ فتاوى وتشريعات دينية ترى فيهن ناقصات وعورات وفتن ومحكومات بقوامة وتفوّق الرجل كائنًا من يكن. النسويات لن يرتضين بعد اليوم أن تحمل أي طفلة على كاهلها عبء الحفاظ على “شرف” مجتمع مهووس بأجساد وما بين أفخاذ النساء في الوقت الذي يبرّر فيه تأديبهن وقتلهنّ وقمعهنّ وحبسهنّ وتزويجهنّ ووصمهنّ وذبحهنّ بقوة السطوة الأبوية ومنظومتها القيمية الفاسدة. النسويّات لن يقبلن بأن تذهب دماء منال التيماني غدرًا على مذبح الذكورية، وسينتصرن لروحها، التي تلعن شرفكم وعهركم من عليائها، وأرواح من سبقنها ولو بعد حين.