الصحة الجنسية… غياب التشريعات وحضور التابوهات لتكبيل الحريات
يوافق اليوم الرابع من أيلول، اليوم العالمي للصحة الجنسية، وهو الذي حدَّدته الجمعية العالمية للصحة الجنسية (WAS) في العام 2010، حينما دعَت جميعَ منظماتها للاحتفال به، في محاولة لتعزيز الوعي بالصحة الجنسية في أنحاء العالم.
فما المقصود بالصحة الجنسية؟ وهل يمكن تحقيقها بعيداً عن الحقوق الجنسية؟
وفقا لتعريف منظمة الصحة العالمية فالصحة الجنسية:
هي ترابط بين الحالة الجسدية والعاطفية والعقلية ورفاههم الاجتماعي فيما يتعلق بالحالة الجنسية، إنها ليست مجرد الخلو من الأمراض، أو خلل أو عجز.
الصحة الجنسية هي مقاربة تسير على نهج إيجابي مبني على الاحترام والإحترام المتبادل إلى الشريك نحو العلاقة الجنسية.
فضلا عن إمكانية وجود تجارب جنسية ممتعة وآمنة متحررة وخالية من كلِّ أنواع الإكراه والتمييز والعنف (متطورة جسدياً وروحياً)، من أجل تحقيق الصحة الجنسية (النفسية والجسدية) والحفاظ عليها، يجب احترام الحقوق الجنسية للأشخاص وحمايتها والوفاء بها.
تعريف منظمة الصحة العالمية يظهر أهمية تلازم المسارين الصحي والحقوقي، في ما يتعلق بالجنسانية، فماذا عن لبنان؟
الحقوق الجنسية في لبنان بين التنظير والتطبيق!
عنــد مراجعــة النصــوص التشــريعية والمراســيم التنظيميــة والإداريــة فــي لبنــان، نلاحــظ إعترافــاً خجولاً بالحقـوق الجنسـية والحقـوق الإنجابيـة، وفـي مجالات ضيقـة لا ترتقـي لمسـتوى المعاييـر الدوليـة، ولا تتفـق مـع مـا جـاء فـي القانـون الدولـي لحقـوق الإنسـان، الأمر الذي يـؤدي إلى عرقلـة التمتـع وممارسـة فئـات معينـة مـن الأشـخاص لبعـض حقوقهـا.
فما هي القضايا التي تندرج في إطار مواضيع الصحة الجنسية؟
- التحرش الجنسي
- العنف والإعتداء
- العلاقات الجنسية المبكرة وغير الآمنة
- إلتقاط عدوى الأمراض المنقولة جنسيًا
- التزويج المبكر
- الحمل المبكر وغير المرغوب
- الإجهاض غير الآمن
- الإضطرابات النفسية والمشاكل في العلاقات وغيرها.
أكّد برنامج الصحة الجنسية المتكامل للنساء (WISH) في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت العام الماضي، أن “50% من النساء و31% من الرجال يشتكون من اضطرابات في الصحة الجنسية في لبنان، لكنهم/ن لا يتحدثون/ن في الأمر لأسباب ثقافية وقيم اجتماعية.
وهنا نسأل حول قدرة المرأة على حماية صحتها الجنسية في بلد لا يسمح لها باتخاذ القرارات التي تخص جسدها، ويحيك حوله منظومة من القيم الذكورية هدفها التحكم بحيوات النساء وأجسادهنّ وتعزيز سلطتهم الأبوية ضدهنّ.
وفي هذا الإطار المختصة في الصحة الجنسية الدكتورة ساندرين عطالله لتؤكد في حديث خاص لموقع “شريكة ولكن”، تؤكد على غياب الوعي باحتياجات العلاقة الجنسية متسائلة حول معرفة المرأة لجسدها وحقوقها، ومدى اطلاعها على مفهوم العذرية، وكيف عمدت التقاليد المجتمعية إلى تطويعها ومنعها من البوح بما تحب وما تكره لشريكها خاصة فيما يتعلق بوصولها للنشوة، وإجبارها على ممارسة الجنس عند طلب الزوج دون اعتراض، ومدى قدرتها على رفض التزويج المبكر، ورفض إجراء فحص العذرية أو الهرب من عائلتها إلى الاستقلالية وليس إلى الزواج كما تفعل عدد كبير من الفتيات.
هذا الواقع يقابله واقع أصعب فيما يتعلق بمجتمع الميم الذي يعاني من غياب حقوقه الجنسية وتأثيرها على صحته.
وهنا ترفض الدكتورة ساندرين التعميم مؤكدة أن عدد من الحالات الفردية التي تصادفها في عيادتها، يعيشون/ن حياتهم/نّ الجنسية بحرية تامة.
وتضيف لتؤكد على غياب الطب العام في لبنان، مقابل عدد قليل ومحدود من الجمعيات التي تعنى بتقديم هذه المعلومات والخدمات في هذا المجال، ومن هنا تدعو إلى ضرورة التوجه نحو المدارس والجامعات لتوعية الشباب والشابات في هذا السياق.
وحول تأثير كوفيد 19 والأزمة الاقتصادية على الصحة الجنسية تشير الدكتورة ساندرين، إلى ما تعانية النساء والفتيات مع ارتفاع أسعار السلع المتعلقة بالصحة الجنسية، وعدم توفرها، ورداءة جودتها، فضلا عن قيم مجتمعية تحاصرها اذا ما أرادت شراء واقي ذكري لشريكها، أو حتى المدلكات والمرطبات الخاصة بالأعضاء التناسلية.
وتختم الدكتورة حديثها بانتقاد غياب الحلول الذي يترافق مع عدم وجود أرقام واضحة عالميا أو حتى محلياً، لتشخّيص حجم المشكلة، فضلاً عن شح في التمويل المخصص لهذه القضايا، وانعكاسه على تعاطي المجتمع المدني الذي يعمل بشكل غيـر مباشـر علـى الحقـوق الجنسـية والإنجابية، مـن خـلال برامـج خاصـة بالعنـف المبنـي علـى النـوع الإجتماعـي أو تزويـج الطفـلات، وغياب رؤية للعمل على موضوع الإجهاض.
إن اليوم العالمي للصحة الجنسية هو فرصة سنوية للتأكيد على مجموعة من القضايا التي تدخل في سياق تعزيز حريتنا على أجسادنا، ومنع كل أشكال التنميط، ومحاربة القوالب المجتمعية الذكورية، ودورنا إعلامياً يتمحور حول تحويل هذا اليوم من مناسبة سنوية إلى ممارسة نضالية يومية.