بعد إحالتها إلى التحقيق: رضوى الشربيني “متهورة” و”يجب تدريبها على ميثاق الشرف المهني”
ليس بعيدًا عن نظريّة “الحلوى المكشوفة والحلوى المغلّفة”، سقطت الإعلاميّة المصريّة رضوى الشربيني في فخّ التّشهير القائم على المفاضلة بين المحجبات وغير المحجبات، وتبرير ما تتعرّض له الفئة الأخيرة من عنفٍ اجتماعي. تعنيفٌ ليس آخره التحقير والمفاضلة غير العادلة، إذ قد يصل إلى التعنيف اللّفظي والمعنوي والجسدي وحتى الجنسي. فوفق نظريّة “الحلوى”، يبتدع المنظّرون أساليب ساذجة لتقييم النساء بناءً على لباسهنّ ومظهرهنّ الخارجي، وتذنيبهنّ على ما قد يتعرضن له من تحرّش واغتصاب لأنّ “الحلوى المكشوفة يحوم حولها الذباب”.
في إطارٍ شديد الصّلة، وفي سقطةٍ عدّها البعض “نفاق وتملّق”، انزلقت الإعلامية المدافعة عن حقوق المرأة رضوى الشربيني إلى فخّ “تعنيف النّساء معنويًّا” بناءً على مظهرهنّ الخارجي. الشّربيني، التي تعزو مقاطعها صفحات التّواصل الاجتماعي نجحت مجدّدًا في شغل الرّأي العام، ولكن هذه المرّة من منظور مختلف.
- انقلبت الآية: لن يرضى عنك الذكوريون حتى تتّبع علّتهم
بعد قيامها بنشر مقطع فيديو تدعو من خلاله المحجبات إلى عدم خلع حجابهن، معتبرةً المحجبة بأنها “أفضل من غير المحجبة ب١٠٠ ألف مرة”، تعرّضت الشّربيني لموجة كبيرة من الانتقادات وصل إلى حدّ إحالتها إلى التحقيق. التصريح الذي اعتبر بمثابة تبرير ضمني للتّحرش ومن شأنه زيادة العنف ضد المرأة، خصوصًا بعد تعليل رأيها بأنّ “غير المحجبة دي عندها شيطانها، وعندها نفسها، متخليش اللي شيطانهم أقوى من ايمانهم يكونوا اقوى منك. ومتخليش حد يأثر عليكي، الناس دي كلها انتِ أحسن منهم واحسن مني والله العظيم”، استطاع أن يقلب آية “هي وبس” رأسًا على عقب. الذكور والذكوريون راضون عن أداء رضوى للمرة الأولى، حينما وقعت على حين هفوة في علّة الخطاب التمييزي والعنصري.
فما بين مباركة لموقفها ودعوات لها بالهداية، وإطلاق هاشتاغ “ادعم رضوى الشربيني”، وامتعاظ من ما تعرّضت له من هجوم على تصريحها الأخير، على اعتبار أنّها “أصابت للمرة الأولى” و”حين قالت كلمة الحق أحالوها للتّحقيق”، وبين رافضين لموقفها لما يتضمّن من تقليلٍ لشأن غير المحجبات وتبرير لما يتعرّضن له من عنف وتحرش، استطاعت رضوى الشربيني أن تثير الجدل مجدّدًا وتحتل وسائل التواصل الاجتماعي قبل وبعد إحالتها للتحقيق.
- الاعتذار لا ينفي المسؤولية الاجتماعية والاعلامية
“انه خطاب تمييز وكراهية، ويجب تدريب المذيعين والمبيعات على ميثاق الشرف الاعلامي”
سرعان ما عادت الشربيني واعتذرت عن تصريحاتها، مبررة بأنها “كانت تقصد بأن المحجبة هي اللي عملت اللي عليها وهذا ليس له علاقة بأن غير المحجبة امرأة سيئة”، قائلة “اعتذر عما قلته وفهمه البعض بأنني اتهم السيدة غير المحجبة بأنها مش كويسة”.
اعتذار الشربيني لم يمنع لجنة الشكاوى في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام من إحالتها للتحقيق، ولم يثنِ المتابعين عن انتقاد تصريحها الذي افتقد لمعايير للالتزام بالمسؤولية الاجتماعية التي يجب أن يتحلى بها كل من الإعلامي والوسيلة الإعلامية على حد سواء. ولمّا كانت المسؤولية الاجتماعية تؤكد على حقّ كلّ الجماعات وكل الطّبقات في المجتمع أن تعبّر عن رأيها وعن نفسها عبر الاعلام من دون أن تتعرض للقمع أو حتّى للتجاهل، أو من دون أي محاولة لتقديم صورة مشوهة عنها، تجاوزت رضوى الشربيني هذه المسؤولية نحو التعميم الاستنسابي المنطلق من قناعات فردية.
في هذا السياق علق رئيس تحرير مجلة فنون المصرية حاتم حافظ على موضوع إحالة الشربيني إلى التحقيق معتبرا أنه “قرار ممتاز، لأنه خطاب تمييز وكراهية”، مشددا على ضرورة أن “يتلقى المذيعات والمذيعين تدريبات في المهنة، اللي بتضمن دراسة الإعلام والثقافة العامة والقانون وميثاق الشرف الإعلامي قبل ظهورهم على الشاشات”.
- “مرصد الإفتاء المصريّ” لـ”شريكة ولكن”: الحجاب ليس أداة لتصنيف الناس، ودعوا الدّين لأهل الاختصاص
في تصريح خاص لـ”شريكة ولكن”، علّق مدير مرصد دار الافتاء المصرية حسن محمد على كلام رضوى الشّربيني مؤكّدًا أنّ “الحكم على الفرد ليس من تكليف البشر، وأن الحجاب لا يمكن أن يكون أداةً للتمييز بين الأفراد أو كمعيار للحكم على مدى ايمان المرأة، والأفضلية لا تقاس بالمظهر والزي وإنّما بالتقوى، ولا يعلم التقوى إلّا الله”. وإذ اعتبر “أن الشّأن الديني له قواعده ولا يمكن لأي فرد أن يدخله وينصّب نفسه مفتيًا وداعيًا وصاحب صكٍّ للجنة والنار”، شدّد على أنّه “من الافضل أن يتصدّى للشؤون الاسلاميّة أصحاب التخصّص، وليس أصحاب المتابعات، حتى لا يتحول الامر الى ما يشبه السيولة”.
وفي معرض تعليقه على اعتبار البعض أن تصريح الشربيني يدعو إلى التّمييز والكراهية، اعتبر محمد أنه “لا بد من التفريق بين أمرين؛ الأوّل أنّ فرضية الحجاب أمر متّفق عليه دينيًّا، والأمر الثاني هو اعتبار الحجاب معيار للتمييز بين الأفراد”، مؤكّدًا أنه “لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يتحول الحجاب إلى أداة لتصنيف الناس أو التمييز بينهم أو الحكم على مدى إيمان الأفراد من خلاله”.
- دعوات لمحاربة العنصرية والتمييز
“الإعلامي يخلق وعي جمعي ورضوى متهورة”
مما لا شك فيه أنّ موقف الشربيني المتخيّز لقناعاتها الدينية، والمتجاهل لقناعات الأديان الأخرى ولمبادئ اللا دينيين، عكس تطرّفًا غير مسؤول وصفه البعض يأنه “عنصرية دينية” أتاحت لنفسها على أساسها تقييم الآخرين والتقليل من شأنهم من منطلق قناعاتها الشخصيّة.
“انتهى زمن سكوت العلمانية على العنصرية الدينية”، تقول آلاء التي اعتبرت كلام الشربيني “منطلق من عنصرية دينيّة” على حد تعبيرها، وتابعت “لو انتي شايفة انو اللي بالطرحة احسن منك، اتكلمي عن نفسك، بس متتكلميش عن ملايين من غير المحجبات اللى فيهم مسيحيات و ملحدات و لادینیات، و حتى مسلمات بعضهم عنده تفسير اخر للحجاب”. وإذ اعتبرت أنّه “لولا ضغط السوشيال ميديا، دولتنا الدينية مكانتش عملت كدة و حققت معاها”، مؤكدة على ضرورة “محاربة العنصرية، سواء كانت نابعة من الدين نفسه او من الفهم الخاطئ من المسلمين لدينهم”.
من ناحيتها انتقدت “زانو” ما وصفته بتهوّر رضوى الشربيني، قائلة “لا يروق لي اسلوبها، مشكلتها أنها بتتكلم باسم المجموعة”، معتبرةً أنّه “كان من الأجدر أن تتكلم عن نفسها فقط، انها متهورة ومندفعة جدًّا”.
وفي تعليقٍ على هاشتاغ “ادعم رضوى الشربيني”، علقت أمنية متسائلة “أدعمها لي؟ مش لازم لا تهين الحجاب ولا غير المحجبة، ده خطاب كراهية، ولا يحق لها ان تتكلم وتقول ده احسن من ده اصلا”، مضيفة “أنا متحجبة، ومقبلش تقول المحجبة أفضل من غير المحجبة، لان ديننا مش دين مظاهر”. تتفق معها علا المحجبة ايضًا “اسلوبها في تمييز واضح على اساس المظهر، ومحدش فينا عارف مكانته عند الله. اسلوبها ده هيخلي كثيرين يهاجموا غير المحجبات ويتنمروا عليهم”، منوّهةً إلى أن “الاعلامي يخلق وعي جمعي” ما يفرض عليه الحرص على تحمل المسؤولية الاجتماعية.
بدوره علّق أحمد “أول مرة أعرف أن اللباس مقياس لتقييم الناس والمفاضلة بينهم”، واتفق معه “سامر” الذي انتقد أسلوب الشربيني الذي “يدعي صلاحًا ويحدد المؤشرات الأخلاقية ويوعظ البشر في حين أنه هو نفسه لا يلتزم بما يقول”، معتبرًا أن تصريحها “يقع في خانة الأستذة والنفاق والبحث عن الشهرة”. من ناحيتها، أكّدت أريج على رأي سامر، معتبرة أنّ رضوى “حين وجدت أن برنامجها أصبح مملا ونمطيا قررت جذب باقي الفئات المجتمعية”.
- الداعية عبدالله رشدي يتضامن: “الأزهر قادم”
في المقابل، استطاعت الشربيني فعلًا أن “تجذب” نظر الكثير من الآراء الذكورية نحوها، وتستحوذ على دفاعهم وتهليلهم رغم استذكار اغلبهم لمواقفها السابقة واستنكارهم لها لأنها “لا تتفق مع مبادئنا الإسلامية والمجتمعية ” على حدّ تعبير أحد المعلقين الذي يتفق على تصريحها الأخير، في معرض رفضه لمواقفها الداعمة للنساء.
في هذا السياق وجد الداعية عبدالله رشدي فرصته في العودة إلى واجهة الجدل الإعلامي، بعدما تم إيقافه مؤخراً عن الخطابة بسبب تصريحاته المتطرفة. فمن خلال رسالة دعم وتضامن مع الشربيني، أرتأى رشدي التلويح مجددا بشعار “الأزهر قادم”، معتبرًا أن تصريحها “يستحق الدعم لا اللوم”، في معرض انتقاده لقرار إحالة الشربيني للتحقيق من قبل المجلس الأعلى لتنظيم الاعلام.
رشدي المعروف بخطاباته المتطرفة والعنصرية ضد المرأة، والذي سبق ووجهت له رضوى الشربيني نقدًا للرد على تصريحه المحرّم لعمل المرأة “لأنها خلقت للبيت وتربية الأولاد ورعاية جوزها” على حد تعبيره، يبدو أنه استهوته لعبة الترند وإثارة الرأي العام بين الحين والآخر.
يُذكر أنه تم إبعاد رشدي عن الخطابة بسبب آراءه المتشددة، بعد تصريحه الأخير الذي أراد من خلاله خلق غطاء شرعي للتحرش، قائلًا “ليس من الضروري أن تخرج فتاة بملابس لا تصلح للنوم ثم تشكو من التحرش”، ما أثار موجة من الانتقادات تعليقًا على خطاباته العنصرية المتكرّرة، ولكنه استمرّ بخطاباته المتطرفة عبر منبر التواصل الاجتماعي بعد منعه من منبر الخطابة.
بالعودة إلى “نظرية الحلوى”، لمَ يصرّ أصحاب المقاربات الشّاذة والمتطرّفة على تقديم أنفسهم كحشراتٍ تبرّر التّحرّش وتشرعنه بغطاءات دينية؟ ولمَ تتركها المرجعيّات المختصّة “حائمة” على أهوائها حول الترندات -وكلّ مشتقّات جمع المؤنّث السّالم- خدمةً للجمع المذكّر المعتلّ؟ ولمّا كان التحرّك للتّحقيق مع الشربيني مقصده نبذ خطابات التمييز، متى يتم التحقيق مع رشدي وأمثاله بسبب خطابات التمييز والكراهية والفتنة؟!