لاجئات سوريات في لبنان… ضحايا تحرش و أسيرات لقمة العيش
يستضيف لبنان منذ الحرب السورية مئات الآلاف من اللاجئين/ات السوريين/ات الذين فروا/رن من الحرب الدائرة في مناطقهم/ن، خسروا/ن أملاكهم/ن، وأموالهم/ن واتجهوا/ن للعمل في لبنان، نحو السهول والمشاتل والأراضي الزراعية، التي تحولت إلى مكان آخر تتحمل فيه النساء معاناة تتضاعف كونها الفئة الأكثر هشاشة.
رنا موسى نجحت بتأمين تكاليف دراستها وإعالة عائلتها بـعملها في الزراعة مقابل 20 ألف يومياً
من عمر التاسعة عشر ولمدة 5 سنوات اختارت رنا موسى وهي لاجئة سورية فلسطينية، أن تعمل في القطاع الزراعي، وتحديداً عندما بدأت دراستها الجامعية في مجال الإعلام. رغم صعوبة العمل وقلة المردود تصف رنا تجربتها بالفريدة من نوعها، فصاحب المشتل حيث كانت تعمل تساهل في دوام عملها لتنجح بالتوفيق بينه وبين دراستها الجامعية .
رحلة لجوء رنا إلى لبنان بدأت في العام 2013 عندما قُصِفَ منزلهم/ن في الشام وأصيبت في رأسِها و توفي اثنان من عائلتها، فاتجهت إلى مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، واضطرت للعمل في الزراعة بمدخول بلغ “20 ألف يومياً”، ومنه بالفعل نجحت في تأمين مصروفها و دخلٍ لعائلتها، خاصة أنَّها الأكبر بين أخواتها الثلاثة ومع تعرّض والدها لعارض صحي منعه عن العمل، باتت هي المعيلة.
رنا اليوم وبعد إنهاء دراستها الجامعية اختارت العمل في مجال اختصاصها، مع احتفاظها بشغفها في القطاع الزراعي و خبرتها اللذين يدفعانها للتفكير جدياً في إنشاء مشروعها الخاص في الزراعة بالتعاون مع مؤسسات تدعم وتمّول المشروع.
تختصر رنا تجربتها بالقول: “لم أتعرّض كثيراً للمضايقات في مكان العمل، كنت محظوظة و لكن ما كان يزعجني أحيانا، هي النظرة الدونية لعاملين/ات في هذا القطاع ، صبغة لون التراب على أظافري كانت تزعجني وكان المحيطون بي يعتقدون بأنَّها أوساخ “.
234 ألف لاجئ/ة سوري/ة يعملن في الزراعة في منطقة البقاع عدد كبير منهن/م نساء وأطفال
قصة رنا موسى والتي عاركت فيها الحياة وحدها، جميلة جداً عندما نقارنها بقصص عشرات اللاجئات اللواتي يعملن في المجال عينه.
من صيدا إلى البقاع شرق لبنان حيث القصص مختلفة هناك ، فبحسب أحدث دراسة بحثية للجامعة الأميركية عام 2019 ، يعتبر البقاع من المناطق الأكثر استقبالاً للاجئين/ات، حيث بلغ عددهم/ن أكثر من 234 ألف لاجئ/ة سوري/ة، عدد كبير منهن/م نساء وأطفال، وبحسب الدراسة عينها يعتبر اللاجئين/ات في البقاع الشرقي من أضعف الفئات السكانية حيث يعيش العديد منهم/ن في تجمعات عبارة عن خيمٍ في ظل فقر مدقع .
فاطمة العتر: فترة عملي في الزراعة هي الأصعب… إهانات وتحرّش وابتزاز جنسي
نصادف في سهول البقاع الكثير من اللاجئات السوريات والنساء اللواتي يعملن في السهول، وكلٌّ منهنّ لديها قصة عنف جسدي أو حتى ابتزاز جنسي تعرضنّ لها من قبل (الشاويش) أي المسؤول عن خيم اللاجئين/ات الذي/اللواتي يستقدمهم/ن إلى العمل/ أو من قبل أصحاب الأراضي الذين/اللواتي يعملون/ن فيها.
فاطمة العتر 45 سنة ،لاجئة سورية اضطرت للعمل في زراعة الأرض تحديداً في منطقة الهرمل الحدودية عام 2013 ،بعد هربها وعائلتها من منطقة القصير الحدودية.
تصف فاطمة هذه الفترة بالأصعب، تعرّضت للكثير من المضايقات والتحرش الجنسي من قبل صاحب الأرض، الذي كان يحاول التقرّب منها وعندما ترفض أو تصدّه كان يلجأ إلى طردها انتقاماً منها. تذكر فاطمة عملها لساعات طويلة، من الرابعة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر دون أيِّ استراحة، ويضاف إلى هذا التعب توبيخ، وشتائم ، من الشاويش تارة و منصاحب الأرض تارة أخرى. أمّا حالات العنف الجسدي والجنسي، فدائماً ما كان الأطفال وخاصة الفتيات ضحية وغالباً لا يستطعن الدفاع عن أنفسهنّ أو إخبار أهلهن عما يتعرضنّ له، لأنهنّ يحتجنّ للعمل أو خوفاً من عائلاتهنّ.
تقول فاطمة أن يوميتهنّ كانت حوالي 10 آلاف ليرة لبنانية، لكن أحياناً كثيرةً كان صاحب الأرض أو من (الشاويش) يرفض إعطاءهنّ أجرتهنّ أو في أحسن الأحوال يقتطع نسبة منها له (حوالي الألفين ليرة).
وتروي فاطمة عندما انتقلت للعمل من الهرمل إلى منطقة سعد نايل في البقاع أيضاً، وهناك كانت تجربة صعبة أيضاً، فرغم أنَّها لم تسمح لأولادها وخاصة بناتها العمل في الأرض، إلاّ أنَّ صاحب الأرض رأى ابنتها مرة مع والدها، فسارع إلى طلب يدها للزواج رغم أنها قاصر ولم يتعدى عمرها الـ 13 سنة وعندما رفضت العائلة تزويج طفلتها، طردهم من العمل ولم يدفع لهم الأجرة.
عندما أرى فتيات من جيلي يذهبنّ إلى المدرسة كان حلمي أن أدرس وأصبح معلمة مدرسة، لكنّي لم أستطع
جمانة ابنة الـ 18 عاماً، كانت تعمل في القطاع الزراعي منذ كانت في الـ 9 سنوات، نزحت إلى لبنان وتحديداً منطقة زحلة عام 2013 من منطقة حمص السورية. خسرت الطفلة والدها في الحرب السورية ووجدت نفسها بعمر التسع سنوات مسؤولة عن عائلتها وإخوتها الثلاثة مع والدتها .
بصوتها الطفولي تخبرنا جمانة كيف كانت تعمل من الساعة الرابعة صباحاً حتى السابعة والنصف مساءً، لقاء 7 آلاف ليرة لبنانية فقط أي أقل من دولار واحد، وأحياناً كثيرة ما كان (الشاويش) أو صاحب الأرض، يرفض إعطاءها المال، فتعمل بالسخرة وهذا غالبا ما يحصل مع الفتيات من جيلها حسب قولها.
تعرّضت جمانة خلال 6 سنوات من العمل للكثير من المضايقات و كان صاحب الارض غالباً ما يشتمها ويصرخ عليها تقول جمانة ” كنت أبكي دائماً ، أكره أن يصرخ عليّ أحد، وكنت أرفض أن يضربني أحد، ذات مرة تركت عملي لأنَّ صاحب الأرض ضربني كنت حينها بعمر الـ 13 سنة “. وعن أكثر ما يُحزِنها تقول فاطمة: “الإستيقاظ باكراً في الشتاء كان قاسياً وعندما أرى فتيات من جيلي يذهبنّ إلى المدرسة كان حلمي أن أدرس وأصبح معلمة مدرسة، لكنِّي لم أستطع، أنا قوية لكنَّني تعبت في هذه الفترة ويستحيل عليّ أن أعود للعمل في الزراعة”.
فضلن العيش خارج المخيمات لأنها بيئة غير آمنة للنساء.
من زحلة إلى قرية طبشار البقاعية ، تسكن عائلةٌ سوريةٌ من 6 أشخاص في غرفتين من دون أدنى مقوّمات العيش، وتعمل النساء في الأرض الملاصقة لمنزلهنّ من الساعة الرابعة صباحاً حتى الـ 1 ظهراً. فضَّلت هذه العائلة عدم السكن في المخيم لأنَّها تعتبره بيئةً غير آمنة للنساء حسب ما قال الرجل “أنا بخاف على بناتي “. ولكن هنا في طبشار تبقى العائلة عرضةً للإستغلال من قبل صاحب الأرض. تروي لنا جليلة وهي الزوجة عمرها 28 عاماً كيف كانت تعمل في الأرض مع بناتها، قبل ولادتها بيومٍ واحد “كنتُ أجلس القرفصاء وأعمل بالشتلات رغم التعب وذلك بسبب حاجتنا للمال” ، وعادت جليلة إلى العمل بعد 4 أيام فقط على ولادتها، لأنَّ الموسم في الأرض كان مثمراً والبنات كنَّ يحتجنَّ إلى المساعدة، وهذا الأمر سبَّبَ لها عوارض صحية والتهابات في رحمها، فاضطرت للعودة إلى المستشفى، والتكلُّف مادياً رغم تدهور وضعها الاقتصادي. أجرة جليلة و بناتها الإثنتين تتراوح يومياً بين 6000 إلى 9000، أي ما يعادل فقط الدولار الواحد في اليوم، ونظراً لغلاء الأسعار تعجز العائلة عن تأمين كُلِّ مستلزماتها خاصة الحليب والحفاظات للطفلين تقول جليلة :”رغم الغلاء لم يدفعوا يومية المزارع حتى لو طالبنا بذلك حالنا كالبقية في المنطقة، لا نستطيع تأمين المستلزمات لأولادنا، رغماً عني أعمل في الزراعة مهنتي الأساسية هي الخياطة و لكن لم أجد عملاً في لبنان وزوجي تعرَّض لجلطة دماغية وعاجز عن العمل في الأرض.”
رولا زعيتر لشريكة ولكن… النساء والأطفال، الفئة الأكثر تضرراً بين اللاجئين/ات السوريين/ات
تعليقا على هذه القصص والمعاناة تحدثنا إلى رولا زعيتر المسؤولة عن الخط الساخن في التجمع النسائي الديمقراطي، فتقول في حديث لموقع “شريكة ولكن”، أن عمل النساء والأطفال في القطاع الزراعي في البقاع هو عادة موسمية اذا أمكن القول و غالباً ما كانوا/ن يأتيون/ين في مواسم الحصاد في بداية فصل الربيع، ولكن بالتأكيد الأعداد تزايدت بعد الحرب في سوريا. وعن المضايقات والإنتهاكات التي تتعرّض لها النساء السوريات خلال العمل تقول رولا زعيتر أنَّ النساء والأطفال هم/ن الفئات الأكثر تضرراً بين اللاجئين/ات السوريين/ات . وأضافت رولا أن الجمعيات النسوية والناشطين/ات غالباً ما يَصعب عليهم/ن رصد هذه الإنتهاكات لأنَّ النساء والفتيات يرفضن ويفضلن عدم الشكوى نظراً لتهديدهنّ بخسارة عملهن أو نظراً للذهنية الذكورية الراسخة أحياناً لدى العائلات والتي تحملهنّ المسؤولية دائما. وأوضحت زعيتر أنَّ الدور الأساسي للجمعيات هنا هو التوعية على هذه الممارسات، وأنَّ في مخيمات اللجوء هناك العديد من الانتهاكات التي تتعرّض لها اللاجئات عدا عن العنف الجسدي و التحرش، ناهيك عن ظاهرة تزويج القاصرات. وتختم حديثها بالكشف عن مؤامرات عديدة تُخاض ضد النساء والفتيات بين صاحب الأرض والشاويش اللذين يرتكبان العنف والانتهاكات الجسدية والنفسية واللفظية وأحيانا كثيرة يحرمهنّ من أجرتهنّ.