عن معارك الأمهات… أم تناشد “اتحاد حماية الأحداث”: انصفوا ابنتي!
إحدى عشر عامًا من الشقاء دونما تذمّر. لم تكن “س.ح”، أمّ لفتاة تبلغ من العمر إحدى عشر عاماً، تعلم أنّ أحدًا سيتمكن من سلبها أمومتها بعد أن تنازلت عن كامل حقوقها مقابل الاحتفاظ بالحضانة المطلقة لابنتها، إلى أن وردتها مكالمة هاتفيّة مفاجئة من محكمة الأحداث في مدينة صيدا لإبلاغها بدعوى ضدها تفيد بعدم أهليتها لتربية ابنتها وتقضي بتسليمها إلى والدها.
على غير المألوف في الآونة الأخيرة وعلى الرغم من أن الرائج في معاناة الأمهات هو الصراع القديم الجديد مع المحاكم الشرعية، إلا أنّ بوصلة الصراع في هذه القضية اتجهت نحو محكمة مدنية.
“س.ح” هي سيدة لبنانية حصلت على الحضانة المطلقة لابنتها بعدما قام والد الطفلة بتطليقها ومساومتها على حضانة ابنتها للتنازل عن حقوقها المادية. حصلت الوالدة على قرار قضائي من قبل “محكمة صيدا الشرعية السنية” في عام ٢٠١٢، يقضي بحق الحضانة المطلقة لابنتها _حتى بعد تجاوز سن الحضانة_ وذلك مقابل تنازلها عن كامل حقوقها الشرعية المترتبة على قرار الطلاق، لتتفاجأ الأم بعد إحدى عشر عام بقرار من قبل محكمة الأحداث التابعة لقصر العدل في صيدا يقضي بتسليم الطفلة لوالدها. كيف حدث ذلك؟
الأب لم يطالب بابنته منذ 11 عاماً، ولكن ظلم ذوي القربى أشد مرارة!
خلافٌ شخصيٌّ مع شقيقتها، دفع الأخيرة للادعاء أمام محكمة الأحداث بأن اختها “س.ح” ليست جديرة بتربية ابنتها، على حدّ تعبير صاحبة القضية. “منذ إحدى عشر عاما أعيلها لوحدي بما أجنيه من تعبي. عملت في عدة مهن لأعيلها، ولم أدخر جهدا لأؤمن لها حاجاتها من دون أن أحتاج أحد” تقول س.ح، وتتابع: “نعم أعيش مع ابنتي _على أد حالي_ ولكنني لم أحرمها من شيء. ولكن اليوم محكمة الأحداث في صيدا تحكم بأنني لا أمتلك الأهلية لاحتضان ابنتي وتقضي بتسليمها لوالدها رغم تقديمي كل المستندات اللازمة لإثبات أهليتي”، متابعةً “يطالبونني ببيت وأثاث ينطبق عليه المواصفات المطلوبة من قبل المحكمة. أنا أبذل كل ما بوسعي من خلال العمل بتنظيف المنازل لتأمين عيشة كريمة لابنتي. طلبوا بيت، في من كل شي، كأنو أنا قدرتي أمّن بيت بمواصفات عالية من دون ما الأب يقدم شي! أنا عايشة ع أدي وراضية”. حول سبب تصرف شقيقتها تقول: “لقد تفاجأت باتصال من قبل مندوبة الأحداث تبلغني بالقرار، ولم أتوقع أن تكون أختي خلف الدعوى. نعم هناك خلاف بيننا، ولكن لا علاقة لابنتي بالموضوع، وأنا بالاصل لم أكن أسكن معها في نفس المنزل. على الرغم من أنها تتهجَّم عليّ وعلى ابنتي، وأحياناً تتعرّض لنا بالأذى، إلا أنني أحاول مراراً أن أتجنبها لكي لا تتعرض لابنتي، حتى أنني استأجرت منزلاً بعيداً عنها لكي أبعد ابنتي عن هذه الأجواء”، لافتة إلى أن شقيقتها “قامت بتصوير المنزل في غيابي، وقدمت صوراً للمحكمة لتقول بأنه غير صالح لسكن ابنتي ولتنشئتها، لتحكم المحكمة على أثر هذه الدعوى بقرار تسليم الفتاة لوالدها”.
حاول التنصّل من الاعتراف بابنته ليتهرّب من دفع النفقة!
اللافت في هذه القضية، أنّه لم يكن الوالد من ادّعى على طليقته في سبيل أخذ ابنته أو من أجل تأمين المعيشة اللائقة لها، على العكس من ذلك، فهو في الأصل لم يبد أي نية للأمر قبل تاريخ الحكم. فخلال الإحدى عشر عاما، لم يتعرّف الأب على ابنته، “حتى أنه حاول التنصّل من علاقته بابنته ليتهرّب من دفع نفقتها” بحسب السيدة التي تشير إلى أنه وضعها في موقف محرج ومسيء حينما “رفض الاعتراف بها وطلب إجراء فحص الحمض النووي ليثنيني عن المطالبة بالنفقة”. لم يكتفِ بالطعن بـ”شرفها” للمساومة على نفقة هي من حقّ ابنته حتى اضطرت لإجراء الفحص، بل تجرّأ على مساومتها على ابنتها كوسيلة للتنازل عن الحقوق الشرعية لحصول الطلاق والتنازل عن حق رد الاعتبار الذي كسبته قانونياً بعد إجراء الفحص.
“حكم القاضي لي بمبلغ سبعة آلاف دولار رد اعتبار، وتنازلت عن الدعوى ضده وعن المبلغ مقابل المحافظة على حضانة ابنتي” تؤكد الأم التي تتخوّف من خسارة ابنتها بأي لحظة بموجب تنفيذ قرار محكمة الأحداث. وتتابع: “طوال المدة الماضية لم يسأل عن ابنته أبدًا، ولم يأت لرؤيتها، ولم يحمل أي جزء من المسؤولية”، مؤكدةً “لم يسدّد النفقة إلا لعامٍ واحدٍ خلال مدة إحدى عشر عام، ولم يكن ليسددها لولا المتابعة القانونية والتهديد بالسجن. وعلى الرغم من ذلك لم يلتزم إلا لسنة”.
“س. ح” : “شو جريمتي يلي بتخليني اخسر بنتي يلي ربيتها ١١ سنة لحالي؟”
تبلّغت الأم في بداية شهر كانون الأول ٢٠١٩ بقرار تسليم الطفلة لوالدها، “قبل أن يتم استجوابها هي وابنتها” على حد تعبيرها. “صدر الحكم، قبل أن يكشفوا على منزلي حتى. ومن ثم تم استدعاء الوالد وإبلاغه بقرار استلام ابنته، دون أن يتم التحقّق من أهليّته”، وفق ما تشير الوالدة التي تتولّى مسؤولية رعاية ابنتها لوحدها منذ ولادتها، وتتابعها ماديًّا ومعنويًّا ونفسيًّا وتربويًّا بشكلٍ منفرد ودونما أدنى متابعة أو حتى سؤال من الوالد. توضّح السيدة أنه “في البداية صدر القرار قبل مقابلتي ومقابلة ابنتي، ومن ثم قدمت كلّ الوثائق التي طلبوها، من ضمنها صوراً للمنزل. حتى أن المؤسسة التربوية التي تتابع ابنتي قدمت وثائق عن متابعتي لها وعن حالة ابنتي الدراسية والتربوية”، لافتةً إلى أن الأمر لم يتغير بعد مقابلتها وابنتها وبعد تقديم الوثائق. وحول وضع منزلها تقول: “البيت على أدي، ما بينشّ ولا مفتوح، ما في عفش جديد بس ساترني أنا وبنتي. عايشة من تعبي، بصرف عبنتي من عرق جبيني، وما محتاجين حدا. شو جريمتي يلي بتخليني إخسر بنتي يلي لحالي حاملة مسؤوليتها؟”، تقول بحرقة أمٍ تبذل كل ما لديها للمحافظة على حضانة ابنتها، متساءلةً “حسنًا، حكموا بأنني غير أهل لتربية ابنتي، واعتبروا بأن البيت غير صالح، طيب، كيف حكموا بأن الوالد أهل لهذه المسؤولية من دون حتى مقابلته؟ فقط قاموا باستدعائه وإبلاغه وهو وافق على استلامها”، على حدّ تعبيرها.
عن قلق الأم: كيف لمحكمة تهتم بالأحداث أن لا تنظر بوضع ابنتي النفسي خلال عام كامل من القلق؟
قلقٌ شديد تعيشانه كلّ من الأم وابنتها منذ تبلّغها القرار قبل عام، يرافقه استهجان كبير حيال قرار يخصّ الأحداث لم يأخذ بعين الاعتبار مخاوف وحاجات الإبنة الحدث بعين الاعتبار. “ابنتي تعيش بقلق التنفيذ في أي لحظة. كيف لمحكمة تهتم بالأحداث أن لا تنظر بوضع ابنتي النفسي خلال عام كامل من القلق”، تقول الأم التي تم استدعاؤها مع ابنتها إلى محكمة الأحداث في صيدا في نهاية عام ٢٠١٩ للنظر في قضية “أهليّتها لتربية ابنتها”. “لقد استدعت القاضية ابنتي لتبلغها القرار! حاولت أن أشرح للقاضية إلا أنَّها لم تسمح بسماعي لأكثر من دقيقة وجلست مع ابنتي لوحدها وأخبرتْها بأنَّ عليها أن تنتقل للسكن مع والدها”، تقول السيدة مشيرةً إلى أنّ “هذا الموقف لم يكن سهلا على ابنتي. هم هكذا يعذبون طفلتي. طوال سنة تعاني من قلق شديد بسبب القضية، ولا تزال تعاني من خوف الابتعاد عني رغم أن المحامي طمأننا لامكانية رفضها في حال طلب الوالد تنفيذ الحكم”، معبّرةً عن ازعاجها مما اعتبرته “معاملةً لا انسانية من القاضية التي لم تأخذ مخاوف ابنتي الحدث وقلقي كأم بعين الاعتبار”. واقعٌ أفقد الأم الثقة بتحقيق العدالة لابنتها أمام محكمة “من المفترض أنها تنصف الأولاد وتهتم باحتياجاتهم المعنوية والنفسية”، مطلقة صرخة القلق والخوف والعتب باتجاه محكمة الأحداث: “يقولون محكمة الأحداث أنصفت الأطفال؟ عن أي إنصاف يتكلمون؟ هل هكذا ينصفون ابنتي؟ ألا يفكرون بتبعات الحكم على صحتها النفسية منذ صدور الحكم قبل سنة حتى اليوم. أنا أخبرتهم بكل التفاصيل إلا أنهم لا يعيرون قلقي أي اهتمام”.
مناشدة لاتحاد حماية الأحداث: “أوقفوا القرار لنتمكن من المطالبة بنفقة ابنتي”
وإذ تلفت الأم إلى أن “قرار التسليم ساهم في إبطال حقي بالمطالبة بنفقة ابنتي”، تؤكّد أنّه “إذا تم إبطاله، يمكنني استعادة الحق بالمطالبة بنفقة ابنتي التي كان لقرار الاسترداد دور بإبطالها. لعلّي حينها أتمكن من تأثيث منزلي بمواصفات سكنية أفضل تقبل بها المحكمة”، مناشدةً اتحاد حماية الأحداث في لبنان والجهات المعنية لأن “تتدخل للبتّ بالقضيّة بأسرع وقت، حتى نتخطى أنا وابنتي هذا القلق وأتمكن من استرجاع حقِّها بالنفقة”.
تتابع الأم قضيتها لدى محامٍ مختصّ، إلا أنها تتخوف من أن تطول مدة المحاكمة أكثر، أو أن يتم الدخول في معركة تنفيذ القرار في أي وقت.
بين مطرقة الأوضاع المعيشية والاقتصادية السيئة وسندان الظروف الاجتماعية الصعبة، تحارب كل من الأم وابنتها قرار محكمةٍ يقضي بفصلهما عن بعضهما البعض، لإلحاق الإبنة بوالدٍ لم يتحمل مسؤوليته الأبوية طيلة الفترة السابقة. حكمٌ كلّ ما فيه يدعو إلى الغرابة: أمٌّ لم يتم مقابلتها قبل صدور القرار، طفلة قاصر وهي محور القضية التي لم يؤخذ قلقها بعين الاعتبار، وفوق ذلك والدٌ يُحكمُ لصالحه باحتضان ابنته رغم عدم التقائه بها وتهرّبه من مسؤوليتها طيلة إحدى عشر عاما، وجد في هذا القرار مخرجًا قانونيًّا للتخلّف دفع نفقة ابنته! حكمٌ نضعه في عهدة الرأي العام والجهات المختصة، إلى حين إنصاف الطفولة التي أضحت كرة تتقاذفها المحاكم الشرعية والمدنية بلا رحمة.