نساء وفتيات السودان لسن بأمان
نساء وفتيات السودان لسن بأمان. هذا ما تقوله الأخبار الآتية من هذا البلد. وهذا ما يشير إليه تجدد التحريض على العنف الجنسي تجاههن، وتزايده في الفترة الأخيرة.
“هذا التحريض أدى إلى نشر خطاب كراهية ضد النساء، فأصبح بإمكان أي رجل غريب في الشارع أن يعتدي بالضرب على امرأة أو فتاة لأن شعرها أو ملابسها لا تعجبه”. هكذا لخصت الناشطة النسوية السودانية تهاني عباس ما تعانيه السودانيات، في مقابلةٍ خاصة لموقع “شريكة ولكن”.
وأضافت أن “انعدام الأمن الموجود في البلاد ضاعف مخاوف النساء والفتيات على حياتهن، خصوصاً مع توثيق انتهاكات عدة وحوادث قتل. كما يزيد من مخاوفنا كنسويات ومدافعات عن حقوق الإنسان”.
كيف بدأت حملة التحريض الأخيرة؟
في آذار/مارس الماضي، دعا مدير شرطة ولاية الخرطوم إلى إعادة العمل بقانون النظام العام.
تسببت هذه الدعوة باعتداءاتٍ فعلية وبظهور عددٍ من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تحرض على العنف ضد المرأة، بما في ذلك “الجلد والحرق الكيميائي لتشويه وجوه النساء”.
عزلت وزارة الداخلية في وقتٍ لاحق مدير شرطة الولاية من منصبه. لكن عباس أكدت أن “التقارير أفادت بوقوع اعتداءاتٍ لفظية وجسدية على النساء في الشارع في الخرطوم”.
لم يمر أكثر من شهر على هذه الحوادث، حتى نزل عدد كبير من النساء في الخرطوم إلى الشوارع احتجاجاً على العنف والتمييز ضد المرأة. وسرن إلى وزارة العدل ووزارة الداخلية ومكتب النائب العام.
تضمنت مطالب “الموكب النسوي” إلغاء القوانين والسياسات التمييزية ضد المرأة وعلى رأسها قانون الأحوال الشخصية وإلغاء ولاية الذكور ومنح المرأة حق الطلاق والمساواة في الميراث.
كما تطرق البيان إلى ضرورة تجريم زواج القاصرات والزواج القسري والعنف المنزلي والاغتصاب الزوجي وحرمان الفتيات من التعليم والتحرش الجنسي.
وطالبن بمشاركة النساء في مراكز الحكم جميعها بالمناصفة على الأقل، وبتعديل القانون للسماح للمرأة بالترشح نيابةً عن مجتمعها وليس فقط ضمن اللوائح النسوية.
وبحسب عباس “تعرضت النساء في المسيرة لاعتداءاتٍ من قبل مجموعة من الرجال. وحاول رجل دهس مجموعةٍ من المتظاهرات بسيارته. وكانت ردة فعل الشارع عنيفة ضد النساء، وحرضت شرطة الخرطوم من خلال مواقع التواصل على النساء وانتشرت حملة #جهز_سوطك”.
هذه الانتهاكات وغيرها، وثقها تقرير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الجزء الخاص بـ”حقوق الإنسان الواجبة للمرأة”، الذي شاركت تهاني عباس في إعداده أيضاً، وصدر منذ أيام.
التقرير الذي أثار مخاوف عدة على حياة وأمان النساء أكد أن “الشرطة أبلغت بهذه الحوادث وقبض على الجناة وحوكموا”. غير أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان “لا تزال قلقة من التقارير التي تفيد أن المعتدين نفذوا أعمالاً انتقامية ضد النساء اللاتي أبلغن الشرطة”.
كما أفاد بورود تقارير عن حالات عنف جنسي وجنساني ضد النساء والفتيات في أنحاء أخرى من البلد.
ومن الحالات التي وثقها أيضاً في شهر نيسان/أبريل، اغتصاب جماعي لشابة في العشرين من عمرها على يد مجموعةٍ من الرجال. فيديو الحادثة التي وقعت في ولاية النيل الأزرق، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وأثار مخاوف واسعة النطاق بين النساء.
في هذه الواقعة، بحسب المفوضية، “عانت الضحية من الصدمة والوصم بسبب تأخر العلاج النفسي والطبي وبث الفيديو على مواقع متاحة لعامة الجمهور. وقبض على اثنين من المشتبه بتورطهم في الجريمة وما زالت السلطات تبذل جهودها لاعتقال بقية المشتبه فيهم”.
الحكومة تنتهك كرامة النساء
“الحكومة الجديدة هي من تنتهك حقوقنا وتعرض أمان النساء للخطر. ومشكلتنا الأساسية في القوانين قبل أي شيء “، قالت عباس في حديثها لموقعنا.
وعددت هذه الانتهاكات التي تبدأ من “الوثيقة الدستورية التي تنص على أن تعطى نسبة 40% للنساء في هياكل السلطة وتحديداً المجلس التشريعي، لكن المجلس لم يتشكل حتى اليوم. وهذا يعني أن النساء غير ممثلات بتاتاً في هياكل السلطة حالياً”.
كما أكدت أن “نسبة النساء في الحكومة الجديدة بشكلٍ عام سيئة ولا تقارن مع نسبة الرجال فيها أبداً”.
فالمجلس السيادي يتضمن 13 رجلاً وسيدة واحدة فقط، ومجلس الوزراء يضم 4 وزيرات مقابل 26 وزيراً. أما مجلس الشورى، ففيه سيدة واحدة فقط. كذلك المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وهو قوى الثورة، يتضمن سيدة واحدة.
لذلك، شددت عباس على أن “الحل يبدأ من تغيير القوانين التي تنتهك كرامة وحقوق الفتيات والنساء، ويعد أبرزها قانون الأحوال الشخصية. كما يجب إصدار تشريعاتٍ جديدة تضمن هذه الحقوق، مثل إنهاء زواج الأطفال ورفع سن الزواج القانوني والمساواة في الميراث وغيرها من المسائل”.
لكن يبدو على أرض الواقع أنه حتى مع تغيير القوانين أو إصلاحها فإن الأمان لن يسود بين السودانيات، سيصطدم دائماً بجدار ذكورية المجتمع الذي لن تتغير نظرته إلى المرأة في القريب العاجل.
كما أن عدم وجود آليات مساءلة ومحاسبة في نظام العدل السوداني، يمنع حصول النساء والفتيات على العدالة والإنصاف.
والدليل كان ردة فعل الشارع السوداني على موافقة مجلس الوزراء على توصية بالانضمام إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في 27 نيسان/أبريل 2021. سرعان ما بدأ الخطاب المناهض للاتفاقية بالانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي، وحمل تمييزاً وتحريضاً مباشراً على المرأة.
ثم تبعه بعد شهر تقريباً، إعلان مجمع الفقه الإسلامي في السودان أنه “لا يجوز التوقيع على الاتفاقية أو الانضمام إليها”.
من جهةٍ أخرى، لا يوجد في السودان آليات فاعلة لحماية المرأة التي تتعرض للعنف، فالقوانين تمنع الناجيات من الوصول إلى العدالة ولا توفر لهن الدعم النفسي والطبي ولا مراكز الحماية اللازمة في هذه الحالات.
أين أصبحت حقوق المرأة بعد الثورة؟
منذ كانون الأول/ديسمبر 2018 كان صوت النساء هو الأعلى في السودان، على الرغم من كل الدموية التي واجه بها النظام المحتجين والمحتجات.
لكن ذلك لم يسكت السودانيات بل زاد قوتهن وفاعليتهن على الأرض، فكن ينظمن التظاهرات ويترأسنها. وشكلن عنصراً أساسياً في إسقاط النظام القديم الذي قيد حركتهن وحريتهن في اللباس والتعبير وكل أشكال الحياة.
لكن المرأة السودانية ما زالت تطالب بأبسط حقوقها في الحياة التي لم تحصل عليها بعد نحو ثلاث سنوات على الثورة، وحتى بعد توقيع مجلس الوزراء على اتفاقية سيداو. فقد تحفظ على 3 مواد، اثنين منها تخص المرأة.
وهي المادة 2 المتعلقة بالمساواة وتجريم العنف ضد المرأة، والمادة 16 المرتبطة بقانون الأحوال الشخصية.
هذه التحفظات كشفت أن الحكومة ربما وافقت على التوقيع على الاتفاقية لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي فقط، وليس للحفاظ على حقوق وكرامة المرأة السودانية. وإلا لم تكن لتتحفظ على مواد مهمة جداً، سعت المرأة السودانية منذ بداية حكم عمر البشير وحتى بعد سقوطه، أي مدة 30 عاماً، لانتزاعها. ودفعت ثمناً باهظاً في سبيل حصولها على الحق في أن تكون مساوية للرجل في كل شيء. وما زالت الناشطات النسويات والمدافعات عن حقوق الإنسان تواجهن تحدياتٍ كثيرة لتحقيق مكتسبات ثورتهن.
كما كشفت عن الهوة الكبيرة بين أي محاولة لإصلاح القوانين لضمان حقوق النساء وبين المجتمع السوداني المحافظ. فهو يرى المرأة، حتى الغريبة عنه، كملكيةٍ شخصيةٍ له الحق في تأديبها وتربيتها وفضحها ووصمها اجتماعياً، في حال لم يعجبه سلوكها.