النساء و الرياضة: تحدي الذكورية والمجتمع
تلتهب الملاعب. يصرخ الجمهور. يكاد المعلق أن يفقد أعصابه من كثرة الحماس والإفراط في التهويل. “إنه فوزٌ من أجل الوطن. وهم رجال الوطن. وبين الشوطين، استراحة طويلة من الإعلانات والوقفات التبجيلية والعلامات التجارية التي تتحول إلى ماركات تسويقية عن حب الوطن والرياضة وعشق الفوز.
هكذا يكون الحال في تغطية المباريات ومسابقات الفرق الرياضية التي يمثلها الرجال حصراً.
أما في تغطية مباريات فرق النساء، فهن يحققن الفوز، يرفعن الكؤوس ويمثلن الوطن. ولكن بصمتٍ تام. فتختفي الإعلانات ويغيب النقل المباشر لأنشطتهن.
فأي زمنٍ من المساواة نعيشه؟ وما هو وضع اللاعبات النساء في هذه الرياضة؟
ريبيكا عقل .. العالم غير منصف بحق النساء الرياضيات
“العالم أجمع غير منصف بحق النساء في الرياضة خصوصاً في الدول العربية، حيث ترتفع اللامساواة 3 أضعاف. على الرغم من أن النساء قادرات على تحقيق نتائج ناجحة كالرجال”. هكذا لخصت لاعبة كرة السلة اللبنانية ريبيكا عقل واقع الرياضيات والتمييز بحقهن في حديثٍ خاص لموقع “شريكة ولكن”.
عدم المساواة والتمييز عاملان يلاحقان النساء في كفاحهن اليومي في جميع أنحاء العالم، وعلى مستوياتٍ عدة منذ عقود، ومن ضمنها المجال الرياضي.
فتواجه الرياضيات تمييزاً كبيراً دفع لاعباتٍ كثيرات إلى رفع صوتهن والمطالبة بمعاملة متساوية مع الرجال في الرياضات المختلفة.
ونظمن حملاتٍ في دولٍ عدة للمطالبة بالمساواة في الأجور مع الرجال والتغطية التلفزيونية المتساوية.
فإذا نظرنا إلى التغطية التلفزيونية، نلاحظ أن مباريات فرق النساء لا تنقل على الهواء مباشرةً. وهذا ما أكدته ريبيكا، التي فازت مع فريقها النادي الرياضي بيروت ببطولة كرة السلة لهذا العام.
وتضيف أن “مباريات الرياضيات لا تعطى أهميةً مقارنةً بالرجال، فلا يُنقل منها إلا المباريات النهائية فقط”.
هذا ما تعانيه لاعبات كرة السلة
في مجال كرة السلة يعتبر عدم المساواة في الأجور أبرز عوامل التمييز التي تعاني منها اللاعبات مقارنةً بالرجال.
وقد سلطت الصحافة العالمية الضوء على هذه المشكلة، حين أظهرت للعلن رواتب كل من سو بيرد لاعبة المنتخب الأميركي للنساء ولاعب الـNBA ليبرون جيمس.
فاتضح أن كليهما حاصلان على عدد الألقاب نفسه ويملكان الخبرة عينها في عدد سنوات اللعب، لكن المفاجأة كانت أن بيرد تتقاضى 37 ألف دولار في السنة، بينما يحصل جيمس على راتب قدره 37 مليون دولار أميركي سنوياً.
هذا في كرة السلة العالمية، أما في لبنان فالوضع كارثي ومأساوي على جميع المستويات. والنساء تقاتلن يومياً لنيل حقوقهن وفرض وجودهن وتاكيد تأثيرهن، ومحاربة ذكورية المجتمع والدولة والدين والمؤسسات.
وقد دفع الفرق شاسع بين أجور اللاعبين و اللاعبات في الدوري اللبناني بعددٍ من اللاعبات إلى مزاولة مهنٍ أخرى ليستطعن الصمود معيشياً في بلدٍ ضاعت فيه حقوق وأحلام مواطنيه ومواطناته. وهذا ما يؤثر سلباً على أداء اللاعبات ومستوى اللعبة.
من جهتها، تسأل ربيكا عن “سبب هذا الفرق الشاسع غير المبرر في الأجور خصوصاً أن اللاعبات يبذلن جهداً كبيراً مثل الرجال في التمارين ويكرسن حياتهن لهذه الرياضة. وبالتالي تستحق النساء زيادةً في الرواتب تنصف مجهودهن”.
قد لا تعني هذه المسألة للكثيرين أمام الواقع الحالي الذي نعيشه. وقد يفسر البعض المطالبة بحقوق اللاعبات على أنها قسط كبير من الرفاهية، في بلدٍ لم يعد قادراً على توفير معظم حقوق مواطنيه ومواطناته.
ولكن إذا كنا سنناقش حقوق المرأة، فعلينا أن نعطي مساحة لجميع النساء العاملات في مختلف المجالات و كرة السلة واحدة منها. حقوق النساء ليست أمراً ثانوياً وليست هدايا يجري تنقيطها وتقسيطها في سلة المكتسبات. هي حقوق أساسية وضرورية وبديهية ولا تتجزأ.
التحديات والصعوبات
عشقت ريبيكا كرة السلة منذ صغرها. وكانت تشاهد شقيقيها الأكبر سناً منها يمارسان هذه الرياضة. وتقول إنهما “ساعداها في صقل موهبتها حين كانا يعلّمانها ما تدربا عليه في المدرسة من تقنية اللعبة وقواعدها”.
لكن، حتى الفتيات الصغار لم تسلمن من التنمر في صغرهن لمجرد اختيارهن هوايةً اعتبرها المجتمع حكراً على الرجال. وفي هذا الشأن، تؤكد ربيكا أنها “تعرضت للتنمر و المضايقات من غرباء وحتى من أصدقائها الذين علقوا على ممارستها للعبة كرة السلة بأنها رياضة غير مناسبة للفتيات والنساء”. استطاعت عقل أن تثبت أن لاعبات كرة السلة اللبنانية قادرات على المنافسة عالمياً، خصوصاً بعد احترافها في الدوري اليوناني الذي “تعلمت منه الكثير داخل وخارج الملعب ونضجت كثيراً كلاعبة”، بحسب تعبيرها.
بينما تشير إلى أن “اللاعبات في الدوريات الأوروبية يعاملن باحتراف في جميع المجالات، و هذا هو الفرق بينهن وبين طريقة التعامل معنا في الدوري اللبناني”.
تعتبر الفرق اللبنانية من أفضل الفرق في العالم العربي وآسيا. وعلى مدى الأعوام السابقة، حصدت فرق النساء في هذه الرياضة ألقاباً عربيةً وآسيويةً عدة.
لكن، كما يبدو فإن لاعبات كرة السلة تعانين من تهميشٍ وإجحافٍ كبيرين لن ينتهيا قريباً.
وفي حين ما يزال الإقبال الجماهيري على مباريات كرة السلة للرجال هو الأعلى، فإن “نسبة الجمهور الذي يتابع فرق كرة السلة للنساء تزيد من موسمٍ إلى آخر. وارتفعت في السنوات الماضية أكثر خصوصاً بعد تحقيق اللاعبات وفرقهن ألقاب ونجاحاتٍ عدة خارج لبنان”، تشير ريبيكا.
وإذا ألقينا نظرةً إلى المدارس و الأندية، سنلاحظ أن فتيات كثيرات يهوين رياضة كرة السلة ويرغبن في مزاولتها. لكن أحلامهن تصطدم وتتبدد عند رؤيتهن لعدم اهتمام المسؤولين بالفرق النسائية في هذه الرياضة والنظرة الذكورية للنساء التي تعطي المجتمع الحق بأن يضع عوائق نفسية واجتماعية لدخولهن إلى هذا العالم واحتراف الرياضة.
ولهؤلاء الفتيات الحالمات، تقول ربيكا: “لا تفقدن الأمل وحققن حلمكن باحتراف كرة السلة عبر احترام هذه الرياضة و المدربين/ات و المواظبة على التمارين و تقبل النقد البناء”.