المرشحات العراقيات.. عنف انتخابي وقوانين عاجزة عن حمايتهن
تخوض الانتخابات العراقية المقرر إطلاقها في 10 تشرين الأول/أكتوبر نحو 951 مرشحةً من إجمالي عدد المرشحين/ات البالغ 3249 من مختلف المحافظات العراقية. تتنافس جميعهن على 83 مقعداً في مجلس النواب، علماً أن عدد المقاعد المخصصة للنساء تم تحديدها وفقاً لنظام الكوتا الوارد في دستور العراق عام 2005 والنافذ في المادة 49 الفقرة الرابعة، التي حددت نسبة ثابتة للتمثيل النسائي في مجلس النواب بما لا يقل عن 25%، وهي نسبة ربع عدد أعضاء المجلس.
بينما حصلت النساء في انتخابات عام 2018 على 84 مقعداً من مجموع 329 في المجلس، انتخب بعضهن خارج نظام الكوتا بعد أن حققن أصواتاً انتخابية مرتفعة.
لكن هذا الأمر لا يعني أنه يسهل عليهن الترشح إلى الانتخابات في مجتمع لا يتقبل وجود النساء في المساحات العامة المختلفة. فيمارس ضدهن مختلف أشكال العنف من التهديد والتشهير وتمزيق وإتلاف إعلاناتهن الانتخابية.
عنف قديم يتجدد
“لم أكن أتوقع أن تسرق لوحاتي الدعائية وعندما تلقيت أول اتصالٍ هاتفي شعرت بالإحباط وحزنت كثيراً، خصوصاً بعد تكرار الأمر، فقد قضيت وقتاً طويلاً لادخار مبالغ تلك اللوحات”. هكذا لخصت المرشحة إلى الانتخابات الحالية نور نافع الجليحاوي واقع الانتهاكات التي تتعرض لها من حملة سرقة لوحاتها الدعائية. هي وغيرها من المرشحات الشابات والمستقلات اللواتي قررن خوض الانتخابات بالاعتماد على إمكانياتهن الذاتية وجمهورهن الذي تطوع لمساعدتهن.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملات تشهير وتسقيط وتنمر وتلفيق أخبار وفيديوهات استهدفت المرشحات، ما هدد سلامتهن الشخصية من ردة فعل عائلاتهن على هذه الحملات، علماً أن الأمر قد يصل إلى القتل في المجتمع العراقي.
خطاب الكراهية والتحريض على النساء لإقصائهن عن الحياة السياسية نهج متبع منذ فترة طويلة في العراق. فقبيل الانتخابات النيابية عام 2018، انطلقت شرارة العنف الانتخابي عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وشنت الجيوش الإلكترونية حملات قاسية وبشعة استهدفت نساء مرشحات في الانتخابات ضمن قوائم مختلفة، استخدمت فيها صور وفيديوهات خاصة لبعض المرشحات.
واتهمت المرشحات جهاتٍ سياسية استخدمت المنافسة غير المشروعة للإطاحة بهن من خلال حملات التشهير المستمرة حتى اليوم. ويلجأ فيها هؤلاء إلى استخدام أساليب متنوعة منها مثلاً انتشار لقطات تظهر رجالاً يقبلون صورة إحدى المرشحات والكتابة عليها، بينما يقوم آخرون بالعبث بصور المرشحات وتخريبها.
استهداف المرشحات العراقيات في كل انتخابات
تمثيل النساء في السلطة
شهد العراق بعد عام 2003 تغييراً طفيفاً في المشاركة السياسية للنساء. لكن بقي وصولهن إلى المناصب القيادية السيادية بعيد المنال. فلم تتسلم مناصب رئاسية أو تنفيذية مهمة، في ظل استمرار المظاهر الذكورية ومحاولات السيطرة على النساء وعلى أصواتهن وحقوقهن. فيسود الرجال في الغالبية العظمى من المشهد السياسي العراقي ابتداءً من قيادة السلطات الرئاسية الثلاث ونوابها، مروراً بالمناصب التنفيذية والتشريعية في الحكومات المحلية.
كما تراجع تمثيل النساء في السلطة التنفيذية الحالية التي تتكون من 22 وزيراً بينهن وزيرتين وثالثة على رأس وزارة مستحدثة من دون حقيبة وزارية. الأمر الذي أثر على مستوى الثقة في اختيار المرشحات في الانتخابات المقبلة.
من جهتها، تقول المرشحة إلى الانتخابات الحالية وعضو مجلس محافظة الديوانية سابقاً حكيمة عظيم إن “وجود النساء في العملية السياسية لا يتعدى نسبة الكوتا وهي 25% بسبب عدم دعم المجتمع للنساء المرشحات في الانتخابات”.
وأشارت إلى أن “سياسة الأحزاب الإسلامية التي تنتمي إليها نائبات كثيرات في البرلمان العراقي منعتهن من دعم النساء والانحياز إلى قضاياهن في أكثر من مناسبة، في حالات مثل تشريع قانون الحماية من العنف الأسري”.
وحول هذا الأمر، تقول النائبة في مجلس النواب ميسون الساعدي إن “اختيار الشخصيات السياسية لقيادة المناصب الحكومية يتم باتفاق قادة الكتل السياسية والأحزاب، وهي تخلو من النساء، ما أدى إلى استبعادهن بشكلٍ واضح”.
وهنا تظهر أهمية وحاجة دعم وتشجيع النساء، خصوصاً اللواتي يحملن ويتبنين أجنداتٍ نسوية، على الترشح للانتخابات والتصويت لهن من أجل تعزيز تواجدهن وحقهن في العمل السياسي. لذلك، انطلقت في العراق جملة مبادرات نسوية تهدف إلى إيصال صوت النساء إلى البرلمان.
مبادرات دعم نسوية
بهدف تحفيز مشاركة النساء السياسية أطلقت عدة منظمات غير حكومية وشخصيات نسوية مبادراتٍ مجتمعية للتشجيع على التصويت لصالحهن ومواجهة العنف الانتخابي ضد المرشحات. كما ساهمت بعض الناشطات النسويات بدعم المرشحات من خلال الترويج لهن عبر الصفحات الفعالة على فيسبوك.
“صوت النساء للنساء” كان عنوان الحملة الأولى التي انطلقت في بداية عام 2021. شارك فيها عدد من منظمات المجتمع المدني النسوية من جميع المحافظات العراقية. واعتمدن على التمويل الذاتي بهدف الترويج للمرشحات وحث النساء على التصويت لهن.
وفي مقابلة خاصة مع موقع “شريكة ولكن”، أكدت رئيسة منظمة “أوان للتوعية وتنمية القدرات” فريال الكعبي أن “الحملة انطلقت بالتعاون مع المعهد العراقي، وهدفها رصد الانتهاكات التي تستهدف النساء في الانتخابات في عدة محافظات بهدف حمايتهن من خطاب الكراهية والعنف الانتخابي الموجه ضدهن”.
وأضافت الكعبي أن “شبكة المرأة للسلام تحالف 1325 أطلقت حملة مناصرة لحث المفوضية العليا للانتخابات على احتساب أصوات النساء الفائزات في الانتخابات خارج إطار نسبة الكوتا وتحسين آلية توزيع المقاعد النيابية لإنصاف النساء وضمان زيادة مشاركتهن في مجلس النواب”.
كما بدأت “جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق” حملة مدافعة إعلامية لصالح المرشحات. وأكدت مسؤولة الحملة في الجمعية إسراء طارق لموقع “شريكة ولكن” أن “هدف هذه الحملة هو الحد من العنف الانتخابي الموجه ضد المرشحات”. وأشارت إلى أنها “ستستمر إلى ما بعد الانتخابات وهي تتضمن إعداد دراسة لمعرفة الأسباب الاجتماعية التي أدت إلى زيادة العنف ضد المرشحات ووضع الحلول المناسبة. إضافة إلى تصميم ونشر بوسترات توعية عبر شاشات الإعلانات الرئيسية في بغداد. وإعداد رسائل مصورة وفيديوهات بمشاركة صحافيات وناشطات يتم بثها عبر الإنترنت مرفقة مع هاشتاغ #صانعة قرار و#من_حقها_ترشح”.
قانون جديد وانتهاكات مستمرة
على الرغم من أن قانون الانتخابات الجديد رقم 9 لسنة 2020 يحتوي على ضمانات جيدة وجديدة إلا أنه لم يستطع توفير الحماية للمرشحات.
ففي فصل الأحكام الجزائية في المادة 32 من القانون نفسه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من نشر أو أذاع بين الناخبين/ات أخباراً غير صحيحة عن سلوك أحد المرشحين/ات أو سمعته/ا بقصد التأثير في آراء الناخبين/ات وفي نتيجة الانتخاب.
وتنص المادة 35 منه على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن سنة أو بغرامة لا تقل عن مليون دينار ولا تزيد عن 5 ملايين دينار أو بكلتي العقوبتين على كل من تعمد الاعتداء على صور المرشحين/ات أو برامجهم/ن المنشورة في الأماكن المخصصة لها لحساب آخر أو جهة معينة بقصد الإضرار بهذا المرشح/ة أو التأثير على سير العملية الانتخابية. كذلك في حال إعلان غير صحيح عن انسحاب مرشح/ة أو أكثر من العملية الانتخابية علماً بأن الأمر غير صحيح بقصد التأثير على الناخبين/ات أو تحويل أصوات المرشح/ة إليه. وكل من اعتدى على وسائل الدعاية الانتخابية المسموح بها قانوناً لأي سبب كان سواء بالشطب أو التمزيق أو غير ذلك.
وفي ما يخص الانتهاكات المستمرة عبر السوشيال ميديا، يمكن القول إن غياب الضوابط القانونية والأخلاقية والمهنية التي تنظم استخدام مواقع التواصل، ساهمت بشكلٍ كبير في تنامي خطاب الكراهية الذي يستهدف المرشحات بشكلٍ مباشر وغير مباشر.
بينما تتحمل السلطة التشريعية مسؤولية تفاقم العنف الانتخابي، كونها الجهة المختصة بتعديل وتشريع القوانين الخاصة بالإعلام والنشر ومكافحة الجرائم المعلوماتية. كما تتحمل الحكومة أيضاً مسؤولية تنفيذ القوانين ومحاسبة مرتكبيها لردع كل من يعتزم ارتكاب تلك الجرائم.
وعلى الرغم من أن مجلس القضاء الأعلى في العراق وجه في الأول من شهر آب/أغسطس الماضي، بتحديد مكاتب المحققين القضائيين في مقر محاكم التحقيق، لتلقي الشكاوى من المرشحات بهدف تعزيز مشاركة النساء في الانتخابات وحمايتهن من الإساءة، إلا أن معظم المرشحات يعزفن عن تقديم الشكاوى.
كما شكلت الأمانة العامة لمجلس الوزراء في وقتٍ سابق من هذا العام اللجنة العليا المشرفة على تمكين النساء للمشاركة في العملية السياسية وانتخابات مجلس النواب العراقي. وهدفها تشجيع النساء على المشاركة الفاعلة في الانتخابات وتقديم الدعم المعنوي والمساندة في دعاياتهن الانتخابية وحمايتهن من الابتزاز الإعلامي.
لكن تلك الجهود لم تسفر عن أي نتائج، فما زالت المرشحة العراقية تعاني من عقبات أكثر وأكبر بسبب قيود المجتمع العراقي ووضعها الحساس فيه تجاه الشائعات والأخبار الملفقة، التي تسبب خطراً على حياتها. إضافة إلى حملات التنمر المستمرة من دون رادع وضعف الإمكانيات المالية لمواجهة تخريب الحملات الدعائية ومجاراة التنافس الانتخابي، في ظل وجود الأحزاب المتنفذة سياسياً ومالياً.