بين ليلةٍ وضحاها.. مكتب تعدد الزوجات يفتح ويغلق في إعزاز
رأس رجلٍ أزرق وربع دائرة تسنده، أربعة رؤوس خضراء تظهر كأنها تقفز وتنظر إلى الرأس الأزرق. هذا كان “اللوغو التريند” الذي اكتسح الموقع الأزرق فيسبوك منذ أيام، لما سُميَ بـ”جمعية تعدد الزوجات”. ربما مر الخبر على بعض الناس في مناطق سوريا باختلاف الجهات المسيطرة باستثناء مدينة إعزاز، كمادةٍ للسخرية من قبل النساء والرجال تضمنت التنمر والوصم.
لم تنجح الجمعية في الاستمرار لأكثر من يومين حتى تم إغلاقها بحسب ما جاء في بيان المجلس المحلي في إعزاز في ريف حلب. البيان أكد أنه لم يعطى أي ترخيص لهذه الجمعية أو حتى موافقة شفهية أو كتابية على تأسيسها.
هنا، تبرز تساؤلاتٍ عديدة حتى بعد إلغاء المكتب ونحن على أبواب عام 2022. كيف ينظر البعض إلى النساء؟ وكيف قابل الشارع والناشطون/ات هذه الدعوة كمثال تمييزي وعنصري بحق النساء؟
وماذا تقول الناشطات لنساء إعزاز ولجميع السوريات؟
بلا قيمة قانونية!
الموقع الذي نقل خبر افتتاح مكتب الجمعية نفسه، نقل صورة سيدة تمزق آلاف الدولارات التي خبأها زوجها كي يتزوج عليها.
الصورة أثارت جدلاً آخر عن موضوع تعدد الزوجات وأعادت النقاش حوله. فانقسم رواد مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد/ة للفكرة ومعارض/ة لها.
فكم هي كمية القهر الذي شعرت به تلك السيدة حتى مزقت الأموال؟ وفي حال سار مفعول هذه المكاتب في إعزاز، كم سيدة ستتمزق كرامتها ألف مرةٍ ومرة يومياً؟
في حديثٍ خاص لموقع “شريكة ولكن”، أوضحت الناشطة والحقوقية ميس الريم الحنش أن “هذه المكاتب في هذه المناطق هي غطاء لزواج المسيار. وعقود الزواج فيها هي عقود زواج عرفية ولا قيمة قانونية لها”.
وأكدت أن “النساء تتعرضن عبر هذا النوع من الزواج لتجارة الجسد في بعض الأحيان بسبب فقر حال الأهل، أو تجبر على الزواج من دون موافقتها فقط لتطبيق مبادئ يقتنع بها الأهل أو المجتمع”.
في جميع الأحوال، أشارت الناشطة السورية إلى أن كل ذلك يؤكد أن “المجتمع يرى النساء كسلعةٍ تجارية”.
ودعمت المحامية والناشطة مها العلي هذا الرأي. فأوضحت في مقابلةٍ مع “شريكة ولكن”، كيف تكون النساء سلعة في نظر الآخرين حين يطلبون الزواج بهذه الطريقة.
وقالت: “حين يطلب رجل الزواج من سيدة بمواصفاتٍ معينة ويلبي المكتب طلبه، فهم يعتبرن/ون النساء سلعةً كأي سلعة أخرى في الأسواق. كما أن مفهوم تعدد الزوجات في حد ذاته يشكل إهانةً واضحةً للنساء”.
بينما أوضح مصدر من منطقة إعزاز لـ”شريكة ولكن” أن غالبية المدنيين والمدنيات في المدينة امتعضوا/ن من وجود هذا المكتب غير القانوني أصلاً. واعتبروا/ن أنه نموذج فاضح وواضح للإساءة وانتهاك كرامات النساء معنوياً وجسدياً، ونتيجة الضغط الشعبي تم إغلاق المكتب، بحسب مصدرنا.
اختياري لا قسري!
“لا داعي لكل هذا التعصب والانفعال. الأمر ليس قسرياً، إنما هو اختياري”. هكذا رد القائمون على جميعة تعدد الزوجات. ففي بعض الأحيان، تكون الأعذار أقبح من الذنوب.
لكن صدى هذا الموضوع لم يبق محصوراً في المنطقة التي حصل فيها، بل وصل إلى كل أرجاء سوريا. ولاقى استهزاءً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي. واعتبره البعض جريمةً كبرى بحق النساء، بينما سخر آخرون من القرار بإساءةٍ أخرى للنساء، تمثلت بعبارات مهينة مثل “كل ثلاثة والرابعة مجاناً”.
وفي حديثها إلى موقعنا، أوضحت ميس الريم الحنش أن “وجود أو السماح بوجود أو مجرد فكرة تأييد مثل هذه المكاتب هو تشريع لكارثة وجود أطفال/طفلات من دون نسبٍ صحيح، لأن هذه الزيجات لا تكون فقط من رجالٍ سوريين، إنما غير السوريين الموجودين على الأراضي السورية لأهداف قتالية. وبالتالي، ينتج عن الزواج جيل من الأطفال/الطفلات مكتومي/ات القيد. وهذا ماحصل في بعض مناطق النزاع، ولأن القانون لا يسمح للأم بأن تعطي جنسيتها إلى أطفالها، تكون الكارثة مضاعفة لو بقي هذا المكتب متاح علناً”.
تعرضت النساء في سوريا وما تزال للكثير من التمييز والاستهانة بالحقوق في مناطق النزاع وغيرها. وبحسب تقارير صادرة عن الأمم المتحدة فإن أكثر أشكال العنف والتمييز بحقهن في مناطق النزاع هي العنف الجنسي والتزويج القسري.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه على الرغم من تعديل الكثير من قوانين الأحوال الشخصية في البلاد، إلا أن الناشطين والناشطات يعتبرن/ون أن القوانين يجب أن تكون أكثر مرونةً وعدالةً لصالح النساء، كأن تسجل المولود/ة على اسمها مثلاً.
مكاتب تفتح وتغلق في الشمال وتصدر قرارات عبثية، ونساء هنا وهناك في العاصمة وبقية المدن تنتظرن دورهن للحصول على الخبز والغاز والمازوت. بينما تذهبن إلى أعمالهن وتربين أطفالهن/طفلاتهن، وتقاسم الرجل شطر حياةٍ بأكملها. وفي خواتيم عام 2021 ما زالت القوانين عاجزة عن حماية النساء اللواتي تعانين يومياً بينما الغالبية متفرجون بصمت!