96% من الفتيات والنساء اللواتي تعرضن للعنف المنزلي في لبنان لم يبلّغن عنه
حين يقع أي بلد، خصوصاً في عالمنا العربي، تحت أزمةٍ مهما كانت، سياسية اجتماعية اقتصادية أو أمنية، فإن حقوق النساء والفتيات وتأمين آليات حماية لهن من أي عنفٍ قد يتعرضن له، هي القضية الأولى التي يتم تجاهلها وإزالتها من سلم الأولويات!
هذا ما يحدث حالياً في لبنان على ما يبدو. وهذا ما أكدته مديرة منظمة أبعاد غيدا عناني لموقع “شريكة ولكن”. إذ قالت إن “قضايا النساء في لبنان لم تكن على سلم الأولويات في أيام السلم، فما بالك في أيام الحرب والحصار واللاستقرار السياسي؟”. وأوضحت أن “خطورة هذا الأمر تكمن في استخدام النساء دائماً إما كأدوات حرب، أو تعرضهن للإهمال بحجة الحرب والانهيار”. وأضافت: “نحن نفهم تماماً أن الواقع الحالي في لبنان صعب على الجميع، والأزمات المتعددة تلقي بكاهلها على المواطنين والمواطنات من دون استثناء، لكن ذلك لا يعني أن تصبح حماية النساء في آخر سلم الأولويات”.
لهذه الأسباب وغيرها الكثير، أجرت منظمة أبعاد دراسة إحصائية وطنية وأصدرتها ضمن حملة تحت عنوان “#دايماً_وقتها”، أطلقتها بمناسبة حملة الـ16 يوم العالمية لمناهضة العنف ضد النساء. وركزت على أولويات الفتيات والنساء في لبنان اليوم ومدى شعورهن بالحاجة إلى الحماية ومدى لجوء من يتعرضن للعنف إلى التبليغ.
وعن هذه الدراسة، قالت عناني: “نحن واجبنا الأخلاقي أن نقف أمام هذا الواقع بالأرقام والدراسات والحملات الإعلامية من أجل لفت انتباه العالم من دولٍ مؤثرة ومنظمات حقوق إنسان لإعادة حث دولتنا على ترتيب أولوياتها وأولوياتنا، التي لا تعطيها أي أهمية لجهة السياسات والقوانين الداعمة للنساء”.
شملت الدراسة 1800 سيدة وفتاة شابة، تراوحت أعمارهن بين 18 و55 سنة. وتوزعن على مختلف المناطق اللبنانية، ومن مختلف المستويات الثقافية، ومختلف فئات الدخل. كما توزعت العينة على السكان المقيمين بما يتناسب مع الكثافة السكانية في المناطق، فضمت 1200 فتاة وسيدة لبنانية، 400 فتاة وسيدة سورية و200 فتاة وسيدة فلسطينية.
وبحسب نتائجها، اعتبرت سيدة واحدة من أصل 2 في لبنان أن “حماية النساء يجب أن تكون أولويةً خلال الأزمة التي تمر بها البلاد”. وأكدت 3 من أصل 5 نساء أن “التحديات الاقتصادية هي أبرز ما يواجههن حالياً”.
أما في ما يتعلق بالعنف، فكشفت الدراسة أن 96% من الفتيات والنساء المقيمات في لبنان اللواتي تعرّضن للعنف المنزلي خلال عام 2021 لم يبلغن عنه. في حين أكدت 2 من أصل 5 نساء شملتهن الدراسة أنهن لا يبلغن بسبب الخوف من ردة فعل الجاني.
هذه الأرقام التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتحديات الكبيرة التي خلفتها، وما زالت، الأزمة اللبنانية وانتشار فيروس كورونا تكشف أيضاً عن ارتفاعٍ كبير في نسبة العنف. لذلك شكلت الحماية أولوية لنحو 47.9% من النساء والفتيات اللواتي شملتهن الدراسة، بينما أكدت 94.7% منهن أنهن بحاجة إلى الحماية خارج المنزل.
أما عن أسباب تراجع التبليغ عند الفتيات والنساء، فأكدت عناني أن الدراسة بينت أن “27.1% من المستطلعات أرجعوا سبب عدم تبليغهن إلى غياب الثقة من إمكانية الوصول إلى نتيجة، بينما اعتبرت 22.4% منهن أنهن لا يثقن بأن المعنيين سيتعاملون مع الأمر بجدية”.
كما عددت أسباب أخرى لعدم التبليغ منها الخوف من الرفض، وهي جاءت كالتالي: “الخوف من رفض المجتمع (23.3%)، رفض العائلة (13.8%). الخوف من ردة فعل الجاني (14.3%). إضافة إلى نقص المعرفة حول الجهات التي يمكنها المساعدة بنسبة 12.4%، الاستسلام، أي عدم اتخاذ أي إجراءات وتقبل الواقع بنسبة 11.9%، والانتظار حتى مغادرة لبنان بنسبة 5.2%. بينما اعتبرت 11% من المستطلعات أن الأمر ليس أولويةً بسبب الوضع الحالي في البلد”.
كما بينت الدراسة أيضاً أنه من أصل 10 نساء بلّغن عن العنف، واحدة فقط لجأت إلى الجهات الأمنية والقضائية. وأظهرت أن 6.25% فقط من اللواتي بلغن عن تعرضهن للعنف لجأن الى قوى الأمن الداخلي، و6.25% لجأن إلى السلطة القضائية، أما الغالبية فلجأن إلى العائلة بنسبة 42.9%.
“وإن دلت هذه الأرقام المقلقة على شيء فهو ضرورة وأهمية حملات التوعية ونشر الوعي كحملة #دايما_وقتها” حول كيفية التبليغ عن العنف لتكريس أهمية الحماية والأمان للنساء والفتيات”، أكدت عناني.
وأضافت أنه “على الرغم من الوضع الاقتصادي الحالي وكل الظروف التي يشهدها لبنان، تبين أن سيدة من أصل 5 نساء ترى أن أولويتها في الوقت الحالي هي الحماية!”.
وختمت عناني حديثها بالقول، إن “أهمية هذه الدراسة خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها لبنان، تكمن في عدم وجود استراتيجية واضحة لكيفية ضبط حاجات الناس بشكلٍ عام، فسلطنا الضوء على بيانات تؤشر إلى وضع خطير يحوم حول حيوات النساء والفتيات في لبنان وعلى الأجهزة المعنية أن تلتفت إليه وتسلط الضوء عليه”.
يحتفل العالم باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء، وتحتفل فتيات ونساء لبنان بهذا اليوم وهن يعشن واحدة من أسوء الأزمات التي أثرت عليهن بشكلٍ كبير ويعانين من تهميشٍ لقضاياهن وارتفاع مقلق في نسب العنف المختلفة ضدهن من دون آليات حماية، بل إن وضعهن يزداد هشاشةً مع التدهور الاقتصادي والاجتماعي والأمني.