كوفيد 19 يفاقم أزمات النساء والعنف ضدهن
في شباط 2020، سُجّلت أول إصابة بفيروس كورونا في لبنان تزامناً مع بداية أزمةٍ ماليةٍ واقتصادية كبيرة، لتكر سبحة الأزمات. وفي محاولة من الدولة للسيطرة على تفشي الوباء، فرضت وزارة الصحة إقفالاً تاماً لمدة سنة تقريباً، ما أدى إلى تردي الأوضاع المعيشية بالنسبة إلى معظم الناس. وكما في جميع الأزمات، الفئات المهمشة هي الأكثر تأثراً، وهنا نقصد النساء والفتيات اللبنانيات والمقيمات في لبنان خصوصاً اللاجئات.
كيف تأثرت النساء والفتيات بأزمة كورونا الصحية؟
زيادة كبيرة في العنف القائم على النوع الاجتماعي
واجهت الكثير من النساء والفتيات عدداً كبيراً من التحديات بسبب أزمة كوفيد 19. ففي الوقت الذي يفترض أن تكون المنازل مساحات آمنة تمنح الفرد شعوراً بالراحة ليتصرف/تتصرف بحرية، كانت عكس ذلك بالنسبة إلى الفتيات والنساء. فشكلت لعددٍ كبيرٍ منهن بيئةً عنيفةً، وأحد الأماكن الأكثر خطورة عليهن.
ربما بدأ العنف قبل الإغلاق أو أثناءه، لكن في جميع الأحوال اضطرت هؤلاء النساء والفتيات إلى العيش في منازلهن من دون القدرة على الخروج، أو كان خروجهن محدوداً جداً، وأجبر بعضهن أيضاً على التواجد القريب والدائم مع مُعنفِهنّ.
في الواقع، تعاملت قوى الأمن الداخلي مع 1487 حالة عنف على أساس النوع الاجتماعي عام 2020. أما في عام 2021، فتم الابلاغ عن 1140 حالة عنفٍ منزلي بحلول الشهر العاشر.
ومن الظواهر التي تفاقمت خلال فترة الحجر، كان العنف الإلكتروني بارزاً. إذ وجدت الإحصائيات الرسمية في لبنان أن التبليغ عن العنف والابتزاز الجنسي الإلكتروني ارتفع خلال فترة الحجر المنزلي بنسبة 184%، وأكثر من 41% من المبلغات هن فتيات تتراوح أعمارهن بين 12 و26 عاماً.
وبحسب جمعية “كفى عنف واستغلال”، ارتفع عدد المكالمات للتبليغ عن حالات عنفٍ أسري بشكلٍ ملحوظ خلال شهر نيسان/أبريل 2020. فتلقت الجمعية 562 مكالمة، وهو ضعف عدد المكالمات التي تلقتها في آذار/مارس 2020، أي عند بداية الإقفال. كما ذكرت أن الشهر نفسه بدأ مع خبرين عن فتاتين ألقتا بنفسيهما عن الشرفة أثناء محاولتهما الهروب من ضرب والدهما. وأشارت أيضاً إلى أن “النساء أبلغن أكثر عن حالات عنف بعد وقوع جرائم مروّعة بحق بعض النساء، خوفاً من أن يؤدي بهن الصمت على العنف إلى الموت”.
بينما ذكرت دراسة لوحدة العمل المشتركة بين الوكالات في لبنان، أن 54% من المشاركات في الدراسة لاحظن زيادةً في أنواع التحرش أو العنف أو الإساءة ضد النساء والفتيات الأخريات في المنزل، أو في مجتمعهن. وأبلغت واحدة من كل 3 مشاركات عن صعوبات في تلقي الخدمات عن بعد، بسبب محدودية توفر وسائل الاتصال والشعور بعدم الأمان عند التحدث عبر الهاتف، وحرمانهن من قبل شركائهن أو أفراد أسرهن من الوصول إلى وسائل الاتصال.
وشكلّت العاملات المنزليات واللاجئات السوريات جزءاً لا يتجزأ من النساء اللواتي تعرضن لزيادةٍ في العنف خلال فترة الحجر، وواجهن ظروفاً قاسية اقترنت بأعباءٍ إضافية في الرعاية لأن منازلهن تفتقر للتدفئة والمياه النظيفة. لذلك، طلبت الحكومة من المنظمات الدولية تحمّل مسؤولياتها في تقديم الرعاية للاجئين/ات السوريين/ات والفلسطينيين/ات، وتقديم الرعاية الصحية والخدمات الوقائية المرتبطة بكورونا. إلا أنه في ظل القيود التمييزية التي فرضتها بعض البلديات على حركة اللاجئين\ات السوريين\ات، وحظر السفر وإغلاق قطاع البنوك ونقص الأموال المخصصة لمنظمة الأنروا وصندوق الاستجابة للأزمة اللبناني، ازدادت الأمور سوءاً خصوصاً مع انتشار الفيروس داخل المخيمات.
البطالة وعدم إيجاد فرص عمل
تسببت هذه الأزمة أيضاً بخسارة كثير من النساء لوظائفهن بعد الإغلاق، بينما كن في السابق مستقلات مادياً أو يشاركن في دخل الأسرة مع الشريك. فاضطررن في كثيرٍ من الحالات إلى الاعتماد مادياً عليه. وتعتبر كثير من الناجيات من العنف الأسري خلال فترة الحجر الصحي، أن هذا السبب كان “من بين أسباب عدم قدرتهن على الابتعاد عن الشريك الذي يسيئ معاملتهن”. أما النساء اللواتي حافظن على عملهن، بينما خسر شريكهن أو المعيل/ة الآخر/الأخرى للعائلة عمله/ا، فأصبحن هن المعيلات الوحيدات أو أبرز معيلات الأسرة، ما حمّلهن الكثير من الضغوطات، خصوصاً النفسية منها.
عبء العمل الرعائي غير المقدّر وغير مدفوع الأجر في المنزل
بحسب أبحاث هيئة الأمم المتحدة للمرأة عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فإن “بين ثلثي إلى أكثر من ثلاثة أرباع الرجال يؤيدون نظرية أن الدور الأهم للمرأة هو الاهتمام بالأسرة والمنزل العائلي مثل التنظيف أو إعداد الطعام أو رعاية الأطفال/الطفلات والمسنين/ات والمرضى”، لذلك، لا يرون أي سببٍ يستدعي تحملهم لأي من هذه المسؤوليات.
ومع النظام الصحي المهترئ في لبنان، ظهرت حاجة أكبر لتوفير الرعاية للمسنين/ات والمرضى والأطفال/الطفلات في البيت. لذلك، شكّلت هذه العوامل ضغطاً كبيراً على النساء لملازمة بيوتهن للقيام بالأعمال المنزلية والرعاية غير المدفوعة، ما زاد من أعبائهن المادية لعدم توفر الوقت للعمل خارج المنزل في كثير من الحالات، إضافة إلى الأعباء النفسية.
ولا يمكن أن ننسى هنا العاملات الأجنبيات في البيوت في لبنان؛ فهؤلاء يقعن تحت رحمة نظام الكفالة الذي يسمح لكفلائهن باستغلالهن في العمل والاتجار بهن، وغيرها من الانتهاكات.
تدهور في الصحة النفسية
تقول المستشارة لقضايا المساواة بين الجنسين في هيئة الأمم المتحدة للمرأة مايا الحاج، إن “الصحة النفسية بين النساء تدهورت بمعدلاتٍ مقلقة، خصوصاً بين العاملات المنزليات واللاجئات. فازدادت المشاعر السلبية بشكلٍ كبير خلال الإقفال العام، نتيجةً للعزلة والقلق من انتقال الفيروس وتزايد العنف المنزلي، والضغوطات المالية الشديدة”.
وأضافت أن “زيادة الأعمال المنزلية وأعمال الرعاية لأفراد العائلة الآخرين/الأخريات، مثل التعليم المنزلي أثناء إغلاق المدارس، أدت إلى زيادة الضغوط التي تتعرض لها النساء على وجه الخصوص. وبما أن خدمات الصحة النفسية الخاصة مكلفة للغاية، وفي ظل التكتّم والتمنع عن تناول موضوع الصحة العقلية كما يجب في مجتمعاتنا لا سيما بين مجتمعات اللاجئين/ات؛ لا يزال وصول النساء إلى خدمات الصحة النفسية منخفضاً، ما يؤدي إلى تفاقم معاناتهن”.
كيف تأثرت اللاجئات السوريات بأزمة كورونا؟
تنطبق بالتأكيد جميع التأثيرات التي ذكرناها على اللاجئات السوريات أيضاً، لكنهنّ تأثرن بنسبٍ أعلى وطرقٍ أقسى نظراً لهشاشة وضعهن في بلد اللجوء لبنان. فخلال فترة الإغلاق، فرضت بلديات عديدة حظر تجوال شامل على اللاجئين/ات لمنعهم/ن من مغادرة المخيمات. وحين كان يُسمح لهم/ن بمغادرتها، كان عليهم/ن اتباع شروطٍ معينة.
وتحدثت بعض النساء عن معاناة عائلاتهن على نقاط التفتيش التي كانت تفرضها البلدية، خصوصاً بلديات المناطق البقاعية، في مقالٍ نشرته جمعية “كفى عنف واستغلال”. وذكرن أن “الشرطة البلدية كانت ترمي مشترياتهم/ن إذا كانت من خارج البلدة، علماً أن السلع التي تباع في القرية باهظة الثمن بالنسبة إليهم/ن”. كما تمنعت الكثير من البلديات عن تعقيم خيم اللاجئين/ات بحجة أن هذا الأمر ليس من شأنهم.
وبرزت مشاكل عدة حولت حياة اللاجئات في لبنان إلى جحيم، من بينها البطالة القسرية وعدم القدرة على سحب المساعدات المالية والارتفاع السريالي لأسعار المواد الغذائية.
ويذكر مقال “كفى” أن “تبليغات السوريات عن العنف الأسري كان يشكل 45% من إجمالي التبليغات، لكن بعد بداية الأزمة بدأ الرقم في الانخفاض. وهذا الأمر يظهر حجم الخوف والعزلة التي تعيش فيه النساء داخل المخيمات”. فهن غير قادرات على الخروج لشراء الطعام أو الذهاب إلى الصيدلية أو لسحب المال، ناهيكم/ن عن الإبلاغ عن العنف.
أما على الصعيد النفسي، فتعاني النساء السوريات أكثر من غيرهن، وأفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين/ات أن “الجائحة أدت إلى تفاقم نقاط الضعف القديمة لدى اللاجئين/ات في لبنان مع زيادة شدة هذه الحقائق بين الفئات الضعيفة، ما أثر على صحتهم/ن العقلية وأدى إلى عواقب نفسية اجتماعية طويلة الأجل. فلا يزال الخوف من الترحيل أو الإخلاء والتمييز، فضلاً عن الضياع وتردي سبل العيش، مصدراً رئيسياً للضيق النفسي والاجتماعي”.
بينما ذكر مقال نشرته كلية لندن للاقتصاد (LSE) أن “كوفيد 19 أثر على صحة اللاجئات السوريات النفسية بشكلٍ عميق، وفرض قيوداً على صحتهن العقلية. فمن المعروف أن التعرض للاستغلال والعزلة مع المعنّف في أماكن قريبة، قد يؤدي إلى اضطراب الاكتئاب الشديد (MDD) واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) وتعاطي المخدرات والميول الانتحارية. وبالتالي، فإن قيود الصحة العقلية هذه تشكل آثاراً اجتماعية مهمة. كما يمكن أن تؤدي إلى التمييز والحمل غير المرغوب فيه والوصم والنبذ، وفي كثيرٍ من الحالات تهديداتٍ بالقتل من المجتمع والأسرة”.
أي وظائف تشغلها النساء عرضتهن أكثر إلى الخطر خلال الأزمة؟
في ظل أزمة كورونا كان القطاع الصحي والطبي هو الأكثر تأثراً. وبحسب تقرير “احتياجات المرأة ودورها القيادي والمساواة بين الجنسين في استجابة لبنان لفيروس كورونا” الصادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة في آذار\مارس 2020، “تشكل النساء في لبنان 80% من مجموع الممرضين/ات المسجلين/ات”. كما قدّرت نقابة المستشفيات في العام نفسه، أن نحو نصف العاملين/ات في مجال التمريض يتقاضون/ين رواتب منخفضة ويعملن/ون لساعاتٍ أطول خلال الأزمة، ما عرضهن/م أكثر لخطر التقاط ونقل الفيروس.
ما هي الاحتياجات التي ولدت بسبب أزمة كوفيد 19؟
أولاً، برزت الحاجة الكبيرة إلى الأدوية والمستلزمات الطبية خصوصاً عند بداية الأزمة، بسبب زيادة عدد الإصابات التي احتاجت إلى العلاج في المستشفى. ومع تعالي صرخات المستشفيات وتوجهها لاستقبال الحالات الأكثر خطورةً فقط بسبب نقص الخدمات الطبية، كانت النساء خصوصاً اللواتي تعرضن للعنف، من المتأثرات سلبياً بهذا القرار.
وعن تأثير هذا القرار على النساء والفتيات، قالت مشرفة إدارة الحالات للعنف القائم على النوع الاجتماعي في “جمعية أبعاد” في مقابلة مع موقع “شريكة ولكن”، إن “الإغلاق منع إحالة النساء إلى الطب الشرعي حين لزم الأمر، لا سيما في حالة من تعرّضن للاعتداء أو العنف الجسدي والجنسي، أو إلى طبيب نسائي”.
أما بالنسبة إلى الاحتياجات السائدة في مجال الصحة فكانت، بحسب تقييم أعدته بلان إنترناشيونال في نيسان/أبريل 2020، الفوط الصحية والوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية للأسر الضعيفة، على رأسها.
وأفادت 35% من الفتيات المراهقات، 69% منهن سوريات، أنه لا يوجد أماكن على مسافة قريبةٍ منهن تبيع هذه المنتجات الصحية، خصوصاً في عكار. كما أن 66% منهن، 55% سوريات و45% لبنانيات، لم يملكن الوسائل المالية لتأمين هذه المواد.
في الحالتين، تعاني الفتيات السوريات من عدم قدرتهن للوصول إلى هذه المنتجات أكثر من اللبنانيات.
ثانياً، كان هناك غياب للدعم العاطفي والمالي الذي شكل عقبةً أمام الوصول إلى حقوق النساء والفتيات.
وأشارت حمدان إلى أن “عوامل مثل الأزمة المالية الحالية وعدم استقرار سعر الدولار في البلاد وانفجار مرفأ بيروت، بالاضافة إلى الجائحة، أدت إلى تزايد أسعار المواد الغذائية والأدوية والإيجارات بشكلٍ يومي. وهذا يصعب الأمر أكثر على المستفيدات اللواتي نتعامل معهن، فمن الصعب تغطية رسوم الانتقال عند الهروب من بيئةٍ عنيفة ودعم أنفسهن بشكلٍ مستدام بمبلغٍ صغيرٍ من المال”.
ثالثاً، برزت حاجة النساء إلى الأمان خلال فترات الحجر، خصوصاً أنهن يعشن في بيئاتٍ خطرة مع معنفهن أو من يتحرش بهن، وقد خلق هذا الأمر حاجة ملحة لوجود آليةٍ واضحة يمكن أن تستعين بها النساء والفتيات للهروب من العنف.
أما رابعاً، فكانت هناك حاجة للموارد المالية والعمل لضمان الحاجيات الأساسية، وأبرزها الطعام والمسكن والدواء.
كيف يتم تلبية هذه الاحتياجات؟
ذكرت ليلى حمدان، في حديثها لموقعنا، أن جمعية “أبعاد” تلبي هذه الاحتياجات التي ذكرناها من خلال:
1- إدارة الحالات عن بعد
2- تقديم الدعم العاطفي
3- جلسات توعية عبر الإنترنت
4- تطوير مهارات الأبوة والأمومة
5- التثقيف الصحي
6- الخدمات الطبية
7- الدعم المالي
8- تطوير التعلم والرفاهية للأطفال عند إغلاق المدارس
وأضافت حمدان أنه “لا يزال ضمان وصول النساء والفتيات إلى خدمات دعم ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي في سياق أزمة كورونا نشاطاً حاسماً ومنقذاً للحياة، لكننا على الأقل نحاول في أبعاد تسهيل وضمان حصول الناجيات على الثقافة التي يحتجن إليها والتي تتوفر حولهن”.
كما تقدم أبعاد للنساء، وأطفالهن إذا دعت الحاجة، وللفتيات خدمة الإيواء الآمن بعد تقييم حالاتهن، ما يوفر لهن مكاناً آمناً بعيداً عن العنف. وللمنظمة 3 مآوٍ آمنة في 3 محافظات لبنانية، تقدم لهن أنشطة تمكين ليتعلمن مهنةً أو حرفة تساعدهن على كسب عيشهن باستقلالية.
صحيح أن أزمة كورونا طالت جميع سكان العالم وكانت آثارها سلبية جداً. لكن في لبنان تفاقمت هذه الآثار أكثر، خصوصاً مع ازدياد عدد الأزمات. وكما هو الحال دائماً، تنال النساء القسط الأكبر من الحمل الثقيل خصوصاً غير اللبنانيات مثل اللاجئات السوريات والعاملات الأجنبيات، على الرغم من وجود الكثير من الجمعيات والمنظمات التي تعمل على دعم النساء ونضالاتهن الطويلة.
في حال تعرضكن لأي شكلٍ من أشكال العنف، نقدم لكنّ لائحة بأبرز المنظمات والجهات الموجودة على كافة الأراضي اللبنانية والجاهزة لتقديم الاستشارة والخدمات القانونية والنفسية والاجتماعية المجانية لكن، في أي وقت.