عاملات كينيات يفترشن الأرض أمام سفارة بلدهن.. نريد العودة إلى وطننا سالمات!
مشهد العاملات الكينيات اللواتي افترشن عتبة قنصلية بلادهن منذ نحو أسبوعين، وهن ينتظرن مع أمتعتهن للضغط على القائمين/ات عليها لترحيلهن إلى بلدهن في أسرع وقت، لا يعكس سوى مدى وحشية نظام الكفالة اللبناني.
النظام الذي ما زال يدعم مكاتب “الاستقدام” المستغلة لأوضاع العاملات المهاجرات وحاجات السكان المحليين في ظل انهيارٍ اقتصادي شامل يشهده لبنان. وعلى الرغم من تحرك الجهات المعنية لمساعدة العاملات اللواتي بلغ عددهن 25 امرأة في تأمين مأوى، إلا أنهن اخترن البقاء في مكانهن حتى يحين موعد عودتهن إلى بلدهن، علماً أنهن أتين مؤخراً إلى لبنان.
وفي حديث خاص لموقع “شريكة ولكن”، قالت أوليف الناطقة باسم المحتجات: “أنا هنا لأساعد هؤلاء النساء اللواتي لا أعرفهن، لكنهن من بلدي، وأنا أعيش في لبنان منذ سنين، وكل المعتصمات وصلن إلى هنا منذ نحو 8 أشهر، إلا أنهن لم يحصلن على أي مال هنا”. بينما لم تقبل أي من المعتصمات الأخريات أن تعطي أي تصريح خاص للصحافة، لأنهن لا يردن سوى العودة الى منازلهن سالمات!
لكننا سألنا بعضهن كيف وصلن إلى القنصلية وعرفن مكانها، فذكرت إحداهن أنها “مشت على الأقدام من بلدة عمشيت، إحدى بلدات قضاء جبيل، إلى بدارو، حيث تتواجد قنصلية كينيا في لبنان، وحين رأت علم بلدها عرفت أنها تستطيع من هنا العودة إلى بيتها.
وقد نجحت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) أمس، بالتعاون والتنسيق مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة وقنصلية كينيا والأمن العام، بتأمين 6 تأشيرات سفر للمغادرة في 19 كانون الثاني/يناير الجاري. ومن المقرر أن تخضع العاملات لتقييمٍ صحي قبل المغادرة في مكتب المنظمة الدولية للهجرة اليوم، على أن تتابع بقية طلبات المحتجات.
وبعد مواكبة رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون لهذه القضية، صدر قرار من السلطات الكينية بإعفاء المواطنين/ات الكينيين/ات عند ترحيلهم/ن من لبنان من شرط تلقي لقاح كورونا، ما يسهّل مهمة الأمن العام اللبناني والقنصلية ووزارتي العمل والصحة، في معالجة حالات هؤلاء العاملات، وفق ما أكدت عون، في حديث خاص لموقعنا.
وأضافت أن “المنظمة ستلتقي بهن أيضاً لإعادة مناقشة المخاطر المتعلقة بإقامتهن في الشارع على أمل الحصول على تعاونهن للانتقال إلى مأوى”.
وبينما لا تزال خدمة مكاتب “استقدام العاملات” متوفرة وسط الانهيار الاقتصادي الذي يشهده البلد، أوضحت عون أن “المشكلة اليوم تكمن في أن مالكي مكاتب استقدام العاملات يواجهون مشاكل لدى التعامل مع عقود العمل التي تخضع لنظام المسؤولية المعروف بنظام الكفالة، والذي يوقع على عقد أساسي مقابل اجر الخدمة وهو ٢٠٠$، في الوقت الذي لا يستطيع فيه أحياناً الكفيل ان يدفع اكثر من ١٥٠$، ما يخلق مشاكل بين الطرفين، في حين ان العاملات لا يراجعن المكاتب التي استقدمن عبرها”.
وأمام هذا الواقع، علقت الاختصاصية الاجتماعية في قسم مناهضة الاتجار بالبشر غنى العنداري في منظمة “كفى عنف واستغلال”، في حديث لموقعنا، أن “المشكلة الحقيقية اليوم والسؤال الذي يجب أن يطرح هو عن أسباب استمرار الدولة بالسماح باستقدام العاملات الأجنبيات تحت الظروف والشروط نفسها التي كانت تنتهجها قبل الانهيار. وأضافت أن “الدولة تتعامل مع الوضع العام في لبنان وكأنه ليس هناك أي أزمة، في حين أن الوضع القانوني والاقتصادي سيىء جداً”.
بينما تعمل المنظمات المحلية على ترقيع ثغرات نظام الكفالة المجحف في حق العاملات والمهدد لحياتهن ومصيرهن، اعتبرت العنداري “أن عمل المنظمات مثل كفى وغيرها يجري عبر توفير الخدمات وبعض إجراءات المساعدة، كالحصول على مأوى أو احتياجات، أو تسهيل الحصول على تأشيرات سفر. لكن الحلول ليست بين أيدينا، بل بين أيدي قرارات الدولة”.
أما عن سبب افتراش العاملات الطريق أمام القنصلية، فأوضحت عنداري: “نحن عرضنا على العاملات أن ينتظرن الحصول على التأشيرات في مأوى مخصص، لكن خيارهن كان أن يبقين في الشارع، ونحن نحترم قرارهن ولا نستطيع إجبارهن على أي شيء”.
نظام الكفالة يمعن في اضطهاد العاملات المهاجرات
تقدر منظمة العفو الدولية وجود ما يقدر بـ250000 عاملة منزل مهاجرة تعمل في لبنان، الغالبية العظمى منهن يأتين من بلدان إفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرقها. ويجري استثنائهن من بنود الحماية في قانون العمل اللبناني، كما يجري تنظيم وضعهن في البلاد من خلال نظام الكفالة.
وهو نظام هجرة تقييدي، يستند إلى قوانين وأنظمة وممارسات عرفية تربط الإقامة القانونية للعاملات المهاجرات بصاحب العمل. لذلك تعتبر هؤلاء العاملات من أكثر الفئات تهميشاً في لبنان.
وبحسب الأرقام الصادرة عن قوى الأمن الداخلي، سُجلت 11 حالة انتحار لعاملات أجنبيات خلال عام 2021.
ومع الانهيار الاقتصادي للبلاد الذي تفاقم بسبب تداعيات فيروس كورونا، تحول وضعهن غير المستقر أصلاً من سيىء إلى أسوأ. لكن بدلاً من توفير المزيد من الحماية، وتفكيك النظام الذي يسمح باستغلالهن يبدو أن مجالس الدولة عبر قراراتها، تعطي الأولوية للمصالح التجارية الضيقة لمكاتب الاستقدام.
مشهد العاملات اليوم وسط الصقيع والفساد السياسي والانهيار على مختلف الصعد، يفرض على البرلمان اللبناني تعديل قانون العمل ليشمل عاملات المنازل المهاجرات، واتخاذ خطوات على وجه السرعة لتفكيك نظام الكفالة.