كيف تُقاوم الناشطات النسويات ضغوطات عملهن النفسية؟

“تتعرض النساء في لبنان لضغوطاتٍ عدة إن كان في سوق العمل أو مجال الاقتصاد أو الوصول إلى الموارد، هذا عدا عن قوانين الأحوال الشخصية التي تضعهن دائماً في خانةٍ “دنيا”.. كل ذلك تتكبّده النساء، فما بالك بالناشطات النسويات العاملات في الصفوف الأمامية؟”، تساءلت الناشطة والمتخصصة في الشؤون الجندرية هند حمدان، في حديثها لموقع “شريكة ولكن”، مشيرةً إلى “وابل الرصاص الذي يُوجّه دائماً ضدهن”.

فمحاولات تهميش النسويات من المساحات العامة وتحجيم إنجازاتهن واتباع سياسة العزل المُمنهج ضدهن، لم تقف في طريق استمرارهن في لعب أدوار أساسية في ساحات النضال في لبنان، إلا أن تلك المعركة ليست سهلة ومخاطرها تُلاحق الناشطات يومياً عبر عملهن.

وأوضحت حمدان، الناشطة في المجال النسوي منذ سنوات، وتعمل حالياً على دراسات جندرية تتقاطع مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية في لبنان والعالم العربي، أن “الضغوطات التي تُلاحق النسويات تتمثّل أولاً بطبيعة العمل بحدّ ذاته، في بيئةٍ ذكوريةٍ لا تعطي مساحةً للنساء، الأمر الذي يجعل فكرة التغيير صعبة وتحتاج وقتاً مضاعفاً”.

إذ لا يحدّ النظام الأبوي القمعي من حركة النساء وحريتهن فحسب، بل يضاعف التحديات والعوائق أمامهن. وتقييد الحركة هو أحد أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء، وتعاني منه الناشطات بطرقٍ مجحفة.

هذا عدا عن تعارض الفكر النسوي مع القوانين الدينية التمييزية بحق النساء، الذي تواجهه الناشطات عند الحديث عن قضايا كالطلاق وتزويج القاصرات والحضانة، الأمر الذي يؤدي في معظم الأحيان إلى نقاشٍ مسدود.

الضغط النفسي هو العبء الأكبر

لكن الناشطات لا يعانين من التمييز وإنكار المجتمع للقضايا التي يدافعن عنها فقط، بل يقع عليهن عبء أكبر هو الضغط النفسي. فمتابعة أخبار العنف اليومية التي تقع ضد النساء والفتيات تنعكس سلباً على صحتهن النفسية.

“لا أنكر أنني هُزمت في البداية… كنت متعبة طوال الوقت، ما انعكس على نومي وعلى علاقاتي بالآخرين. أذكر أنني كنت أُقضي أياماً وحدي لأنني لم أتقبّل المجتمع الذي أعيش فيه”، هكذا عبرت هند عن مشاعرها تجاه انعكاس عملها النسوي على صحتها النفسية في بداية عملها.

تحقيق التوازن النفسي تطلّب سنواتٍ من العمل وعدداً لا بأس به من “الهزائم” بالنسبة إليها، علماً أنها ليست الوحيدة التي مرّت بتلك التجربة.

إذ تقول المتخصصة النفسية والناشطة الاجتماعية وردة بو ضاهر في مقابلة خاصة لموقع “شريكة ولكن” إن “شعور العجز عند التعامل مع النساء والفتيات المعرّضات لمختلف أنواع العنف أو العاملات الأجنبيات وغيرها من القضايا الحساسة قد يُلاحق الناشطات لسنوات، خصوصاً إذا كن من نفس الفئة العمرية، ما قد يؤدي إلى إسقاط ظروفهن على ظروف هؤلاء النساء والفتيات أو مقارنة حياتهن بهن، ما يمكن أن يُولّد إحساساً بالذنب يرافقهن”.

آليات الحفاظ على التوازن النفسي

وردة بو ضاهر
المتخصصة النفسية والناشطة الاجتماعية وردة بو ضاهر

ذكرت وردة الطرق والأساليب المثلى التي يمكن للناشطات اتّباعها للتخفيف من تداعيات العمل النسوي على صحتهن النفسية. وتتمثّل بـ”تجنّب التوقعات العالية من العمل النسوي، لا سيما في المجتمعات العربية. ووضع حدودٍ للانخراط في العمل والمحافظة على نظرة واقعية، كي لا تحمل الناشطات ذنب ظروف النساء السيئة أو غياب قوانين عادلة تحميهن”. وأخيراً، نصحت الناشطات بـ”التعامل مع كل مشكلة على أنها فرصة للمساندة”.

من جهتها، تُمارس هند اليوم نشاطها في مجال حقوق النساء والفتيات، وتحافط على توازنٍ نفسي في الوقت عينه. إذ تروي لـ”شريكة ولكن” أنها تواظب على ممارسة الرياضة وتأخذ “إجازة” من حينٍ إلى آخر، من مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف الاستراحة.

إلا أن الأهم، وفق ما ذكرته، هو “النظرة الواقعية للعمل الذي تستطيع الناشطات إنجازه”. وأضافت: “أقنعتُ نفسي أن ما أفعله هو أقصى ما يمكن فعله، وأنه لا يمكنني تكبّد فراغ وجود دولة ومؤسساتها على عاتقي”.

في هذا السياق، قال المدرّب والمتخصص في علم النفس الإيجابي ميلاد حدشيتي، في حديثٍ لموقع “شريكة ولكن” إن “الرعاية الذاتية باتت حاجة أساسية، خصوصاً بالنسبة إلى العاملات في الخطوط الأمامية من النسويات، للمحافظة على ثباتهن النفسي”.

وأوضح أن “الرعاية الذاتية، هي رعاية الحالة النفسية والمشاعر والأفكار لكل من يتعرّض/تتعرض لضغطٍ نفسي نتيجة عمله/ا، لا سيما الناشطات اللواتي يتطلب عملهن الاحتكاك المباشر مع أخبار النساء والفتيات المأساوية”.

ميلاد حدشيتي
المدرّب والمتخصص في علم النفس الإيجابي ميلاد حدشيتي

وأشار إلى مجموعة تغيّراتٍ سلوكية ونفسية قد تظهر على الناشطات، مثل سرعة الغضب والأرق ورؤية الكوابيس أو استرجاع مشاهد سلبية لأحداث عشنها سابقاً”، مؤكداً أنها “علامات تُشير إلى الحاجة لاستشارة متخصصٍ نفسي”.

من جهةٍ أخرى، حدّد حدشيتي بعض الإرشادات التي يمكن للناشطات الاستفادة منها للحفاظ على توازهن النفسي. كالنوم لساعاتٍ كافية وتناول وجبات الطعام بانتظام، وتخصيص وقتٍ لممارسة الرياضة أو الاستماع إلى الموسيقى.

والأهم، وفق حدشيتي، هو “تحديد وقت مخصّص للعمل لا يتخطّى قدرة الناشطة على التحمّل”، مُشيراً إلى دور مؤسسات العمل في هذا السياق أيضاً، إذ يترتّب عليها تحديد ساعات عمل ليست طويلة تراعي طاقة الناشطات”.

النسويات يواجهن “وابلاً من الرصاص الذكوري”

على الصعيد العملي، يُلاحظ إصرار البعض على التقليل من أهمية إنجازات النساء والمنظمات النسوية. فلا تقف الصعوبات عند المنظمات، إنما تطال الناشطات بشكلٍ شخصي، انطلاقاً من موقف يرفض بالمطلق فكرة استقلالية النساء وإمكانية نجاحهن وتفوّقهن على زملائهن الرجال.

هذا عدا عن تقييد النساء في أدوار جندرية نمطية، تُضعف مشاركتهن في الحياة العامة والخاصة، خصوصاً مشاركتهن السياسية الفعالة. ولعل هذا ما يفسّر الصور النمطية المرتبطة بالمرشحات إلى الانتخابات النيابية أو أي مركزٍ سياسي آخر في لبنان. فنرى مثلاً أن التصويب يتوجّه نحو مظهر النساء الخارجي، أو نحو إمكانية “التوفيق بين عملهن وأطفالهن” في أحسن الأحوال، الأمر الذي لم نره مرّة في عالم السياسة الخاص بالرجال.

تُعتبر ردة الفعل الذكورية الحادة، التي تستهدف النساء وتزيد من إقصائهن وتعرضهن للعنف والتهميش، وسيلة للحفاظ على الامتيازات الذكورية ودينامية القوة غير المتكافئة التي يمارسها الرجال في مواجهة التحول الإيجابي التدريجي في الأعراف والتقاليد نحو تعزيز حقوق النساء والعدالة الجندرية وموضعة هذه القوى وإعادة تكافئها.

وإحدى هذه الوسائل هي الحملات الإلكترونية التي تخرق الحدود بين العام والخاص لتطال سمعة النسويات وتشوّه سمعتهن. إذ خلقت مواقع التواصل الاجتماعي مساحةً إضافيةً للتمييز ضد النساء وإقصاء من يملكن صوتاً نسوياً عالياً.

كل ذلك يأتي في ظل سيادة منطق اللاعدالة واللامحاسبة في لبنان. إذ لا يضمن القانون اللبناني، الذي غالباً ما يأتي لصالح الرجل، حقوق النساء المُعتدى على مساحتهن افتراضياً. وهو يُفرّط بالأصل بجميع حقوقهن، ويسمح للذكور بالنجاة من العقاب على أي اعتداء أو عنف يمارسونه تجاه النساء.

 

كتابة: ميريام سويدان

قد يعجبك ايضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد