“أيّة صلاة ستُقبل ممن يحرم الأطفال/الطفلات أمهاتهم/ن؟”.. قصة حرمان غنى من ابنتها
بغطاءٍ من القوانين والأحكام التمييزية، لطالما تمكّن رجالٌ في مجتمعاتنا الأبوية من انتهاج سياسة “لويْ الذراع” بحرمان النساء من أبنائهنّ/بناتهنّ.
غنى آخر ضحايا هذه السياسات في لبنان. فمنذ عامٍ تقاتل وحدها المؤسسات والمحاكم والمخافر والمجتمع، في بلدٍ معطَّلٌ فيه كل شيء تقريباً، لرؤية ابنتها.
منذ 4 أشهر لم ترَ ابنتها!
“أيّة صلاة ستُقبل ممن يحرم الأطفال/الطفلات أمهاتهم/ن ولا يُريهم/ن إياهم/ن حتى في العيد؟..” هكذا شاركت غنى (28 عاماً) عبر “فيسبوك” معاناتها مع خطف ابنتها منها.
وبعنوان “طفلتي ضحية الظلم والفساد”، نشرت غنى مقطع فيديو لابنتها (3 سنوات).
وأرفقته بعبارةٍ محمّلةٍ بالشوق والخوف، قائلةً “كانت تحب أن تناغي لعبتها كما كنت أناغيها لتنام.. من يناغيكِ الآن؟”.
وختمت: “هل منْ حرمكِ من أمكِ 3 أشهر أشدّ حرصًا وحنانًا عليكِ؟”.
منذ أكثر من 9 أشهر تعيش غنى، وهي مدرّسة ومترجمة، الابتزاز العاطفي والمادي من قبل زوجها المعنّف محمد موسى علوش.
تنوّعت اعتداءات الزوج لإخضاعها، من ضرب وشتم وحبس منزلي وخطف للابنة وإرسالِ تهديداتٍ.
حتى وصل الأمر به إلى التعقّب والملاحقة ورفع دعاوى قضائية كيدية هدفها أولاً تشويه سمعتها، علّها “تدفع ثمن” تجرّئها على مقاومة تعنيفه.
والهدف الثاني من هذه الدعاوى الابتزاز والضغط على غنى، نظراً لوجود قضايا شرعية وجزائية ومدنية بحقه، كمحاولةٍ منه للتنصل من نتائجها القانونية.
كما يحاول المعنّف محمد علوش من خلال خطواته الانتقامية والبائسة إخضاع غنى وإجبارها على التراجع والتنازل عن حقوقها البديهية.
تعنيف زوجيّ متواصل منذ سنوات
بـلَوعةٍ روت غنى تعرّضها، خلال فترة زواجها التي استمرّت 5 أعوام، للعنف الزوجي نفسياً وجسدياً.
وفي شهادتها لـ”شريكة ولكن”، أشارت إلى أنه “خلال فترة ارتباطنا كان زوجي يستخدم أساليب عقابية لتربيتي حسب ترديده”.
أقلّها، حسب تعبير غنى، كان “حبسي في الغرفة وحرماني من الأكل والشرب”.
وأضافت: “أقدمَ بشكلٍ متكرّر على خطف ابنتي منّي لأيام، ومنعي من رؤيتها أو التواصل معها، بعد سلبي هاتفي وسيارتي”.
ووفقًا لبوحها لـ”شريكة ولكن”، حاولتْ غنى كسر الاحتجاز الزوجي لها عبر الخروج إلى الشرفة والاستنجاد بالجيران. إلّا أنه كان يصعّد عبر حبسها في الشرفة.
وبحسب تقرير الطبيب الشرعي، عانت غنى في تلك الفترة من نزيفٍ بسبب الخوف والضغوطات النفسية التي عاشتها نتيجةً للعنف.
لأتراجع.. “أرسل رجالًا ليهدّدونني ولفّق لي تهمة الزنا وتعاطي المخدرات والعمالة”
بتاريخ 4 تمّوز/يوليو 2022، اجتهد محمد علوش لافتعال نزاعٍ مع غنى، كان النزاع الأخير من نوعه في العلاقة.
في هذا الخصوص، عبّرت غنى لـ”شريكة ولكن” بأنه “ظلّ يلاحقني من غرفة إلى أخرى، ثم بدأ بضربي والتعدّي عليّ بالإهانات والصراخ”.
وأضافت أنه “بإطلاق اللعنات والاتهامات بأني “ناشز”، تمكن من حشد الجيران. ثم اتصل بأهله كقوّة ضغطٍ”.
حينها وبعد أن حاولتْ الاستنجاد بوالدها، اضطرت للهرب مع ابنتها خوفًا من تعرّضهما مجددًا للعنف.
وأكدت أنها لجأت إلى أحد شيوخ المنطقة علّه يساعدها “لكن دون جدوى”.
وصفت غنى الموقف قائلةً “عندما وصل والدي وشاهد ما أتعرّض له، ساعدني فورًا على ترك المنزل والعودة إلى منزل أهلي”.
وأردفت: “أثناء مغادرتنا حمل والدي ابنتي، لكن زوجي منعه ثم أخذ مفتاح الشقة ومنعني لـ20 يومًا من الوصول إلى ابنتي”.
ونتيجةً لذلك، استخرجت غنى قرار حضانة مؤقتة رسمي من المحكمة الشرعية الجعفرية، رغم محاولات الزوج المعنّف عرقلة ذلك عبر الطعن بالقرار.
وبتاريخ 27 تموز/يوليو 2022، أرسل محمد علوش 3 أشخاص، تم التعرّف على هويّاتهم الحقيقية لاحقًا، إلى منزل عائلة غنى.
وبحسب شهادة الناجية، فإن هؤلاء “عرّفوا عن أنفسهم بأسماء وهمية، ثم هددوا والدها وأمروه بإجبارها على لقائهم بالقوّة”.
وأوضحت أن الهدف “كان تسجيل مشاهد تُظهرني وأنا أتنازل عن حضانة ابنتي وأوّكلهم بالطلاق”.
وأكدت لـ”شريكة ولكن” أنه “بعد رفضنا ذلك، زادوا رجالات زوجي من حدّة التهديدات، فتوعّدونا بالقتل أو تدبير فضيحة شرف”.
ولم يقف تطاول المهدِّدين عند هذا الحد، حيث وصل بهم الأمر إلى ملاحقة أحد تلامذة غنى وهو قاصر والتعدي عليه.
وتعمّد هؤلاء إجبار التلميذ على الإدلاء بـ”اعتراف قسري” حول “علاقة غير شرعية” تجمعه بالناجية، في نهجٍ نمطيٍّ لطالما سلكه المعنّفون.
ولفتت غنى إلى تطاول المعتدين بـ”الضرب وكسر يد التلميذ، وهو من الجالية العراقية، ثم تهديده بسحب تصريح إقامته في لبنان. ثم قاموا بإجباره على البصم بأصابعه العشر”.
وأفادت أن “التلميذ القاصر (16 عامًا) اضطر للتواطؤ مع زوجي ورجاله في نهاية الأمر، ونشر تسجيلاتٍ بين معارفنا المشتركين اتهمني فيها بالـ”زنا””.
وبوقاحةٍ معهودة هدفها وصم الناجية وتشويه سمعتها، قام الزوج المعنّف، في آب/أغسطس 2022، بتقديم شكوى ضد غنى لدى مخفر حبيش.
وفي دعوته “المُضحكة المُبكية”، اتهمها بـ”الزنا والدعارة والشذوذ الجنسي وتعاطي المخدرات ثم العمالة للاحتلال”.
بعد أن قام بنشر شائعات حول هذه الأمور تمهيدًا لرفع دعوى. إلا أن الشكوى أُبطلت لوجود نقصٍ في الأدلة والبيانات التي تؤكد إدعاءاته.
إشارةٌ إلى أن وثيقة رسمية صادرة عن المحكمة، حصلت عليها غنى على خلفية خضوعها لـ”قسم اليمين” أمام القاضي، بأنها “لم تزنِ” مع تلميذها.
ولكنّ، رغم ذلك حاول محمد علوش استخدام شهادة “مزيّفة” للتلميذ في دعوته المزعومة.
إلا أن أهل الفتى تمكنوا من تسفيره خارج لبنان، بعد أن تراجع عن “اعترافه”، وأدلى أمام القاضي بكلّ ما تعرّض له من “ضرب وتهديد وابتزاز”.
تلفيق تهمة “اتجار بالبشر”
وفي إجراءٍ كيديٍّ انتقامي، رفع الزوج المعنّف دعوى قضائية ضد غنى أمام التفتيش التربوي في لبنان، فسارع الأخير بفتح تحقيق معها.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2022، ادّعى أنها تشترك في عمليات “اتجارٍ بالبشر”، عبر استغلالها طلابها جنسيًّا.
فعل الزوج المعنّف ذلك بعد التشهير بالناجية برسائل نصية وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تقول إنها “طُردت من عملها بسبب اتجارها بالبشر”.
ولتمرير اتهاماته العدائية، استغلّ الزوج آنذاك العلاقة الشخصية التي تربطه بمدير المعهد حيث تعمل غنى.
كما تواطأ المدير مع صديقه المعنّف، فعمد إلى مقاطعة غنى وابتزازها بلقمة عيشها فلم يجدّد عقدها مع المعهد.
حتى فوز غنى رسمياً بحضانة ابنتها لم ينفع!
في عيد ميلاد الابنة، بتاريخ 6 آذار/مارس 2023، فازت غنى، بعد معاناة استمرّت لـ7 أشهر بحضانة ابنتها، بقرارٍ رسميٍّ من المحكمة.
ولحين لحظة كتابة المقال، لا يزال المعنف محمد علوش يرفض تسليم الطفلة لأمها، رغم مذكرة الحبس التي أُصدرت بحقّه لمخالفته القرار.
ففي بلدٍ تغيب فيه الدولة والمؤسسات عن دورها الطبيعي بحماية النساء والفتيات والطفلات من العنف الممنهج ضدّهنّ، تعجز غنى عن كسر الغطاء المناطقي والحزبي الذي يحمي المعنّف.
حتى أنه وبالاستقواء الذكوريّ المعتاد، وعبر علاقاته مع الأحزاب القمعية والأبوية، يمتنع الزوج المعنّف عن تسليم غنى حقوقها المادية وأغراضها الشخصية رغم محاولاتها الحثيثة لتحصيلها بالقانون وعبر المحاكم.
الابنة بحاجة للحماية أولًا
تمتلك غنى في حوزتها أدلة ومستندات وتقارير طبية وقرارات للمحكمة. فضلاً عن مشاهد موثَّقة بالصوت والصورة لما تتعرّض له من انتهاكات.
بيد أنها رغم ذلك لا تزال غير قادرة حتى اللحظة على تأمين الحماية لابنتها بالدرجة الأولى.
وحول هذا الأمر، قالت غنى في شهادتها لـ”شريكة ولكن”: “ابنتي تخاف من والدها الذي يرفض أن يتم استلامها أو تسليمها إلا عبر المخافر وبوجود رجال الشرطة”.
وعبّرت: “في المرّة الأخيرة التي كنت أوصلها إلى المخفر في 22 كانون الثاني/يناير الماضي، كانت مرعوبة من والدها”. مضيفةً: “نزلتْ عالأرض تمسَّكتْ بإجريّي وقالتلي ماما أنا بخاف من بابا”.
وشرحت غنى أن أكثر ما يُثير الخوف لدى الطفلة هو “تعنّت الوالد ورفضه أن تحملُها في المخفر، إذ يصرّ أن يفعل ذلك رجل شرطة غريب لا تعرفه الابنة”.
وأكدت أن “وجود ابنتي مع والدها لا يعني أنها آمنة، يكفي أنه يعاملها بطريقة سيئة ومعنِّفة أيضًا، حتى أنه كان يعتدي بالضرب عليّ أمام عينيها”.
وختمت: “في إحدى المرّات التي ضربني فيها كانت ابنتي بين ذراعيّ ووقعتْ أرضًا لشدّة الضربة. حينها دافعتُ عنها قبل أن أدافع عن نفسي، فحاول لاحقًا أن يستخدم الموقف كذريعةً في المحكمة بأنّي أنا أيضًا ضربته مرّةً”.
حرقة القلب واللوعة هما ما يحكم اليوم علاقة غنى بابنتها. فبعد دخولها الشهر الرابع بعيدًا عنها، تضطر غنى اليوم للتعامل مع مصير مجهول في غياب سُبل اللقاء مع وحيدتها حتى عندما تحاول استراق ولو لحظة معها.