صيدا.. صرخةٌ نسويةٌ واحدة في وجه التعصب ومصادرة الحقوق والحريات
نظمت مجموعات نسوية، من ضمنها “فيمايل”، وقفة احتجاجية على شاطئ مدينة صيدا اللبنانية، ظهر الأحد 21 أيار/مايو الجاري.
وطالبت المحتجات بحقهن في امتلاك المساحات العامة، وعدم إقصائهن عنها تحت أية ذريعةٍ كانت.
ووفق تعبيرهن، فإن “حرية النساء بالتواجد في الأماكن العامة من دون قيود تتعلق بلباسهن وحركتهن، مطلقة”.
وجاء التحرك النسوي في صيدا على خلفية اعتداء رجليّ دين على اللبنانية ميسا حنوني وزوجها.
وكان هذان الشيخان أعطيا نفسيهما الحق في إجبار ميسا على مغادرة شاطئ المدينة الشعبي، لارتدائها “المايوه”.
View this post on Instagram
أبرز مطالب التحرك النسوي في صيدا
تلت المجموعات النسوية المحتجة، بيانًا صحفيًا، وسط تجمّع عناصر من قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، “منعًا لوقوع إشكال”.
وعبّرت المحتجات عن غضبها لما تتعرض له النساء والفتيات في لبنان من عنفٍ وتمييز على كافة الأصعدة وبشكلٍ يوميّ.
وبلسان المتظاهرات، ندّدت الحقوقية جوزفين زغيب بـ”نجاة المعتدين في كل مرة من المحاسبة، بينما يسلَّط الهجوم والتهديد على النساء والفتيات، فيجري تحذيرهن من ممارسة حريتهن”.
وأضافت: “دائمًا ما يتم الانتصار لمنتهكي الحق العام والمعتدين، فيما تُترك النساء فريسةً للقوانين الظالمة والممارسات الاجتماعية القاهرة والقمعية”.
وأكدت زغيب أن “خروج دعوات للتهجم على النساء المحتجات وصلت إلى حد التهديد، وتجاوبت معها بعض القوى المحلية”.
ولفت بيان المحتجات إلى أن “المنظومة الأبوية لم تتوقف يومًا عن فرض وصايتها على أجساد النساء وخياراتهن”.
واعتبر أن حادثة صيدا “ليست معزولة فهي تأتي ضمن سلسلة اعتداءاتٍ أظهرت تصاعدًا لمحاولات مصادرة الفضاءات العامة، وقمع النساء وترهيبهن”.
وذلك “في ظل غيابٍ تامٍ لأجهزة الدولة عن حماية النساء وحقوقهن وسلامتهن إن كان في المساحات الخاصة أو العامة”، بحسب البيان.
وفي هذا السياق، كان لافتًا تصريح رئيس بلدية صيدا، الذي لم يستنكر الاعتداء ولم يتضامن مع الناجية، بل أخذ موقفًا محايدًا يبرر ضمنيًا الاعتداء.
وفي وقتٍ سابق، قال رئيس البلدية، محمد السعودي: “للجميع الحرية بارتداء ما يريدون، لكن في الوقت نفسه، تختلف اعتبارات وثقافات منطقة عن أخرى”.
بدورهن، علّقن المتظاهرات على منطق “الاختلاف بين الثقافات”، معتبرات أنه “تجاوزٌ مباشر لحق النساء الدستوري بممارسة حريتهن”.
ولفتت إلى أن “هذا المنطق لا يبرر إطلاقًا انتهاك حرية النساء وحقوقهن”.
واعتبر البيان أن “صمت المنظومة السياسية عن الاعتداءات المستمرة على النساء والفئات المهمشة الأخرى، ما هي إلا موافقة صريحة على القمع”.
وأشارت المتظاهرات إلى أن النساء بتن “في مكانٍ تطلب فيه الحماية ممن يجب أن يؤمن تلك الحماية”.
ودعت السلطات الأمنية والقضائية إلى إجراء تحقيق شامل في الهجوم على ميسا حنوني، ومحاسبة المعتدين، وتقديم الدعم لها.
وختمت: “تحركنا اليوم هو لإعلاء الصوت ومطالبة كل المعنيين/ات بكف أيدي السلطات الأبوية الدينية التي لا تنفك من التدخل بالحقوق المدنية”.
اعتداءات وشتم وتحرش من “حراس الأخلاق” على المحتجات
خلال الوقفة الاحتجاجية، احتشد متشددون إسلاميون شرعوا بالتعدّي على المحتجات وشتمهن والتحرّش بهن.
وحالوا، عبر استخدام جملٍ مثل “الله أكبر”، و”صيدا مدينة أخلاقية”، و”يلا اشلحوا وفرجونا”، قمع المظاهرة النسوية عند شاطئ صيدا.
وبأسلوبٍ ملّت النساء من مواجهته، أخرج المعتدون نساء عائلاتهم في مظاهرة “نسائية” مضادة.
وتحت مظلّة الشعارات الأبوية، حاول هؤلاء من خلال احتشادهم/ن خلق جوّ من التحريض والتفرقة بين النساء في الجهتين.
لكن المتظاهرات نجحت في عدم الوقوع بهذا الفخّ الذي بات معهودًا على الذكوريين/ات، لأن قضية النساء واحدة.
ولم تستثنِ الناشطات النسويات النساء بمختلف تنوّعاتهن، من مطالبهن بارتداء ما يردنه إن كان الحجاب أو “البوركيني” أو غيرهما.
تنازعوا حول كلّ شيء واتفقوا للسيطرة على النساء!
قبل ليلة من الاحتجاج، أعلن رئيس بلدية صيدا، محمد السعودي، منع حصول أي مؤتمر صحفي أو نشاط أو تجمع على الشاطئ الشعبي في صيدا.
وكانت البلدية رفعت لافتةً كبيرة عند مدخل الشاطئ ذكّرت فيها بـ”مجموعة من الشروط والإرشادات” للدخول.
وبالخط الأحمر، شددت اللافتة على “التقيد باللباس المحتشم” و”منع إدخال المشروبات الروحية”.
وحملت اللافتة توقيع بلدية صيدا ووزارة الأشغال العامة والنقل وجمعية “أصدقاء شاطئ صيدا”.
بدوره، اكتفى وزير السياحة اللبناني، وليد نصار، بـ”استنكار ما حصل على شاطئ صيدا”.
وأكد نصار أنه سيقوم باتصالات مع الوزراء “من أجل الوصول إلى حل”، مناشدًا أهالي المدينة بـ”التمثّل بالأفضل”.
من جهته، أوضح المسؤول الإعلامي في “هيئة العلماء المسلمين”، الشيخ أحمد عمورة، أن “صيدا مدينة محافظة وترفض تحدي أبنائها”.
وتذرّع الشيخ عمورة في تحريضه على المتظاهرات بمبدأ “المحافظة على قيم الأسرة اللبنانية الصيداوية”.
وأوصى شبيحته بـ”الحفاظ على أخلاق المدينة” و”رفض الاستقواء على أبناء صيدا من أشخاصٍ من مدن ومناطق أخرى”.
وقابلت دعوة التحرّك النسوي، دعوات لتجمعات مضادة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حملت في طيّاتها مزيدًا من التهديد والتحريض ضد النساء.
وجاء في إحدى الدعوات: “يبدو أن جماعة العري ومن ورائهن، لم يعجبهن أن تنتهي الأمور دون أن يبحن العري في مدينتنا”.
وتضمنت: “فهن يردن تجميع أنفسهن على نفس الشاطئ لتأكيد ما ظننه حقهن في التعرّي. ولا يخفى عليكن أن هذا الأمر عدا عن أنه مستفزًا لأهالي صيدا، إلا أنه يفتح بابًا للفتنة التي قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه”.
وختمت: “نتمنى أن تمنعوا التجمع قبل حصوله، لأن أهالي صيدا لن يسمحوا به مهما كانت النتائج”، متوجهين إلى الجهات المعنية.
تفاصيل الاعتداء على ميسا حنوني
في 14 أيار/مايو الجاري، اعتدى “شيخان” وحوالي 15 شخصًا من أتباعهما، على ميسا حنوني وزوجها، بذريعة أن “ارتدائها المايوه على الشاطئ يتنافى مع قيم المدينة”.
وفي تفاصيل الحادثة، كانت الامرأة تشرب قهوتها وتقرأ كتابها، عندما أتى المدعو عبد الكريم علوه وشبيحته نحوها، موجهين إليها كلامًا غير لائق.
ثم أخذا بالتمادي إلى حد تهديدها بمغادرة المكان خلال 10 دقائق وإلا “ما بتعرفي شو بيصير”.
وبعد رفض الناجية مغادرة المكان، تمسكًا بحقها بالتواجد في المساحات العامة، عاد “الشيخان” برفقة شبيحتهم، لاستكمال الاعتداء.
وأقدموا على ضرب الناجية، ورشقها بأوساخ موجودة على الشاطئ، لإجبارها على المغادرة.
وعندما تمسّكت أكثر بحقها بارتداء اللباس الذي “يعجبها”، ردّ المعتدي عبد الكريم علوه قائلًا: “شالحة. شو يعني هلأ أنا حر، بشلحلك”.
ولم يكن تهديد الناجية بالاتصال بقوى الأمن رادعًا لهم، إذ كانوا على يقين حول تماهي السلطتين الدينية والقانونية عندما يتعلّق الأمر بحرية النساء.
ولا يزال المعتدون على ميسا طلقاء رغم تعرضهم وتهديدهم لها بشكل علنيّ، فيما تكابد هي ونساء كثيرات لانتزاع حريتهن وحقوقهن.
وتأتي صرخة النسويات اللبنانيات في وجه المتشددين الذكوريين في ظل تخلّي جميع الجهات المعنية في المدينة عن مسؤولياتها في حماية مواطناتها.
ومنذ سنوات، تشهد صيدا محاولات كثيرة لصبغ الأماكن العامة فيها بمحظورات تطال النساء في أغلب الأحيان.