في اليوم العالمي للبيئة.. نحتاج رؤية نسوية لإنقاذ الكوكب
يومًا بعد يوم، نشهد تنامي التغيرات المناخية والأخطار التي تهدد البيئة والموارد المائية والغذائية في أماكن مختلفة من العالم.
أخطارٌ يتم تقديمها من الرأسمالية بأنها تتعلق بالطبيعة والمناخ. بينما هي نتيجة مباشرة للاستنزاف الكبير للموارد، وتغيير الطرق التي حافظت على التعايش مع الطبيعة وحمايتها.
يتجه النظام الرأسمالي الأبوي نحو الربح بأي طريقة من أجل توفير البذخ والثراء لنسبة قليلة من سكان الأرض. بينما على الأغلبية الساحقة أن تتحمل نتائج الكوارث الاقتصادية والبيئية التي تهدد حياتها.
لم يعد الكوكب يتحمل مزيدًا من الاستنزاف. حيث ظهرت التغيرات البيئية التي تراوحت بين الجفاف وتغيرات مناخية غير مسبوقة، وبين التهجيرات والهدم المباشر لمساكن الآلاف من السكان الأصليين في الجنوب العالمي بسبب التعدين.
نحتاج الأصوات النسوية من أجل الاستمرارية والتعايش ضد كل استغلال واضطهاد للبشر وغير البشر.
حركات مقاومة من أجل البيئة.. وتزييف رأسمالي
في هذا الوقت ظهرت حركات مقاومة مختلفة قادتها النساء والشعوب الأصلية، وحاربت الاستيلاء الممنهج على الأراضي واستنزاف الموارد.
تشكل هذا النضال في أماكن مختلفة من أمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا. وقادته مجموعات وتنظيمات وقفت في وجه الترحيل المستمر للسكان من أراضيهم، واستنزافها في عمليات التنقيب والبحث عن الثروات الباطنية.
وقد أسفرت هذه المقاومة عن تشكيل جبهات دفاع بيئية. حيث استطاعت كشف العمليات الوحشية التي تقوم بها الشركات العابرة للحدود بمعونة الأنظمة الديكتاتورية في هذه البلدان، ضد الأرض والسكان والكائنات الحية.
مما وضع الأنظمة القمعية في موقف دفاعي، اتجهت فيه لضخ الأموال في هيئات إعلامية، وأخرى في ثوب حقوقي. إذ تحاول تسويق دعاية ليبرالية بأن السبب في كل هذه الكوارث هو شراء الأفراد للأكياس البلاستيكية، أو استهلاكهن/م للحوم.
وعرفت بداية الألفية الثالثة تناميًا في هذه الدعاية حتى أصبح التغير المناخي ظاهرة خارجة عن السيطرة. ووضعت لها خطط من نفس الأنظمة التي تستنزف الأرض وتهجر السكان اللاتي/الذين كن/كانوا يبتدعن/ون طرقًا للحفاظ على التناغم والتوازن البيئي.
تكون النسوية البيئية بمختلف تياراتها، إطارًا سياسيًا وفكريًا. إذ يواجه هذه الدعاية ويبني أجندات مهمة، لمواجهة التدمير والاستغلال الممارس ضد البيئة والفئات المهمشة.
النسوية البيئية إطار سياسي ضد الاستغلال
خلال بداية السبعينيات، وفي ذروة تنامي النضال النسوي وغزارة إنتاج معرفي يفضح الأنظمة الأبوية، ظهر تيار جديد في النسوية. يهدف الأخير إلى توجيه الأنظار نحو أجندة نسوية ترى النضال ضد النظام الأبوي والرأسمالي أبعد من العنف القائم على النوع أو التفاوت الطبقي.
ساهم هذا التيار في إبراز العلاقة بين استغلال وتدمير البيئة واستغلال النساء.
وقد تباينت النظريات النسوية في هذا التيار، لأنها تجمع بين نظريات ثورية متعددة. لكنها اجتمعت على نقطة أن التدمير البيئي والعنف ضد النساء ناتج عن سيادة نظام أبوي رأسمالي استعماري يرى النساء والأرض بعين الملكية الخاصة. كما يمارس عنفًا ممنهجاً يفضي في النهاية إلى الموت والتدمير.
وحسب مدرسة النسوية البيئية، فإن الاضطهاد الذي تتعرض له النساء مرتبط باضطهاد باقي الفئات المهمشة مثل الطبقات العمالية والسود والأطفال والأقليات المهمشة. تمامًا كما هو مرتبط باضطهاد الطبيعة، بما فيها الكائنات الحية غير البشرية والماء والموارد والهواء.
وبالتالي، فإن النسوية البيئية تسعى إلى بناء إطارٍ سياسي يعترف بهذا الاضطهاد التقاطعي. ويبني استراتيجيات تهدف إلى استبدال كامل لبنى الهيمنة الرأسمالية والأبوية.
وتقدم رؤية لبناء مجتمعات عادلة تحافظ على أمن وسلامة جميع الكائنات الحية وعلى التناغم بين البيئة والبشر، دون استنزاف الموارد الطبيعية.
وقد تطور هذا التيار عبر العقود الماضية، وارتبط بشكل كبير بنضالات النساء الأصليات في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، من أجل أراضيهن ومياههن. وانخرط في حماية النضال البيئي من محاولة النظام الرأسمالي إلى تسطيحه والاستيلاء عليه.
حيث شهدت السنوات الأخيرة ظهور مجموعات ومنظمات، تركز على نفس الأطر التي قدمتها النسوية البيئية. ووسعتها لتشمل الحفاظ على الطرق الأصلية للعيش مع الطبيعة وليس على حساب الطبيعة.
View this post on Instagram
الرؤية النسوية في مواجهة تزييف رأسمالي لقضايا البيئة
إن النضال البيئي منذ مطلع الألفية الثالثة، أصبح مهددًا بالدعايات الليبرالية التي تضعه – كما وضحنا – في خانة العجز. وذلك من خلال تصوير أن الكوارث البيئية هي نتيجة للتغيرات المناخية وليست بسبب هذه الأنظمة المدمرة للكوكب وسكانه وكائناته الحية.
لذلك، تكون النسوية البيئية بمختلف تياراتها، إطارًا سياسيًا وفكريًا. إذ يواجه هذه الدعاية ويبني أجندات مهمة، لمواجهة التدمير والاستغلال الممارس ضد البيئة والفئات المهمشة.
أهمية الرؤية النسوية في النضال البيئي، هي أيضًا، تذكيرٌ بأن النساء في كل مكان يتصدرن النضال ضد هذا التدمير والدفاع عن شعوبهن وأراضيهن ومواردهن.
يوفر النضال النسوي البيئي رؤية واضحة لمواجهة التغير المناخي وتناقص الموارد. رؤيةٌ توضح أن الكوكب يتجه نحو الانهيار، ولا سبيل سوى الاتحاد ضد النظام الرأسمالي الأبوي واستبداله بكل السبل الممكنة.
لذلك، في اليوم العالمي للبيئة، نحتاج إلى مزيدٍ من الأصوات النسوية. نحتاج إلى أصوات النساء اللواتي يدافعن عن أراضيهن وحقولهن ومزارعهن وغاباتهن وصحاريهن. كما نحتاج إلى الأصوات النسوية التي تدافع عن عالمٍ أفضل لجميع الكائنات الحية، عن الهواء النقي والمياه غير الملوثة والأمن الغذائي. نحتاج الأصوات النسوية من أجل الاستمرارية والتعايش ضد كل استغلال واضطهاد للبشر وغير البشر.