بسبب الطلاق.. رحلة معاناة أمهات مع مدارس ترفض طفلاتهن وأطفالهن
بالرغم من أن التعليم حق لكل مواطن/ة حسب ما يقره الدستور المصري، إلا أن بعض المدارس الخاصة لها رأي آخر. حيث يتم رفض بنات/أبناء النساء المطلقات في هذه المدارس، بسبب الحالة الاجتماعية للأمهات.
تلك المشكلة تحديدًا تتعلق بالمدارس غير الحكومية التي تضع معايير خاصة بها وفق رؤية إدارة المدرسة، ومنها رفض أبناء/بنات المطلقات. قد يتعلق بعضها بأسباب مادية، حيث يتهرب بعض الآباء من سداد مصروفات المدارس كنوع من معاقبة الأم أو إجبارها على الرجوع للزوج.
حتى وإن كانت الأم قادرة على سداد المصروفات، فقد يمثل الآباء صداع في رؤؤس المدارس الخاصة. حيث يفتعلون المشكلات بين حينٍ وآخر مع إدارة المدرسة، لرغبتهم في تحويل المدرسة لساحة رؤية طفلاتهم/أطفالهم بالمخالفة للقانون. وكثيرٌ ما يكون الأمر بغرض مضايقة الأم فقط.
في النهاية، تجد الأم المطلقة نفسها ضحية لتعنت آباء ومدارس خاصة. وبينما تخوض بعضهن رحلة شاقة للبحث عن مدرسة ذات مستوٍ جيد، فقد تواجه الرفض من عشرة مدارس خاصة على سبيل المثال. وعوضًا عن وجود عدة خيارات للمدارس ومستواها التعليمي، تتقلص الخيارات إلى مدرسة واحدة، أو تنعدم كليةً.
تقتصر مشكلة رفض طفلات/أطفال المطلقات في المؤسسات التعليمية على المدارس الخاصة. حيث إن إدارة المدرسة تقوم بعمل مقابلة شخصية للطفل/ة ووالديه/ها، وعندما تتبين الحالة الاجتماعية للأم، يكون القرار غالبًا هو الرفض. بينما المدارس الحكومية تقبل الطفلات/الأطفال بدون مقابلات شخصية، إلا أن ضعف جودة التعليم الحكومي تدفع الأسر للسعي وراء المدارس الخاصة والخضوع لشروطها الطبقية.
كل مدرسة خاصة تضع قواعدها وفق قناعات الإدارة، وهذا يمثل خرقًا للقانون الذي يمنع التمييز بين الأطفال/الطفلات.
المدارس الخاصة صاحبة قرارها
رحلة معاناة خاضتها “إيمان محمد” بعد طلاقها، عند التقديم لطفلتها في مدرسة خاصة بمصر. عندها، فوجئت بأن كثير من المدارس الخاصة ترفض قبول بنات/أبناء المطلقات.
تقول إيمان لـ”شريكة ولكن” إنها قبل التقديم لابنتها، لجأت إلى والدة صديقتها التي تعمل مديرة إدارة تعليمية بمحافظة القاهرة. وذلك لكي تتعرف على الإجراءات والأوراق المطلوبة للتقديم في مدرسة خاصة ترغب في إلحاق ابنتها بها. لكن والدة صديقتها أخبرتها أن المدرسة لن تقبل ابنتها بسبب حالتها الاجتماعية، وهي قاعدة عرفية تتبعها بعض المدارس الخاصة.
نزلت تلك الكلمات على “إيمان” كالصاعقة. فبعد أن انفصلت عن زوجها، كرّست جهودها لتعيش ابنتها حياة كريمة وتحصل على أفضل تعليم. لكنها لم تستطع إلحاقها بالمدرسة التي تحلم بها، ورضخت للأمر الواقع. حيث قدمت لابنتها في مدرسة أخرى ذات جودة تعليمية أقل. من وقتها، تتسائل إيمان: “ما الذي اقترفته طفلة لا يتعدى عمرها الـ6 سنوات، لتصبح موصومة مجتمعيًا وتتعرض لتمييزٍ في التعليم؟”
رحلة مشقة وعناء تخوضها الأم المطلقة، فقط لتتمكن من إلحاق طفلها/طفلتها بمدرسة من اختيارها. في الأخير، تضطر إلى إلحاقه/ها بالمدرسة التي تقبله/ها، ليصبح رضا المدرسة وقبولها لبنات/أبناء المطلقات أمرًا مَن تتحصل عليه تكون محظوظة. بهذه الكلمات وصفت “سمر”، ولية أمر مطلقة، قصة مواجهتها لسلسلة من رفض المدارس، حتى تم قبول ابنها في النهاية.
البيزنس هو ما يحكم عمل المدارس الخاصة، فأحيانًا يواجه بنات/أبناء المطلقات تعثرًا وتأخيرًا في سداد المصروفات، بسبب رفض بعض الآباء سداد المصروفات. وبالتالي، يكون الهدف هو وضع الأم في مأزقٍ تعثر دفع المصروفات، وهو ما لا تقبله بعض المدارس.
تقول المحامية انتصار السعيد إن كل مدرسة خاصة تضع قواعدها وفق قناعات الإدارة، وهذا يمثل خرقًا للقانون الذي يمنع التمييز بين الأطفال/الطفلات.
أطفال ضحايا الآباء
مرت الأيام لتجيب على تساؤل “إيمان” عن سبب رفض بنات/أبناء المطلقات ببعض المدارس. هذه الإجابة ساعدها في الحصول عليها طليقها الذي افتعل مشكلة أقحم فيها المدرسة. حيث حرر شكوى في مجلس الوزراء ضد إدارة مدرسة ابنته، مُطالبًا بتمكينه من متابعة مستوى ابنته التعليمي. بعدها، تم تحويل الشكوى إلى الإدارة التعليمية التابعة لها المدرسة.
ردت المدرسة على الشكوى بأن الوالد يستطيع الالتقاء بالمدرسات/ين، ولكن لا يحق له الالتقاء بالطفلة. كان ذلك استنادًا إلى قانون الأحوال الشخصية، والذي ينص على حكم رؤية في المكان المخصص لذلك لأمر.
تقول إيمان: “وقتها عرفت لماذا رفضت المدرسة ابنتي. تواجه المدارس تصرفات سخيفة من الآباء، ويدفع الطفلات/الأطفال الثمن”.
لم يكن طليق إيمان حريصًا على مستوى ابنته التعليمي، ولكن شكوته كانت بغرض رؤية ابنته في مقر المدرسة مخالفة للقانون. ومع مرور الوقت، تبين أن هدفه كان مضايقة الأم، وهو ما أكده تصرفه بعد ذلك. حيث لم يهتم بمتابعة مستوى ابنته التعليمي كما ادعى في الشكوى، كما أنه لم يسأل عليها مطلقًا للاطمئنان عليها.
المشكلة التي تسبب فيها طليق “إيمان” هي مجرد نموذج لعشرات المشكلات التي يفتعلها الآباء مع المدارس، لمضايقة الأم في الأساس. حيث إن كثير من حالات الطلاق لا تتم بالتراضي بين الطرفين، وهو ما تؤكده ساحات محكمة الأسرة المكتظة بآلاف قضايا الطلاق والخلع. بالإضافة إلى آلاف قضايا النفقات التي ترفعها المطلقة، لكي تلزم الأب بالإنفاق على الصغيرات/الصغار.
المدارس تتحول إلى ساحات معركة
المشاحنات تكون دائمة بين الوالدين، ليصبح الطفل/ة ضحية في المدرسة أيضًا، وليس في البيت فقط.
نسب الطلاق في مصر صادمة وفي تزايد. فبحسب الجهاز المركزي للتعبئة الإحصاء، حالات الطلاق على مستوى الجمهورية وفقًا لآخر إحصاء لعام 2021 قد بلغت 254,777 حالة طلاق. وذلك مقارنةً بالعام الذي سبقه والذي شهد تسجيل 222,039 حالة طلاق.
تشير الإحصاءات إلى زيادة نسبة الطلاق بين الشباب في الفئة العمرية من 25 إلى 35 عامًا، بنسبة 19.8%. وهي المرحلة التي يكون فيها غالبًا الطفلات/الأطفال في مرحلة التقديم للمدارس. وكنتيجة، يواجه بعضهن/م مشكلة الرفض في المدارس، وتحديدًا في الطبقات القادرة على التعليم الخاص والدولي. أما الطفلات/الأطفال اللاتي/الذين يتم التقديم لهم في مدارس حكومية، فلا يواجهن/ون تلك الأزمة.
أمهات يسقطن ضحايا بين أزواجهن السابقين والمدارس الخاصة. حيث إن افتعال الأب للكثير من المشكلات مع إدارة المدرسة، هو ما يتسبب في توقف كثير من المدارس عن قبول بنات/أبناء المطلقات. فالأب بين الحين والآخر يذهب للمدرسة مطالبًا برؤية طفلته/طفله، خاصةً إذا كان هناك مشكلة بينه وزوجته حول الرؤية. يؤدي عدم تفاهم الطرفين عادة إلى حصول الأب على حكم رؤية لمدة 3 ساعات أسبوعيًا، في مكانٍ عام تحدده المحكمة مثل النوادي ومراكز الشباب.
لكن في حالاتٍ كثيرة، يطلب الأب رؤية طفلاته/أطفاله في المدرسة، وهو أمر ممنوع قانونًا. حيث إن المدرسة للتعليم فقط وليست ساحة للقاء الطفل/ة بوالده/ها، فيتشاجر الأب مع إدارة المدرسة. وفي حالة رضوخ المدرسة لطلبه، تتدخل الأم وتتشاجر مع إدارة المدرسة على السماح له بالرؤية مخالفةً لحكم محكمة الأسرة.
في هذه الأثناء، عادة لا يكون الأمر تعنت من قبل الأمهات. ولكن كثير من الآباء لا يسددون نفقات التعليم والمعيشة، أو يدفعون الفتات الذي لا يكفي حتى مصروفات الطعام. هنا، ترى الأم أنه ليس من حق الأب رؤية الطفل/ة خارج المواعيد والأماكن المقررة من قبل المحكمة.
الغريب في الأمر، أن طلب الولاية التعليمية لا يتم الاكتفاء به مرة واحدة، ولكن يجب على الأم تجديده كل 6 أشهر، طبقًا للقانون المصري.
رجاء وواسطة لاستعطاف المدارس
يصل الأمر لدى بعض الأمهات للتوسل لدى إدارة المدرسة الخاصة لقبول طفلاتهن/أطفالهن، للحصول على مستوى تعليمي جيد، خصوصًا مع سوء جودة التعليم الحكومي.
“هبة أحمد”، بالرغم من وضعها المادي والاجتماعي الجيد نسبيًا، واجهت تجربة مريرة للحصول على حق ابنتها في التعليم. عند التحويل لابنتها من مدرسة إلى أخرى، اضطرت إلى الاستعانة بـ”واسطة”، لتقبل المدرسة ابنتها.
تقول هبة: “انتهيت من كتابة البيانات باستمارة التقديم، وبدت الأمور على ما يُرام. ولكن بمجرد علم المسؤولة في إدارة المدرسة الجديدة بأنني مطلقة، تراجعت. حيث زعمت أنه لا يوجد مكان شاغر حاليًا في المدرسة، وأنه بمجرد خلو مكان سيتم التواصل معي. اضطرني ذلك إلى إحضار واسطة تساعدني في التحويل، عقب ذهابي للمدرسة أكثر من مرة متوسلة لقبول ابنتي!”.
تؤكد نيفين عبيد، باحثة في قضايا التنمية والنوع الاجتماعي، أن بنات/أبناء المطلقات يتعرضن/ون لتمييزٍ قائم على وصم اجتماعي. وهو ما يهدد قيم المواطنة، وما تسلكه بعض المدارس الخاصة هو خرق للقانون والدستور.
وترى نيفين عبيد، عضوة مؤسسة المرأة الجديدة، أن حل تلك المشكلة يكمن في تفعيل رقابة الحكومة على المدارس الخاصة، وإلزامهم بتقديم سبب رسمي لرفض بعض الطالبات/الطلاب. وإذا ثبت خرق إحدى المدارس للقانون، يصل الأمر للتقاضي. هذا بالإضافة إلى وجوب تغيير العرف بأن الأب هو معيل الأسرة، فالمسؤولية مشتركة بين الأب والأم.
الولاية التعليمية صداع في رؤوس الأمهات
رحلة البحث عن مدرسة تقبل بناتهن/أبنائهن، ليست المشكلة الوحيدة التي تواجه المطلقات. هناك رحلة أخرى تخوضها المطلقة أمام القضاء للحصول على ولاية تعليمية لطفلاتها/أطفالها.
ويقصد بالولاية التعليمية الحق في تولي الأمور التعليمية للطفل/ة، وخاصةً عند التقديم للمدرسة أو التحويل لأخرى. وحق الولاية التعليمية على الطفل/ة يكون للحاضن/ة، وذلك للرعاية ولتحقيق المصلحة الفضلى للطفل/ة.
طبقا لنص القانون، الأصل في الولاية التعليمية يكون للأب، وبعد الطلاق يفترض ألا تحتاج الأم للتقدم بطلب للمحكمة للحصول على الولاية. بل يكفي إخطارها المدرسة بما يفيد حدوث الطلاق، “قسيمة الطلاق”، لتصبح معها الولاية.
وهنا مشكلة أخرى تمثلها قضية الولاية التعليمية، توضح أبعادها المحامية انتصار السعيد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون. إذ تشير إلى أن على أرض الواقع، يجب تقديم الأم طلبًا لرئيس محكمة الأسرة لنقل الولاية التعليمية إليها، حتى بلوغ الطفلات/الأطفال سن 15 عامًا. وهو السن الذي تنتهي فيه فترة الحضانة طبقًا للقانون.
الغريب في الأمر، أن طلب الولاية التعليمية لا يتم الاكتفاء به مرة واحدة، ولكن يجب على الأم تجديده كل 6 أشهر، طبقًا للقانون المصري.
هنا رحلة عناء جديدة تخوضها الأم، في كل موعد تجديد للولاية التعليمية. فلماذا لا يتم الاكتفاء بصدور الولاية التعليمية مرة واحدة، خاصةً أن حضانتها للطفلات/الأطفال تظل قائمة بدون الحاجة إلى تجديد. بين فترة وأخرى، تجد الأم نفسها مضطرة للدخول للمحكمة لإنهاء الولاية، وأحيانًا تقع ضحية لاستغلال المحامين/ات الذين/اللاتي يطلبونيطلبن آلاف الجنيهات، مقابل إنهاء أوراق الولاية التعليمية.
أعمار النساء تضيع في أروقة المحاكم.. متى يتم تعديل قوانين الأحوال الشخصية؟
من أكثر الأمور التي تسبب ضغطًا كبيرًا على الأم المطلقة في مصر، هو قضاء وقتًا كبيرًا من عمرها في ساحات المحاكم. وذلك للحصول على أبسط حقوقها التي يفترض أن تحصل عليها تلقائيًا بدون الحاجة إلى قرار قضائي.
ترى المحامية انتصار السعيد أن ذلك الأمر به مشقة كبيرة على الأمهات، وأنه من المفترض تطبيق القرار الصادر من وزارة التربية والتعليم منذ عدة سنوات. وينص القرار على نقل الولاية التعليمية للأم مباشرةً، بمجرد تقديمها إثباتًا للطلاق، وبدون تقديم طلبات للمحكمة.
وفي حالة وفاة الزوج أو سفره، تنتقل الولاية التعليمية إلى الأم مباشرةً. لكن إذا كان هناك شخص آخر/أخرى، وفقًا للقانون، معه/ها الحضانة، فيجب حينها أن تقدم الأم طلبًا للمحكمة، للحصول على حق الولاية التعليمية.
ترى انتصار السعيد أن قانون الولاية التعليمية هو نتيجة لأبوية شديدة في القوانين الخاصة بالولاية، وقانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1920 – أي منذ أكثر من قرن. فلم يعد مواكبًا للزمن الذي نعيش فيه، لذا فالأمل يكمن في قانون الأحوال الشخصية الجديد، المتوقع صدوره بعد الانتخابات الرئاسية. وذلك بعد تجاهل مطالب المؤسسات النسوية والحقوقية والناشطات بضرورة تعديل قوانين الأحوال الشخصية منذ السبعينيات.
كتابة: نرمين سليمان