النساء الفئة الأكثر تضررًا من التغيرات البيئية.. فهل هن الأكثر مشاركة في صنع قراراتها؟
لم تعد مشاكل البيئة وتغيّر المناخ في البلدان الناطقة بالعربية مجرد نقاشٍ علميٍ نخبويّ. بل أصبحت مناقشةً اجتماعية يجب أن يتم طرحها من منظور “العدالة المبنية على النوع الاجتماعي”، ثم دمج هذا المنظور في صناعة القرارات البيئية.
يتجاوز مفهوم العدالة المبنية على النوع الاجتماعي توزيع حصص عادلة من مصادر الطاقة، والمياه، والغذاء. فيشمل أيضًا الاعتراف باحتياجات النساء، خاصة المقيمات في الريف، في ما يتعلّق باستخدام الموارد والحفاظ عليها.
كما أنه يشمل إدماج فئاتٍ متنوعةٍ في عمليات صنع القرار، واتخاذ الخطوات اللازمة من أجل تمكينها. وهذه معرفة ذات قيمة اقتصادية وإنسانية، ويمكنها بدء اقتصادٍ قائمٍ على مفهوم العدالة الاجتماعية.
تعاني بلداننا الناطقة بالعربية من ارتفاع درجات الحرارة بشكلٍ ملحوظٍ. حتى أنه تم تحديد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على أنها “بقعة ساخنة” لتغير المناخ. وذلك بحسب التقرير الصادر عن “البنك الدولي” بعنوان “اخفضوا الحرارة – مواجهة الوضع المناخي الجديد” لعام 2012.
وفقًا للتوقعات الحالية، فإن ذلك هو السيناريو الأكثر تفاؤلاً. إذ تم التنبؤ بالمخاطر المتعلقة بتغيّر المناخ، مثل انخفاض معدل الأمطار، وزيادة الجفاف، وارتفاع منسوب مياه البحر. ما يؤدي إلى تفاقم الضغوطات التي تواجهها المنطقة.
View this post on Instagram
النساء وصناعة القرارات المتعلقة بالبيئة
بات من المؤكد حسب عدة تقارير عالمية، لا سيما تقارير الأمم المتحدة، أن التغييرات البيئية على رأسها المناخية، تطال النساء أكثر من الرجال، سيما في منطقتنا حيث تتحمل أغلبهن مسؤوليات تأمين الغذاء والوقود.
وتشكّل الزراعة أهم قطاع عمل للنساء الريفيات في الدول الناطقة بالعربية. بحيث تبذل النساء في فترات الجفاف، جهدًا أكبر لتأمين الغذاء لأسرهن. ما يضعهنّ في مواجهة مباشرة مع ضغوط إضافية، أهمها التخلي عن الدراسة.
كما يساهم تغير المناخ في النزوح القسري للفتيات، ما يعرضهن للعنف الذي يصل أحيانًا إلى القتل، والاستغلال الجسدي/الجنسي.
وبما أن النساء في مجتمعاتنا، وبالأخص الريفيات، في الخطوط الأولى من مواجهة تداعيات المناخ السلبية، فهل هنّ كذلك في الخطوط الأولى لعملية صنع القرارات البيئية والمناخية؟
من هنا، كان لنا اتصالات مع عدة مسؤولات/ين، وناشطات في المجال البيئي من مختلف أنحاء المنطقة. تمّت هذه المقابلات بغرض الحصول على معرفة قريبة وذات سياق محلي حول مشاركة النساء في صناعة القرارات البيئية.
يعد التحيّز الثقافي والاجتماعي من أبرز العوامل التي تقلل نسبة مشاركة النساء في صناعة القرارات البيئية والتي تصبّ جميعها تحت خانة التمييز الجندري. إذ يتم اعتبار النساء أقل كفاءة من الرجال إلى جانب التوزيع الذكوري للفرص التدريبية والتعليمية. علاوةً على النمط التقليدي للقيادة، والنابع من التقاليد الأبوية التي تحصر أدوار النساء في الإنجاب والرعاية.
الدول الناطقة بالعربية التي شملها التحقيق: لبنان، العراق، سوريا، مصر، الأردن، تونس، والمغرب.
الملف البيئي في لبنان
قامت “شريكة ولكن” باتصال مع الدكتورة البيئية في الجامعة الأميركية في بيروت، والنائبة في البرلمان اللبناني، الدكتورة نجاة صليبا، التي أشادت بأدوار النساء البارزة، خصوصًا الريفيات، في العمل البيئي منذ وجود الحياة على الأرض، لا سيما في قطاع الزراعة.
نوّهت نجاة صليبا إلى “عملهنّ في حصد المحاصيل الزراعية، وتعليم عائلاتهنّ حرفة الزراعة”. كما أنهنّ “يقمن بمهام فصل وتنقيح المحاصيل، وصناعة المربَّيات والمونة، وتربية الدواجن، التي بدورها تنتج السماد، الغذاء الملكي للتربة”.
لذلك “يتأثّرن أولاً بالتلوث، سواء في التربة أو في الهواء أو الماء، كونهنّ أكثر احتكاكًا بالبيئة وقُربًا منها. مما ينعكس سلبًا على إمكانية عملهنّ في القطاع الزراعي، وعلى إنتاجيته في المناطق الريفية”.
كما اعتبرت أن النساء “هن العمود الفقري للاقتصاد، خصوصًا وأن غالبية الأعمال البيئية والزراعية موكلة إليهن وتحديدًا المقيمات في الريف”، مؤكّدةً أن “أغلب النساء المقيمات في لبنان مهتمات بالشأن البيئي”.
غُيّبت النساء عن ممارسة صناعة القرار البيئي في لبنان، ما دفع جهات خاصة إلى خلق مبادرات تعزّز من وجودهن وتدعم مشاركتهن الفعالة، لمواجهة غياب فرص تمكينهن في هذا المجال.
أما عن صنع القرار على صعيد الدولة أو المؤسسات الرسمية، فأوضحت أنّهن “لا يساهمن بصناعة القرار البيئي”. والسبب برأيها يعود إلى “عدم وجود عمليات صنع قرار خاصة بالبيئة. وذلك نظرًا لتفكّك الدولة، والأوضاع الاقتصادية المتردية مؤخرًا. أما على صعيد البلديات ولجان البيئة، فدور النساء، خصوصًا الريفيات، في صناعة القرار البيئي هو دورٌ ضئيل مقارنة بالرجال”.
إذن، غُيّبت النساء عن ممارسة صناعة القرار البيئي في لبنان، ما دفع جهات خاصة إلى خلق مبادرات تعزّز من وجودهن وتدعم مشاركتهن الفعالة، لمواجهة غياب فرص تمكينهن في هذا المجال، على الصعيدين الوزاري والبلدي.
هذا ما أكدته الناشطة البيئية، وعضوة الهيئة الإدارية في جمعية الجنوبيون الخضر، ريم غريب.
إذ لفتت في مقابلة مع منصتنا إلى سعي الجمعية نحو “تحفيز انخراط النساء في صناعة القرارات البيئية”.
وأشارت إلى أنّهن “يمارسن -من خلالها- الكثير من الأدوار، فبينهنّ الطبيبة البيطرية والمهندسة الزراعية، ومن يرعين الحيوانات البرية، ومن يراقبن الحياة البرية والبحرية، ويتابعن قضايا حماية الممتلكات العمومية والمساحات العامة ويساهمن في إثارة الرأي العام تجاه قضايا الوطن البيئية، وينظمن الحملات التوعوية والندوات والورش التربوية والأنشطة الثقافية التوعوية”. بالإضافة إلى أن بعضهن “شريكات في صنع القرار من خلال تواجدهن في الهيئات الإدارية المُتتالية للجمعية منذ تأسيسها عام 2014”.
الملف البيئي في العراق
قامت “شريكة ولكن” بالتواصل مع خلود العامري، رئيسة شبكة “صحافيات من أجل المناخ” في العراق.
تقول خلود العامري: “تبقى مشاركة النساء في صنع القرارات البيئية محدودة. هناك كثيرات يعملن في المجال البيئي، ولكن أعدادهم ضئيلة مقارنة بالرجال. ولا يزال العراق بحاجة لإدماج النساء أكثر في صنع القرارات البيئية وعلى رأسها تلك المتعلقة بأزمة المناخ”.
هناك عدة عضوات في “اللجنة الوطنية العراقية لتقليل الانبعاثات”، وعضوات لجان وطنية خاصة بالمناخ. ولكن ليس لديهن المخصصات الكافية التي تمكنّهن من إبراز الطاقات والقدرات”. على سبيل المثال، أطلقت الدكتورة آفاق إبراهيم، مشروع “زراعة المليون شجرة” في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الحكومي في العراق. بدأ المشروع كفكرة منذ سنوات، لتشجيع غرس الأشجار. كما قامت بدورات بيئية تدريبية في بغداد للعديد من الأشخاص في هذا المشروع، إلى أن أُتم بنجاح تحت إشرافها”.
وأطلقت خلود تمني خاص من خلال منصة “شريكة ولكن”، يهدف لإدماج النساء وبشكل أكثر فاعلية في مفاوضات المناخ. لا سيما أن “العراق بلد غني بالطاقات النسوية في مجال البيئة والمناخ. بالإضافة إلى ضرورة تشكيل لجان نسوية تقدم مشاريع واقتراحات تشريعية في البرلمان العراقي. عسى أن يكون هناك توازن جندري في البرلمان فيما يخص ملف البيئة”.
النساء الريفيات
أما عن النساء الريفيات في العراق، فهناك تهميشٌ لأدوارهن، مثل “أم حسن”. وهي مربية جاموس فقدت عدة حيوانات بسبب فيروس أصاب الماشية. لكن لم يصل صوت استغاثتها للمسؤولين/ات، ولم يتحرك أحدٌ لمساعدتها.
في هذا الصدد، أجرينا اتصالًا مع الدكتورة آفاق إبراهيم جمعة، صاحبة مشروع “زراعة مليون شجرة”. حيث أكدت أن الريفيات في العراق لا يشكلن أي حلقة تذكر في صنع هذا القرار. ويرجع ذلك إلى قلة حملات التوعية والتثقيف، والهيمنة الذكورية التي تستبعد مشاركة النساء في صياغة القرارات، وتحصر النساء في أدوارهن الإنجابية.
لكن مشاركتهن في العمل البيئي تكون بالزراعة. فهن المعنيات بالاهتمام بالتربة. حيث أن 50-70% من الريف العراقي يعتمد على النساء.
بسبب التغير المناخي، تواجه المزارعات صعوبات جمة، كالتعرض لنقص التغذية والجوع. بالإضافة إلى نقص الموارد المائية نظرًا لارتفاع درجات الحرارة، مما يزيد الحمل والعبء على الريفيات لتأمين المياه اللازمة لري المحاصيل قبل فقدانها. كما أن التعرض للكوارث الطبيعية بفعل تغير المناخ يعرض حياة المزارعات واستقرارها للخطر.
الملف البيئي في الأردن
قامت “شريكة ولكن” بالتواصل مع الدكتور نزار حداد، مدير “المركز الوطني للبحوث الزراعية” في الأردن.
إذ أوضح أن “التطرف والنزاع السياسي والظروف المناخية تعطل الممارسات الزراعية. كما تضر بالمحاصيل، وتزيد ندرة الغذاء وسلاسل التوريد”. وأكد أن “هذه العوامل تؤثر على النساء كمسؤولاتٍ رئيسياتٍ عن إنتاج الغذاء وتوفيره لأسرهن. لذلك، هناك حاجة ملحة لإشراك النساء في صنع القرار لمواجهة هذه التحديات. مع إدراك أن تغير المناخ يؤثر على الجميع. لكن النساء، وخاصة المقيمات في المجتمعات الريفية والهامشية، يتحملن أعباءً لا تتناسب مع ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية والبيئية”.
وأكد الدكتور حداد أن: “أن مشاركة النساء في مفاوضات المناخ أمر بالغ الأهمية لتطوير سياسات شاملة وفعالة. على الرغم من أن النساء الأردنيات يشكلن حضورًا محدودًا في مثل هذه الفعاليات، إلا أن هناك تغييرٌ تدريجي. إذ يلاحظ مؤخرًا أن الوفد الوطني الأردني في المؤتمرات الدولية للمناخ يضم مشاركات نسائية”.
على صعيدٍ آخرٍ، أكدت بنان أبو زين الدين مسؤولة جمعية “تقاطعات” بالأردن أن إشراك النساء في صناعة القرار البيئي صوريٌ. وهو ما عبّر عنه أيضًا مثقال الزيناتي، منسق “نقابة عمال الزراعة المستقلة” بالأردن. حيث أكد أن في الوقت الحالي لا يوجد مبادرات لإشراك النساء في القرار البيئي. حتى أن الحكومة رفضت ترخيص نقابة لعاملات الزراعة.
النساء الريفيات
تواصلت “شريكة ولكن” مع المهندسة آلاء وهبة، رئيسة قسم “بحوث التغيرات المناخية ومراقبة الجفاف” في الأردن.
View this post on Instagram
إذ أشارت إلى أن: “النساء في المناطق الريفية يواجهن حواجز إضافية فيما يخص مشاركتهن في صناعة القرار البيئي. وذلك بسبب قيود الوصول إلى التعليم والموارد والتكنولوجيا. ومع ذلك، يعد تمكين الريفيات أمرًا ضروريًا، لتحقيق تغيير يتيح توفير الدعم المناسب لهن. كما أن هذا الدعم سيعود بالنفع على صناع/صانعات القرار من حيث الاستفادة من خبرات الريفيات في إيجاد حلول مبتكرة وفعالة في المجال البيئي.
لذلك، ظهرت العديد من المبادرات وبرامج التدريب لبناء قدرات النساء في الريف. والأخيرة أطلقها “المركز الوطني” في الأردن خلال السنوات الخمس الماضية. حيث تم تدريب 350 من الأردنيات، وتم خلق مجموعة من الوظائف الخضراء المساهمة في زيادة القدرة على التكيف مع آثار التغيّر المناخي وزيادة الأمن الغذائي. ومن هذه الوظائف الخضراء: الزراعة المستدامة، والطاقة المتجددة، وإدارة النفايات”.
الملف البيئي في مصر
قامت “شريكة ولكن” بالتواصل مع المستشار السابق لوزير البيئة المصري، المهندس حسام محرم.
حيث أكد على “تنوع مشاركة النساء المصريات في صناعة القرار البيئي. وأهمها المشاركة من خلال المؤسسات الحكومية والأكاديمية والبحثية، والمشاركة من خلال القطاع الخاص. وكذلك المشاركة من خلال الأحزاب والمجالس النيابية والمجالس المحلية والمجتمع المدني”.
ومن وجهة نظره، فإن “تأثير القطاع الخاص هو الأهم على صناعة القرار البيئي، سواء سلبًا أو إيجابًا. حيث يظهر في ملفات مثل المخلّفات الصلبة. وهو الملف الذي كان هناك به مشاركة نسائية، قبل تدخل الدولة مؤخرًا لتطوير منظومة إدارة المخلفات”.
وبحسب المهندسة نورا عبدو، من مجموعة “مناخنا” في مصر، هناك هيمنة رجولية على صناعة القرارات البيئية. إذ يستحوذ الرجال على أغلب الفرص المتاحة. فمثلاً المهندسات البيئيات رغم كفاءتهن العالية، يلجأن أحيانًا إلى تغيير المهنة والتخصص. ذلك لأن هناك صعوبة مجتمعية في تقبل وجودهن في المعامل والمختبرات التي يسودها الرجال. وبالتبعية، يقلل دورهن في صناعة القرار البيئي.
يتضاعف هذا التمييز الجندري على العاملات في المجال البيئي لو لديهن أطفال/ طفلات. وقد يصل إلى استبعادهن كليًّا عن المصانع والمعامل، رغم كفاءتهن. ولكونهن “نساء” و”أمهات“، سيحتجن حقوقًا إضافية كإجازات الوضع والرعاية إلخ.
أشارت المهندسة نورا، إلى أن الحكومة المصرية بدأت بإشراك النساء في الوزارات البيئية. بمعنى أنه على الصعيد العام هناك محاولات. ولكن على صعيد القطاع الخاص، فالنساء مستبعداتٍ. أما عن المؤتمرات البيئية، فحضور المصريات خجول جداً.
كما شددت على الدور المحوري الذي تلعبه النساء في المجال الزراعي. حيث يقمن بأغلب المهام الزراعية من حراثة وري واهتمام بالمحاصيل والحيوانات. وبالتالي، فهن أكثر عرضة للمشاكل البيئية. أما عن القرارات البيئية، فالريفيات مستبعداتٍ كليًا.
الملف البيئي في سوريا
قامت “شريكة ولكن” بالتواصل مع الدكتورة غادة بلال، الباحثة في المجال البيئي. والتي تشغل منصب نائب عميد “المعهد العالي للشؤون الإدارية والتخطيط الإقليمي” في جامعة دمشق.
تعتبر الدكتورة غادة بلال أن النساء السوريات يشاركن في هذا المجال، مدلّلة على الأمر بشغلهن منصب وزارة البيئة عدة مرات. بالإضافة إلى وجود النساء ضمن الكثير من المديريات البيئية.
تقول إن “النساء حاضرات على المستوى الفعلي في المجالات الأكاديمية البيئية، وفي المحافل العلمية المحلية والعالمية. ويقدمن الكثير من الاقتراحات في المجال البيئي، التي نتج عنها قرارات تنفيذية في عدة مشاريع”.
لا شكّ في إن المشاركة “الفعّالة” التي نبحث عنها، لا يمكن أن تشيح بناظريها عن ما شهدته البيئة في سوريا من تدهورٍ واضحٍ خلال العقد الأخير. إذ لا يمكن تجاهل الانهيار الكبير على صعيد التربة، والمياه والهواء في آنٍ واحد، جرّاء استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب، إلى جانب القصف والدمار. في حين ساهمت السوريات في التخفيف من وطأة الحرب على البيئة. إذ جمعن النفايات ومخلفات الحرب، وساهمن في التشجير، خصوصًا في مناطق القصف. إلا أن لهذه الإسهامات آثارها السلبية على صحتهن وسلامتهن الجسدية والنفسية.
View this post on Instagram
الشابات السوريات وشعلة التوعية البيئية
وفي مواجهة هذه الهجمات الكارثية التي كان لها آثار مدمّرة، حاولت السوريات التخفيف من وطأة الحرب على البيئة. فقمن بمبادرات لجمع النفايات ومخلفات الحرب، والمساهمة في التشجير، خصوصًا في المناطق التي تعرضت للقصف. ولكن لا يمكن إغفال الآثار السلبية لهذه الإسهامات على صحتهن وسلامتهن الجسدية والنفسية.
في هذا السياق، توضح مودة بحاح؛ صحافية مهتمة بالشأن البيئي، أن حضور السوريات في المجال البيئي يتعزز بشكلٍ خاص من خلال النشاط الأهلي. فـ “العديد من الجمعيات المعنية بالبيئة والسياحة البيئية تديرها نساء وشابات يعملن على توثيق ورصد التعديات البيئية. ويشبّكن مع الجهات المعنيّة لمعالجة المشاكل”. وتلفت إلى أن “هذه الوساطة لا تنتج أحيانًا، إلا أنهن مستمرات في نشاطهن”.
وعن نوع المساهمات البيئية النسائية، أشارت إلى أن معظمها “تتعلق بالتوعية ونشر الثقافة البيئية. هذا بالإضافة إلى تجارب تتعلق بإعادة التدوير وفرز النفايات”.
تأمل مودة أن “تتمكن السوريات من إطلاق مشاريع بيئية فعالة، على أمل أن يكون للمشروع هدف بيئي، وليس تغطية لأهداف سياسية معينة”.
النساء الريفيات
يقتصر دور الريفيات على العمل الزراعي وفي الأراضي، بحسب مودة التي أكّدت أن “مشاركتهنّ في صنع القرار البيئي مهمشة”.
وتطرقت إلى الاستغلال الأبوي الذي يتعرضن له، إذ “يعملن في الحقول مع أزواجهن وأسرهن، بلا أجر. إنما تتم معاملتهن كابنة أو زوجة غير عاملة، تتلقى مصروفها من العائلة دون منحها جزءًا من الربح يتناسب مع العمل الشاق وساعاته الطويلة”. وتضيف: “أما الشابات اللواتي يعملن في أراضي الغير، فأجورهن زهيدة تكاد تكفيهن فقط للمعيشة. علاوةً على أن ساعات عملهن لا تخضع لأي قانونٍ من قوانين العمل. إضافةً إلى فجوة الأجور بينهن وبين الرجال، في حين يتذرّع أصحاب الأراضي بأن الرجال يبذلون جهدًا عضليًا أكبر مقارنةً بهن”، في تجسيدٍ واضحٍ لتمييز الأنظمة الرأسمالية والأبوية ضد النساء.
وإذ تعتقد أن “أن مشاركة السوريات بشكل عام في الوظائف الحكومية الزراعية أو البيئية ما زالت ضئيلة”، تلفت إلى أن “تأثيرهنّ محدود، نظرًا لضعف الاهتمام بطرح قضايا النساء”.
الملف البيئي في تونس
وضع الريفيات لا يختلف في تونس. حيث “يوجد تشجيعٌ لدمج النساء في العمل البيئي، والمشاركة في صنع القرارات البيئية”، بحسب سيرين عبيدي، المديرة التنفيذية لـ “كرطابل”. وهو مختبر تفاعلي لإنتاج البودكاست والبرامج الرقمية والبيئية في تونس.
تشير سيرين إلى وجود “برامج خضراء تقودها نساء، وهي كانت واحدة منهن”. ولكن “هذه الممارسات، نوعًا ما، محصورة بغير الريفيات. إذ لا يستحوذن في على كافة حقوقهن، ويفتقدن حتى لوسائل النقل المخصصة لإيصالهن الحقول. حتى أن بعضهن يلقين حتفهن على الطريق. وهناك من يرفض التعامل معهن فيما يخص الأرض، مثل الحراثة، ونقل البضائع أو تصريفها”.
إلا أن سيرين، أكدت أن “التونسيات لا يتوقفن عن إعلاء أصواتهن والمطالبة بحقوقهن في كل مناسبة خضراء”. ذلك لأن أعداد ذوات الخبرة والكفاءة والقادرات على قيادة العمل والقرار البيئي، كبيرة في رأيها.
من جهة ثانية، لفتت إلى أن “الإعلام البيئي في تونس تتقدمه النساء. إلا أنه يواجه مشكلة في التمويل”. موضّحةً أن “أغلب المشاريع ممولة من الاتحاد الأوروبي، وليس من الدولة”.
من ناحيتها، توضح مجموعة “أصوات نساء” النسوية، أن “أغلب المشاريع الحكومية التونسية تخضع لسياسة التقشف، ما يزيد من اللا مساواة وعدم التمكين الاقتصادي والبيئي للتونسيات”.
الملف البيئي في المغرب
بسبب انعدام المساواة الذي يعيق تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المجال البيئي، تُعتبر النساء في المغرب الفئة الأقل وصولًا للموارد. هذا ما أكده الدكتور يوسف الكمري، باحث واستشاري في التنمية والنوع الاجتماعي في المغرب، معتبرًا أنهن “يمثلن الحلقة الأضعف في التنمية”.
يتضح ذلك عند مراجعة نسب مشاركة الرجال والنساء في إطار أجندة التنمية المستدامة لعام 2030. حيث يظهر أن نصيب النساء هو الأقل.
ومن هنا، فإن “الأداء التنموي بشكلٍ عام يرتبط بالمساواة المبنية على النوع. مع ذلك، وعلى الرغم من الإنجازات التي تحققت حتى الآن، لا تزال الثغرات قائمة في الدفع باتجاه قضايا الجندر وتغير المناخ في المغرب”.
ويُلاحَظ على وجه الخصوص “غياب لغة جندرية في ما يتعلق بالتكنولوجيا و التخفيف والتكيف والتمويل. كذلك في عدد مناصب القيادة المسنودة للنساء في قطاعات البيئة والتنمية المستدامة. وأيضًا عدم إحراز التقدم في تحقيق نتائج ملموسة في إطار الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة”.
ولهذا نسعى إلى تحقيق الأهداف الآتية، بحسب يوسف الكمري، و”هي:
- ضمان إشراك النساء والشباب، خاصة سكان المناطق الريفية، في عمليات صنع القرار على جميع المستويات.
- توفير الرعاية للمنظمات والجمعيات النسائية، من خلال مشاريع تنموية لإظهار الممارسات الجيدة في مجال الدراسات والبرامج والمشاريع.
- إدماج مسائل الجندر وتغير المناخ في الخطط والبرامج الإنمائية في مختلف القطاعات الحكومية وفي خطط القطاع الخاص والمجتمع المدني.”
كما أعرب عن “الحاجة الملحة إلى بناء قدرات أعضاء وفود الدول (مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني) على إدماج مقاربة النوع”. وشدد على “ضرورة زيادة عدد النساء ضمن أعضاء الوفود. وذلك لتحقيق توازن جندري في منابر مفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول تغير المناخ على النحو المتوخى في القرار 23/COP 18”.
نحو حوكمة مناخية عادلة
من ناحيتها، أكدت فاطمة ياسين، إعلامية وباحثة في القانون والمناخ، الجهود المبذولة من قبل نساء المغرب. وذلك من أجل “ضمان دمج أصواتهن في حوكمة قضايا المناخ، وكسر الحواجز التي تحول دون استفادتهن من الفرص الاقتصادية”. وشددت على أن “أدوار النساء في صياغة السياسات المناخية العامة باتت ضرورة ملحة”.
كما أشادت بدور المغربيات في “التكيّف والتأقلم مع تغير المناخ من خلال ممارساتهن الصديقة للبيئة داخل الأسرة وفي الأنشطة الاقتصادية، خصوصًا في القرى”. وذلك عبر “ترشيد استهلاك المياه والطاقة والغذاء بشكلٍ مستدام”.إلا أنها شددت على أن “هذا الدور غير كافٍ. فالنساء بحاجة لبث هذه الخبرات على الأرض ورفع أصواتهن عاليًا داخل عمليات القرار البيئي”.
النساء الصحراويات.. صعوبات في تمويل مشاريع البيئة
في الصحراء الغربية المحتلة، تعاني النساء في الواحات والمناطق الجافة من صعوبات في العمل المناخي، بحسب فاطمة زعمة، رئيسة جمعية “المرأة الصحراوية للتنمية المندمجة”.
وأعزت ذلك، في اتصال مع “شريكة ولكن” إلى “تحديات التمويل المرتبطة بمبادرات تغير المناخ والمجتمع المدني النسوي بالواحات”. في حين أشارت إلى “إسهام الصحراويات في مواجهة تغير المناخ”، في حين أنهن “الفئة الأكثر تأثّرًا به”. الأمر الذي “يبرر الحاجة إلى إيلاء العناية لإشراكهن في إجراءات مواجهة تغير المناخ”.
كما لاحظت “الحاجة الملحة إلى الدعم المالي، والنظر في قضايا إدراج مقاربة النوع الاجتماعي في المشاريع البيئية”. في حين أعربت عن حماسها “لإمساك النساء بزمام المبادرة في المفاوضات الدولية حول المناخ، وعمليات التخطيط لضمان انتهاج سياسات مراعاة منظور النوع”.