الذاكرة الفلسطينية بأقلام نسائية.. قراءة في زمن الإبادة
جسد الأدب والإنتاج البحثي الفلسطيني ملاحم ابداعية مزجت بين توثيق جرائم الاستعمار الصهيوني، وبين تاريخ وقصص فلسطين وشرائحها الاجتماعية المختلفة.
وقد خلد الكتاب/الكاتبات في فلسطين الوجع والحنين والنكبة والمعاناة. لكنهن/م فتحوا الباب أيضاً لرؤية الشعب الفلسطيني في كليته كشعب يحب الحياة يحب البحر، يحب الحرية، يحب قراه وتاريخ أجداده، ويقاتل لاستعادتها، يتحلى بالأمل رغم خذلان الجميع له.
في هذه التدوينة أردنا التشديد على هذه الشمولية، وعلى أهمية أن يظل الصوت الفلسطيني معياراً للتعامل مع ما يحدث الان ويحدث لسبعين سنة من حرب استعمارية وتآمر وحصار.
عندما تكون الصورة أمامنا مشبعة بأصوات الفلسطينيات/ين فإن ذلك سيكون حصناً حقيقياً أمام ماكينة الدعاية الاستعمارية، التي أصبحت تشكل خطراً على الوعي الشعبي بحق المقاومة وتجريم الاحتلال.
فيما يأتي نقدم أربع روايات/كتب لكاتبات فلسطينيات يحكين فيها عن التجربة الفلسطينية في شموليتها التاريخية والسياسية والاجتماعية. وكيف أنها لا تزال ذات أهمية في ظل استمرار نفس الاجرام الصهيونية منذ 1948، ويكشفن عن جوانبها الإنسانية التي أصبحت تضيع اليوم وسط الأخبار العاجلة.
بينما ينام العالم، تستيقط فلسطين
تجسد رواية “بينما ينام العالم” للكاتبة سوزان أبو الهوى، خيوط ذاكرة تنسج عبر أربعة أجيال فلسطينية دمر الاستعمار الصهيوني صفو حياتهن/م وهجرهن/م عن قريتهن/م وأرض أجدادهن/م إلى مخيم للاجئين في جنين لتبدأ مأساة ما زالت مستمرة حتى اليوم.
ابنة البحر عن غزة التي يحاولون طمسها
في المجموعة القصصية”ابنة البحر” تقدم الكاتبة هداية شمعون صورة غزة بعيون أهلها، فتتبع ضحكاتهن/م وفرحهن/م وحبهن/م للبحر، ومواسم قطف الزيتون، والممارسات اليومية التي تتحدى عنف الاحتلال وحصاره، وتنسج رغبات الحياة والفرح رغم محاولة الاستعمار الصهيوني لجعلها كآبة أبدية.
في القصص تتناول هدية قضايا متنوعة، جمعها إطار واحد برسائل مجتمعية وأخرى سياسية، ولعل سمتها الأبرز هي تبيين أن النساء والفتيات هن الأكثر تضرراً من الاستعمار والنظم المجتمعية القائمة، فتقدم بها هموم نسوية وشبابية وفلسطينية تنوعت ما بين الوجع الاجتماعي والسياسي.
كما تتناول أوضاع الأسيرات في السجون الصهيونية. فتقدم في صورة أدبية وسياسية كيف يتعامل السجان بذكورية مع الأسيرات فيقص شعورهن، ويعذبهن، أملاً في قهرهن.
نساء عصفت بهن الحرب والخذلان
يوثق كتاب “نساء عصفت بهنّ الحرب” حياة 220 قصة حقيقية من أصل 360 جاءت على ألسنة النساء اللواتي خضعن لتجربة الحرب بأنفسهن لتروي معاناتهن، وتبرز الانتهاكات التي ارتكبتها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة سنة 2014 واستمرت لـ”51″ يوما.
يقدم الكتاب طريقة مختلفة للتعاطي مع تأثير الحرب الاستعمارية على غزة من خلال أنسنة تجارب النساء مع الحرب، وعدم اختزالها في الأرقام من خلال فتح المجال لهن لسرد هذه القصص بأصواتهن.
كما تناول الكتاب أنواع الإبادة والعنف التي تعرضت لها النساء في غزة على يد الاستعمار الصهيوني، منها الإبادة الانجابية والتهجير والنزوح وتدمير المنازل، وهو تاريخ مؤلم يعيده الاحتلال وآلته الدموية اليوم.
عندما يكون الاعتداء الجنسي على الفلسطينيات تفصيل ثانوي
منذ السابع من أكتوبر شهدنا موجة تواطؤ إعلامي ونسوي وحقوقي مع الاستعمار الصهيوني تحت ذريعة مناهضة الاعتداء الجنسي. لكننا شهدنا أيضاً على تكرار تاريخ التغاضي عن الاعتداء الجنسي على الفلسطينيات بل والتطبيع معه.
فرغم الانتاج الأدبي والبحثي الغزير الذي تناول قصص وتجارب النساء الفلسطينيات مع الاعتداء الجنسي منذ 1948 وإلى حدود اللحظة في الحرب الاستعمارية على غزة، فقد ظلّ مطموسًا بفعل الماكينة الدعائية للكيان الصهيوني.
في رواية “تفصيل ثانوي” توثق الكتابة عدنية شبلي وجعاً فلسطينياً ظل مغيباً بفعل عوامل عدة على رأسها الاستعمار والنظام الأبوي، وهو استخدام الكيان الصهيوني للاغتصاب كسلاح حرب ضد النساء الفلسطينيات.
تعود الرواية بأثر رجعي للتناول الانتهاكات الجنسية للكيان الصهيوني من خلال وضع إطار زمني في 1948 أي بعد عام من النكبة، فتتبع قصة امرأة فلسطينية تعرضت للاغتصاب والقتل على يد جنود الاحتلال. وفي تفصيل الحدث تقدم عدنية في الجزء الأول من الرواية مشهداً مؤلماً لهذه الجريمة، حيث يعسكر مسؤول كتيبة إسرائيلية مع جنوده في أحد أطراف صحراء النقب، إذ أوكلت إليه مهمة ترسيم الحدود مع مصر ومنع المتسللين العرب من اختراقها، كما يقوم وجنوده بمناورات على القتال في وسط الصحراء، وينتهي هذا القسم بجريمة اغتصاب الضابط لامرأة فلسطينية شابة تصادف وجودها في الصحراء، قبل أن يأمرهم بقتلها وطمر جثتها تحت رمالها (المتحركة ).
ليكون الجزء الثاني تجسيداً لحفظ الذاكرة الفلسطينية التي تقاتل لأجل كشف جرائم هذا الاحتلال، فتقدم الكاتبة شخصية شابة من رام الله تقرأ عن هذه الجريمة بعد أكثر من خمسة عقود على حدوثها، فتقرر أن تذهب في رحلة تقصي عنها.
هذه الرواية لا تقدم محاكمة تاريخية لجرائم الاحتلال الجنسية في حق الفلسطينيات فقط. بل تحث على أهمية توثيقها ومحاسبة الاحتلال عليها، حتى وإن تطلب ذلك خوض رحلة خطيرة ومميتة، لجعل جرائم الاحتلال في قلب الضوء بدل أن تظل تفاصيل ثانوية.