مستشفى الشفاء.. فصل جديد من الإبادة
بعد حصار دام لأسبوعين، انسحبت قوات الاحتلال الصهيوني من مستشفى الشفاء بغزة، مخلفة وراءها دماراً أعاد مشاهد صبرا وشاتيلا، وفتح جُرحاً جديداً في ذاكرة الشعب الفلسطيني يصعب أن يندمل.
فصل جديد من الفواجع والأهوال طلع عليها صبح غزة، ليكون المشهد الذي يصعب وصفه بالكلمات من شدة بشاعة الجرم الصهيوني وتفننه في الوحشية والسادية.
المجزرة الأكبر في التاريخ الفلسطيني
منذ اللحظات الأولى للأول من حزيران/أبريل تجلت فاجعة مستشفى الشفاء، الذي ظل لأسبوعين محاصراً من قوات الإرهاب الصهيونية.
حصار شمل المستشفى والمنطقة المحيطة به بالكامل، وقرر فيه الاحتلال أن يجعلها منطقة موت خالية من أي منفذٍ للنجاة، بعد منع الغذاء والماء عن المحاصرين/ات وممارسة مختلف أنواع الإرهاب ضدهن/م.
وهو ما وثقه تقرير أولي للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، حيث أشار إلى أن “حجم المجزرة الفعلي وأبعادها لم تكشف بعد بالكامل، لافتاً إلى أن تقديراته الأولية تفيد بأن الضحايا أكثر من 1500 فلسطيني ما بين قتيل/ة وجريح/ة ومفقود/ة، نصفهن/م من النساء والأطفال.
وقد سُجل ذلك بناءاً على الإفادات الواردة إلى المرصد ومعاينته الميدانية، والتي خلص من خلالها، إلى وجود مئات من الجثامين داخل المجمع الطبي وفي المنطقة المحيطة به، منها جثامين محترقة وأخرى مقطعة الرؤوس والأوصال.
وبيّن توثيق الأورومتوسطي، أن من بين ضحايا المذبحة “أكثر من 22 مريضاً على الأقل قتلوا على آسرة المستشفيات بفعل الحصار الإسرائيلي للمجمع وتعمد حرمانهن/م من الرعاية الطبية والغذاء والطعام”.
مشيراً إلى أن قوات الاحتلال تعمدت طوال فترة حصارها العسكري للمستشفى “عرقلة وصول الفرق الإغاثية وممثلي المنظمات الدولية للقيام بمهام إنسانية أو عمليات إجلاء”.
ووضح المرصد أن “مجمع الشفاء أصبح الآن خارج عن الخدمة بشكل كامل، بعد أن دمر الجيش الإسرائيلي جميع مبانيه بالتفجير والحرق، بما في ذلك ثلاجة الموتى، وساحاته وممراته الداخلية والخارجية”.
بالإضافة إلى ذلك فقد استهدف جيش الاحتلال بشكل ممنهج الكوادر الطبية في المستشفى، وتعمد تفريغه من كوادره العاملة، سواء بالإعدام أو بالاعتقال أو بالإجبار على النزوح، فيما يبقى مصير بعضهن/م مجهولاً حتى الآن.
حيث كان من بين ضحايا المجزرة الدكتورة يسرى المقادمة وابنها الدكتور أحمد المقادمة.
كما دُمرت جميع البيوت والمراكز المحيطة بالمجمع لتكشف عن محرقة قل نظيرها في التاريخ المعاصر، وتاريخ فلسطين بشكل خاص، حيث وصفها المرصد بالمجزرة الأكبر في تاريخ فلسطين.
مستشفى الشفاء ذاكرة غزة
يعد مجمع الشفاء الطبي أكبر مؤسسة صحية طبية داخل قطاع غزة، حيث يغطي 30% من اجمالي القطاع الصحي بالمدينة.
ويضم ثلاث مستشفيات تخصصية هي مستشفى الجراحة ومستشفى الباطنة ومستشفى النساء والتوليد.
وتبلغ القدرة السريرية الإجمالية له 800 سرير. والمجمع الذي بني على مساحة 42000 م2 كان يتكون من عدة أبنية وبعض الأبنية تتكون من عدة طوابق، ويخدم منطقة التغطية الخاصة بمحافظة غزة وقطاع غزة بشكل عام.
ويشكل المجمع الطبي ذاكرة حية لأهل غزة، حيث رثته العديدات بكونه مكان ولادة أغلب سكان القطاع.
وساهم المستشفى -بعد عناء طويل في تجهيزه- في تخفيف عبء المشاكل الصحية التي كان يعيشها السكان، وفتح الباب لتقليص معاناة المرضى الذين كانوا يقاسون الفظائع بشكل كبير بفعل الحصار.
لن نقول أن هذه المذبحة كانت مفاجئة، فقد كان جلياً أن الاحتلال يريد تدمير البنية الصحية في غزة وحرمان أهلها الذين يشهدون أهوال الحرب منذ ستة أشهر من أي فرصة في النجاة.
لكن هي مشاهد الإبادة التي نأبى تطبيعها أو جعل ضحاياها مجرد أرقام. لا يجب أن نعتاد هذه الحرب الإرهابية التي يقودها العدو الصهيوني ضد غزة وأهلها وأرضها ومستشفياتها وحيواناتها وحجرها وشجرها.