بعد انقطاع الطمث.. هل تفقد النساء رغبتهن الجنسية؟
يختلف تأثير انقطاع الطمث من امرأة إلى أخرى، إلا أن الأفكار المجتمعية السائدة تنظر إليه على أنه مرحلة انتقالية تصبح خلالها المرأة “باردة جنسياً”. فما مدى واقعية تلك الصورة؟
تقول نسرين، 52 عامًا، عن المخاوف التي عاشتها خلال فترة انقطاع الطمث: “عشت مرحلة متزعزعة مع شريكي. كان دائماً يكرر على مسامعي: “المرا بعد الأربعين بتبطل تسوى لشي”. أغلب الرجال في مجتمعاتنا ينظرون إلى الشريكة على أنها “وعاء” ولادة فقط. كانت لديّ مخاوف جدية حيال فقدان الرغبة الجنسية رويداً رويداً، وكذلك بشأن العوارض الجسدية مثل الهبات الساخنة”.
“لقد كبرتِ”، “أصبحتِ عجوز”، “أصبحتِ باردة”، “لم تعد نافعة”، “دخلت في سن اليأس”، “حرام”، “سوف أتزوج امرأة أخرى”، “أقرانك موتى”.
تغيرات بيولوجية مصاحبة لانقطاع الطمث
يُعرف انقطاع الطمث في بعض المجتمعات بـ”سن اليأس”. مصطلح مستمد من تصور شائع يربط بين تلك المرحلة البيولوجية والمعاناة “المحتمة” التي ستعيشها النساء على الصعيد الجسدي والنفسي والجنسي، دون مراعاة الاختلاف بين تجاربهن.
تُشير منظمة الصحة العالمية إلى أن انقطاع الطمث يحدث نتيجة توقف الوظيفة الجريبية للمبيض وتراجع مستويات الإستروجين في الدم. ويمكن اعتبار انقطاع الطمث قد حدث بعد مرور عام دون أن تحيض المرأة مع عدم وجود سبب مرضي أو فسيولوجي. غير أنه قد يحدث أيضًا بسبب عمليات جراحية، أو تدخلات طبية من شأنها أن توقف وظيفة المبيض.
تختبر معظم النساء تلك الظاهرة الفسيولوجية بين عمر 45 و55 عاماً، إلا أن البعض منهن قد يختبرنها قبل الأربعين. ويمكن لهؤلاء النساء أن يواجهن تحديات مجتمعية صعبة، نظراً لفقدان القدرة الإنجابية. وذلك في ظل حصر المجتمع الأبوي للنساء في الدور الإنجابي.
ولعل إنخفاض الرغبة الجنسية يأتي في مقدمة الأعراض التي توصم بها النساء كافة، أحيانا قبل وصولهن حتى لمرحلة انقطاع الطمث. وهو ما يمكن أن يساهم بصورة كبيرة في الحد من القدرة على التعامل مع التغيرات. وهذا من جهة التعبير عن عدم الرغبة الجنسية، فتلجأ بعضهن لتصنع المتعة الجنسية لإرضاء الشريك. وكذلك من جهة الصورة الذاتية للنفس، إذا رغبن فعلاً بممارسة الجنس.
View this post on Instagram
تجارب انقطاع الطمث “فردية”
منذ تكوينهن حتى شيخوختهن، ترافق النساء مجموعة من الصور النمطية المعلبة والأحكام المسبقة المستقاة من الرغبة الذكورية للسيطرة. تُعد بعض الصور المنتشرة حول ضعف الأداء الجنسي للنساء بعد انقطاع الطمث إحدى الأحكام المتوارثة. فهي من جهة، تعمم تلك الصور بمعزل عن الإقرار بفردية كل تجربة. ومن جهة أخرى، تستخدمها كأداة لترسيخ أكذوبة التفوق الجنسي للرجال على النساء، وتعزز العلاقة السلطوية بينهما. فنسمع عبارات من قبيل: “الرجل لا يعيبه شيء”، و “هالمرا بطلت تنفع”.
نسرين لم تفقد رغبتها الجنسية حتى اللحظة. وتعتبر أن كل ما سمعته مسبقًا عن الموضوع هو نتيجة موروثات ومعتقدات وأفكار خاطئة يزرعها المجتمع في عقول النساء. وأشارت إلى أن كل مخاوفها تبددت، عندما مرت بالتجربة. كما ساعدتها مرحلة النضوج التي وصلت لها بعد انقطاع الطمث في فهم مشاعرها ورغبات جسدها وكيفية التعبير عنها، وفق قولها.
وتُضيف: “بالنسبة لشريكي، لاحظ أن شيئًا لم يتغير. وقد طرأ تغيير إيجابي على علاقتنا، عندما أصبحت أعبر له عن رغبتي في ممارسة الجنس معه، فيما كنت أخجل من البوح بذلك في وقت سابق. أما بالنسبة للمحيط، فسمعت منه عبارات عديدة مثل: “زوجك بعد بدو ولاد؟ انتبهي يتزوج عليكي”.
أما هدى، 36 سنة، فلها تجربة مختلفة مع انقطاع الطمث المبكر: “انخفضت الرغبة الجنسية تجاه شريكي بشكل كبير. علماً بأن علاقتي معه ودية وناجحة، لكن تسبب ذلك في توتر العلاقة لفترة مؤقتة. إلا أن شريكي كان متفهمًا، واستطعت لاحقًا التوصل إلى طرق لزيادة الرغبة الجنسية بمساعدة الطبيب”.
وتشدد هدى في حديثها مع “شريكة ولكن” على أن شريكها لعب دورًا أساسيًا في تخطي هذه المشكلة. خصوصاً أنها عانت كثيراً في البداية على الصعيد النفسي، رغم أنها لم تكن تخطط للإنجاب. “بكيت كثيرًا، لأنني لم أعد قادرة على الإنجاب، وشعرت بأنني “ناقصة”. كما أصبحت أكثر ميلاً للعزلة والانطواء، كي أتفادى أسئلة المجتمع وأحاديثهم المزعجة. “هل علاقتك متوترة مع شريكك؟ ألا تحبين الأطفال؟”
ومن هنا، نرى كيف يعزز المفهوم الأبوي رغبة النساء في الإنجاب، ذلك أنه يقوم بحصر أدوراهن واختزالها ويحتم عليهن الامتثال لها، بمعزل عن رغباتهن الحقيقية حيال المسألة.
من المهم القضاء على المنظور السائد الذي يربط النشاط الجنسي للنساء بمرحلة عمرية محددة من حياتهن.
هل تنخفض الرغبة الجنسية بعد انقطاع الطمث؟
ما بين تجربتَي نسرين وهدى الكثير من العوامل التي تؤثر على النساء بطرق مختلفة. وهذه العوامل تجعل لحياتهن الجنسية بعد انقطاع الطمث خصوصية تختلف باختلاف كل العوامل المحيطة بهن. ورغم ما يتردد على مسامعهن من عبارات لا تعكس بالضرورة واقعهن، إلا أنها تأتي لتكرس الصور النمطية التضليلية عن النساء والمحددة سلفاً. وتؤثر على تصور النساء لأنفسهن وتتحكم في أفكارهن وشعورهن أحيانًا.
خلال تواصلنا مع عدد من النساء، بدا لافتاً الصعوبة التي يواجهنها في التحدث عن حياتهن الجنسية بعد انقطاع الطمث. وهو ما دفع بعضهن للامتناع عن المشاركة. إذ لم يكن الحرج من الخوض في تفاصيل تجاربهن أمرًا مستغربًا البتة. ذلك أن إثارة تلك المسألة ما زالت تعتبر من المحرمات الاجتماعية لدى الكثيرات.
من هنا، وجدت “شريكة ولكن” أهمية إعداد استمارة تسهل على النساء الإجابة عن أسئلة متعلقة بالموضوع دون الكشف عن هويتهن. وقد شاركت بها 17 امرأة، تراوحت أعمارهن بين 39 و 69 سنة.
أظهرت الاستمارة أن 11.8% من المشاركات انقطعت الرغبة الجنسية لديهن بشكل كلي. فيما 64.7% انخفضت لديهن نسبيًا، و17.6% لم تتغير رغبتهن الجنسية. وهناك 5.9% ارتفعت لديهن الرغبة بعد انقطاع الطمث.
تشرح المتخصصة في الطب الجنسي الدكتورة ساندرين عطاالله هذا التباين في الإجابات. حيث أكدت على أن تأثير انقطاع الطمث على الرغبة الجنسية يختلف من امرأة الى أخرى. فوجود الرغبة الجنسية قد يكون متعلقاً بمستوى التستسترون لديهن أو بنظرتهن للجنس وعلاقتهن مع الشريك. أما انخفاضها، فقد يكون مرتبطاً بتدني الرفاهية العامة. والأخيرة تشمل عدة عوامل منها التغير في المزاج، تغير شكل الجسم، الاكتئاب، ومن الممكن أن يرتبط بجفاف المهبل، الذي يسبب آلاماً خلال الممارسة الجنسية.
تحسين الرغبة الجنسية
كشفت دراسة أجريت حول تأثير انقطاع الطمث على الوظيفة الجنسية لدى النساء وشركائهن أن تدني هرمون الاستروجين يمكن أن يؤدي إلى انخفاض مرونة الأنسجة وضمور المهبل وجفافه. الأمر الذي يمكن يتسبب في عسر النشوة ويؤثر على حياة النساء الجنسية.
في هذا الصدد، تُشير عطاالله إلى أن الاهتمام بصحة المهبل مهم جدًا. ويعد استعمال الإستروجين المهبلي، المرطبات المهبلية، المزلقات المهبلية، وإعادة تأهيل عضلات قاع الحوض طرقًا أساسية لتفادي هبوط الرحم أو المثانة. وكذلك لتحسين الرغبة الجنسية، إذا رغبت المرأة بذلك.
وتشجّع النساء على استخدام العلاج بهرمون الإستروجين، لأنه يمثل عاملًا مساعدًا في تحسين الحياة الجنسية، وكذلك المزاج، القدرة على التفكير.
وعن الطرق الأخرى لتحسين الرغبة، تقول لـ”شريكة ولكن”: “الحفاظ على الرغبة الجنسية يتعلق أيضًا بأسلوب الحياة. لذلك، من المهم الحصول على ساعات نوم كافية، القيام بنشاط بدني، الحصول على تغذية صحية، والتخفيف من الضغط النفسي”.
معظم النساء اللاتي شاركن في الاستمارة (82.4%) لم يتبعن أي أساليب لتحسين النشاط الجنسي لديهن بعد انقطاع الطمث. نقلنا هذه النسبة إلى المتخصصة بالطب الجنسي التي أرجعت السبب إلى عدة متغيرات. ومنها الأفكار الخاطئة حول الحياة الجنسية والهرمونات، عدم وجود توعية كافية، عدم اهتمام الطب بالمرأة، وعدم التطرق إلى المسألة بشكل عام.
من هذا المنطلق، يجب عدم النظر إلى مرحلة انقطاع الطمث وما يرافقها من عوارض باعتبارها وصمة عار. ومن المهم الاعتراف بحق النساء في مطالبة شركائهن بممارسة الجنس، أو الامتناع عنه بحسب رغباتهن. كذلك الاعتراف بحقهن في التعبير عن ذواتهن، وإحاطتهن بالطرق السليمة والفعالة لتحسين رغبتهن في الممارسة الجنسية، طالما كان القرار نابعاً منهن. ومن المهم أيضًا أن نقضي على المنظور السائد الذي يربط النشاط الجنسي للنساء بمرحلة عمرية محددة من حياتهن. حيث يصل بهن الأمر أحيانًا إلى التشكيك في حقهن بالشعور بالرغبة الجنسية وممارسة الجنس والوصول إلى النشوة.
التأثير النفسي
تحاول الكثير من النساء البقاء بمنأى عن الضغوطات والصور النمطية المتسمة بالذكورية التي تلاحقها. وذلك ليس فقط عند انقطاع الطمث، إنما قبلها أيضًا. لكن الأحكام المتوارثة التي تطالهن قد تترتب عليها عواقب اجتماعية ونفسية.
نستدل بأمثلة عن عبارات سمعتها النساء المشاركات في الاستمارة، والتي من الممكن أن تمثل عبئاً على صحتهن النفسية. “لقد كبرتِ”، “أصبحتِ عجوز”، “أصبحتِ باردة”، “لم تعد نافعة”، “دخلت في سن اليأس”، “حرام”، “سوف أتزوج امرأة أخرى”، “أقرانك موتى”.
تفسر سحر جمعة، المعالجة النفسية التحليلية والسلوكية، تأثير الصورة النمطية السلبية على النساء من المحيط أو الشريك. “هذه الصور يمكن أن تشعرها بالإحباط، وتدفعها إلى العزلة الاجتماعية، وقد يتأثر مستوى القلق لديها ويزيد الضغط النفسي. كما أن الصور المتداولة عن انقطاع الطمث التي تربط وجودها بالأمومة يمكن أن تخلق لديها مشاعر منخفضة وتقلل من ثقتها بنفسها”.
من الضروري إدراك أن تزعزع ثقة النساء بأنفسهن في هذه المرحلة قد يكون ناتجاً عن ربط الإنجاب بالقيمة المجتمعية للنساء. بعينِ ذكورية، انقطاع الطمث لدى النساء يظهرهن على أنهن فاقدات لقيمتهن، ويبقيهن حبيسات تلك النظرة حتى لو قمن بالإنجاب سابقاً.
وتُضيف سحر جمعة: “من الممكن أن تتماهى المرأة مع هذه الصور والتنميطات الذكورية وتتبناها. ويمكن أن تأخذها على محمل الجد، حتى تصبح جزءًا من صورتها عن نفسها. ويصعب من الأمر عدم قدرتها على مناقشة المسألة مع شريكها أو المحيط لاعتبارها من المحرمات الاجتماعية”.
وتكشف سحر أن الكثير من النساء يتحملن الأعراض في صمت، ويستمررن بممارسة الجنس. وذلك رغم عدم استمتاعهن، أو شعورهن بالألم، للحفاظ على صورتهن في ذهن الشريك، وعدم وصمهن بأنهن “لم يعدن صالحات جنسياً”.
View this post on Instagram
تفكيك الصور السلبية
عادة ما يتم الترويج لعدم قدرة النساء على التعامل مع أعراض انقطاع الطمث، ومن ضمنها الأعراض الجنسية، وربط عدم قدرتها على الإنجاب بفقدان قدرتها على الحب وممارسة الجنس والتحكم بمشاعرها. لذا، لا بد من عرض مجموعة من النصائح التي يمكن أن تساهم بتفكيك الأفكار الخاطئة.
تقول المعالجة المختصة ساندرين عطاالله أن التثقيف الصحي مهم جدًا في هذا الإطار. وهذا للتمكن من معرفة الحقائق الطبية حول انقطاع الطمث وتأثيره على الجسد والعقل. كما يساعد ذلك في التخفيف من الصور السلبية المرتبطة به والموروثة من المجتمع، مع ضرورة البحث في مصادر طبية موثوقة.
علاوة على ذلك، تشجع النساء على النقاش حول الموضوع وعدم كبت مشاعرهن. هذا بالإضافة إلى التواصل مع شركائهن حول التغيرات التي طرأت على أجسادهن ومصارحتهم بشأن المخاوف والاحتياجات العاطفية والجنسية.
بحسب المعالجة، الدعم النفسي في هذه المرحلة من قبل معالجات/ين نفسييات/ين أو مجموعات داعمة أمر هام. ذلك في حال واجهت النساء صعوبات، سواء كان الأمر متعلقًا بالصور النمطية السلبية، أو بالمشاكل المرتبطة بالتغيرات الهرمونية. والأخيرة يمكن أن تؤثر على المزاج، التغيرات الجسدية مثل تغير الوزن واضطرابات النوم، التغيرات على المستوى الاجتماعي مثل فقدان الوظيفة، والضغوطات العائلية.